حسن العيسى

قوانين جائرة

حين شرع الزعيم ماو في الصين بالقفزة الكبرى عام ٥٨ حتى تنهض صناعياً مات أكثر من عشرين مليون صيني من جراء المجاعات، وأخذت عائلات في القرى تأكل جيف أبنائها أو تتبادل أجساد الأطفال الموتى مع عائلات أخرى. كانت القيادة الصينية تستند إلى قانون.
وحين استهل ستالين عهده المرعب في الاتحاد السوفياتي ونقل الملايين من مناطق سكنهم وألقى بهم في سيبيريا، ثم فتح أبواب "الكولاج" (معسكرات وسجون العمل الجماعي) وشرد وقتل الملايين من الشعب الروسي، ومن البولنديين في نهاية الحرب العالمية الثانية، بشكل يفوق ما صنع النازيون مع بولندا كان ستالين يستند في كل ما فعل إلى قانون.
وحين ابتدأ السيناتور مكارثي في الخمسينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة حملة ملاحقة أهل الفن والأدب بتهم الانتماء إلى التنظيمات الشيوعية كان القانون أو الغلو في تفسيره يقف خلف ذلك السيناتور.
ماذا عن بلاد العرب؟! عدّوا من غير حساب؛ من قانون الطوارئ في مصر الذي استمر ما يقارب الثلاثين عاماً، إلى أن أسقطته ثورة يناير، إلى قوانين ليس لها أول ولا آخر في دولنا القمعية دون استثناء، والتي تذوب فيها الدولة بشخص الحاكم، كانت الأنظمة تتوكأ دائماً على نص القانون!
لا يهم التفكير حول ما إذا كانت تلك القوانين دستورية أم غير دستورية في بلاد ليس لها تراث في الحكم الدستوي، ولا يهم إن كانت تلك القوانين لم تصدر عن الإرادة الشعبية إنما تم تفصيلها من ترزية النظام الحاكم. يكفي أنها "قوانين" وتعبر عن إرادة "صاحب السيادة"… وليس بالضرورة أن تبصم السلطة التشريعية عليها إن كانت تلك السلطة ملحقة تابعة لرب العمل الحاكم، أو تهمل تلك السلطة مراجعة تلك القوانين حين يغيب البعد الثقافي التشريعي عند نوابها، مثلما حدث في الكويت حين بقيت قوانين سيئة تخالف أبسط مبادئ العدالة سارية عقوداً من دون أن يقربها أحد من النواب.
لن أكرر أمثلة على تلك القوانين، لكن القانون الذي يحظر التجمعات والمظاهرات السلمية مازال قائماً، ويؤسس شرعية جوفاء للداخلية لقمع المظاهرات بحجة عدم الحصول على ترخيص منها وهي صاحبة الأمر والنهي. والترخيص هنا يعد ضرباً من الخيال، وعليه فهناك دائماً المبرر القانوني للسلطة وأتباعها لقمع التجمعات ومصادرة حريات الشباب، وتجد أحزاب "التبع" تبريرها اللازم بعبارة "ليس للمتظاهرين" ترخيص! وهناك قانون الجنسية الذي يطلق يد السلطة دون قيد في منح الجنسية أو سحبها أو إسقاطها دون معقب من القضاء. فوض السيد صالح الفضالة كي يصرح أن مجرد وجود اسم طالب الجنسية في إحصاء ٦٥ لا يعني بالضرورة أنه يستحقها، متى يستحقها إذاً في غير حالات المزاج الشخصي لصاحب الأمر والسلطان؟! لكم أن تفتحوا أضابير قوانين كثيرة سارية في دولة "يارب لا تغير علينا" تضرب بحقوق الإنسان وحريته عرض الحائط، وليس لأحد أن يعترض عليها، أقصى ما تتوقعه السلطة من المعترضين عليها أن يتهامسوا بها سراً فيما بينهم، أكثر من ذلك سيعني هراوات القوات الخاصة تهوي على أجساد الشباب منهم، وغازات تخنق أنفاسهم. ألا يكفي أن هذه السلطة بقوانينها وممارساتها تخنقنا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي حتى اليوم؟!

احمد الصراف

ودّي أصدّق

صدقت «الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان» نفسها، وأصدرت بياناً بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أكدت فيه أهمية حماية حقوقه في الكويت وفق رسالتها (!!) وطبعاً، هذا موقف مضحك من جمعية خاملة، تعرف جيداً أن ما ذكرته في بيانها يتنافى مع فكر وهدف جميع العاملين فيها، فقد ذكرت في البيان أنها تشعر بالقلق بشأن ملف حرية الرأي والتعبير في الكويت، لا سيما ما يتعلق بملاحقة المدونين والمغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومراقبة وحجب بعض المواقع الإلكترونية، وإغلاق بعض الصحف! ويتزايد قلقها مع تحول العنف والقمع لمنهجية تسير عليها الحكومة في أثناء التعامل مع المسيرات والاعتصامات السلمية، المكفولة بكل المواثيق الدولية! وهل تعترف الجمعية بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان أصلاً؟ ما علينا، سنعتبر كلامها لا معنى له، فما هي حرية الرأي التي تتكلم عنها الجمعية، وهي التي تعاونت الحكومة مع مجاميع التعصب والتشدد الديني على تأسيسها نكاية بالمرحوم جاسم القطامي ومزايدة على «الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان»، التي كان يرأسها في حينه، والتي أضاعها أصحابنا بكل سذاجة، وكانت الجمعية الوحيدة في مجالها المعترف بها محلياً ودولياً؟
كما تستطرد جمعية «المقومات»، ويا لها من مقومات، في إبداء قلقها من مشكلة عديمي الجنسية، وتصفها بالإنسانية والأكثر نزفاً! وهذا جميل، ولكن جماله سرعان ما ينتهي عند استعراض أسماء وخلفيات القائمين على الجمعية، فهل كانوا سيفعلون شيئاً لو لم يكن صوت هؤلاء البدون «المذهبي» سيصب في نهاية الأمر في مصلحتهم؟ وهل كانوا حقيقة سيلقون العناية نفسها منهم لو كانوا من أتباع دين مختلف؟
كما تطرقت الجمعية في بيانها إلى حقوق العمال، والمقصود هنا العمال الآسيويين بالذات، وهذا نفاق ما بعده نفاق، فالجمعية تعلم جيداً أن من صلب حقوق العمالة الوافدة أن تمارس شعائرها بالطريقة المناسبة، كمقر أو دار للعبادة، ولم يعرف عن الجمعية أنها وقفت مثلاً مع هذا الحق، وقصة رفض طلب مسلمي البهرة بمسجد لا تزال طرية، فكيف بموقفهم من طلب كنيسة أو مقبرة لغير المسلمين؟
كما تطرق البيان، بشكل مضحك، إلى حقوق المرأة وضرورة مساواتها بالرجل(!) وكيف أنها ما زالت تواجه صعاباً في الحصول على جميع حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي لا تخالف الشريعة(!) ولم يتطرق البيان، طبعاً، إلى أهم حقوقها وهي السياسية، التي عن طريقها يمكنها أن تحصل على أي حق آخر.
إن ظروف تأسيس هذه الجمعية، التي لم يكن ولن يكون لها لزوم، مثال على التحالف غير «المطمئن»، بين السلطة والقوى المتخلفة، والذي نمني النفس من غير نفس، أنه قد انتهى، أو خمد على الأقل، فقد تأسست بمبادرة من النائب (السابق) فهد الخنة، ودعم قوي من الوزير (السابق) أحمد باقر، ووافقت الحكومة، في ليلة من غير قمر من عام 2005، على ترخيصها، عندما كان الحظر على التراخيص، ولا يزال، في قمته!
***
ملاحظة: الطريف في موقع الجمعية التي ادّعت، في بيانها، الدفاع عن حقوق المرأة أنها وضعت صور جميع أعضاء مجلس الإدارة من الذكور، ولكنها حجبت صور الأعضاء الإناث.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

علي محمود خاجه

وأيضاً شهر

قبل عام تقريباً وتحديداً في مارس الماضي كتبت بعد مرور شهر من انعقاد مجلس فبراير المبطل، وكيف أن الأغلبية المبطلة حينذاك انصرفت عن الأمور التي تهم الكويت وتقدمها واتجهت إلى قضايا تعيسة وغير دستورية لا حصر لها في غضون شهر واحد فقط، واستمر أداؤهم المتخم بعدم احترام الدستور والتعدي على الحريات إلى حين إبطال المجلس بعد مرور أربعة أشهر من انعقاده. ومن باب المقارنة فنحن اليوم أمام مجلس جديد مضى على انعقاده شهر أيضا بتركيبة مغايرة تماما عن تلك التي كانت في فبراير، وشعارات نيابية استند معظمها إلى مسح الصورة السيئة لمجلس فبراير. – عقدت الكثير من اجتماعات النواب في مجلس فبراير بالجواخير والمزارع، وكانت محل انتقاد نواب ديسمبر ومؤيديهم، وها هم نواب مجلس ديسمبر يجتمعون أيضا في المزارع والدواوين أيضا!! – تعدى نواب مجلس فبراير على حريات الناس وشككوا في نوايا الشعب الكويتي من خلال اقتراحات حمقاء كقانون الحشمة في تلميح واضح إلى أن المجتمع تحكمه الغرائز دون عقل أو تفكير، فثارت ثائرة نواب ديسمبر ومؤيديهم على اقتراح يشكك في نوايا الناس ويتدخل في تربيتهم، واليوم يقترح نواب ديسمبر قانونا يجرّم الهمز واللمز في الذات الأميرية في محاسبة واضحة للنوايا، فوفق قانونهم المقترح من المحتمل أن يسجن شخص لمدة خمس سنوات لأنه قال " الحَكَم ظالم" حتى إن كان قوله مقترن بمباراة كرة قدم!! – تغاضى نواب فبراير عن ٦٠٠ مليون دينار هي مبلغ تعويض الداو كيميكال لمجرد أنهم لم يرغبوا في أن يتمزق تحالفهم (حدس والشعبي) فقبلوا أن تذهب ٦٠٠ مليون دون حساب في تعارض صريح مع واجبهم بالذود عن أموال الشعب، واليوم يوافق حسب ما يتردد أكثر من ٤٠ نائباً على إسقاط القروض عن المواطنين، والتي اقترضها المواطنون طواعية من الجهات الممولة في تعدٍّ واضح على المال العام أيضا. – ملأ نواب فبراير الصحف تهديداً باستجواباتهم لمختلف الوزراء بل وجهوا استجواباتهم أيضا، فكان نواب ديسمبر يعدون الناس بزوال الاحتقان الحكومي النيابي مع المجلس الجديد، وها هم اليوم يهددون الوزراء المختلفين بالاستجوابات أيضا في استمرار ملحوظ لأسلوب نواب فبراير. هذا هو أداء مجلس ديسمبر المشابه لمجلس فبراير في أول شهر من عمره، وأعلم جيدا أن من قال لي في مارس الماضي إنه من المبكر الحكم على مجلس فبراير سيسوّق هذا المقال ليثبت سوء مجلس ديسمبر، وبالمقابل فإن بعض من سوّق مقالي في مارس سيصفني بالمستعجل أو المتصيد على مجلس ديسمبر. المشكلة لم تكن ولن تكون في صوت أو بأربعة، بل في انحدار مستوى الاختيار لدى الكويتيين وانحراف العقليات عن المسار الطبيعي الذي جبلت عليه الكويت، وأوصلها إلى التقدم في فترات سابقة، ولن تجدي محاولات التغيير بعدد الأصوات أو النظام الانتخابي ما لم تكن هناك حركة إصلاحية شاملة تقوّم هذا التردي، أساسها التربية والتعليم وحرية الفكر وتشجيع الإبداع والتغيير. خارج نطاق التغطية: تصرح الجهات المختصة في الكويت أن الشوارع في الكويت لا تستوعب إلا ٩٠٠ ألف سيارة في حين أن السيارات المسجلة تعادل مليوناً وسبعمئة ألف سيارة تقريبا، بمعنى أن عدد السيارات المسجلة ضعف الطاقة الاستيعابية، وهي بلا شك لم تحدث فجأة، ولم تتصرف الدولة تجاه هذا الأمر أبدا إلا بتصريح واحد وهو أن الزحمة نعمة!!

سامي النصف

الكويت بين قاسم وصدام

اذا ما تركنا الملك المخمور غازي الذي كان يذيع من قصر الزهور، وقفزنا على محاضر رشيد عالي الكيلاني مع الفوهرر عام 41 والذي طالبه فيها بعد تحرير هتلر للعراق ودول المنطقة بأن يبدأ بضم الكويت وعربستان لبلاد الرافدين تمهيدا لتمويله لبروسيا العرب ومن ثم ضم باقي دول الهلال الخصيب التي كانت بمفهومه الدول العربية الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط حيث ألغيت دول وادي النيل وشمال افريقيا من مفهوم العروبة.

***

ثم تناسينا مشروع نوري السعيد عام 58 لخلق اتحاد ملكي ثلاثي يزايد على الوحدة الثنائية بين مصر وسورية انذاك لتضم ملوك «الكويت والعراق والاردن» واتجهنا للمقارنة بين نظامي الاقليمي والقطري وحتى الشعوبي كما سمي في حينه ونعني نظام عبدالكريم قاسم ذي الاصول اليمنية في جده السادس والبعثي والعروبي الوحدوي سيف العرب (كذا) صدام حسين غير معروف الاصول كما يذكر مؤرخو العراق، لوجدنا فروقات كثيرة وكبيرة تصب لصالح الاول على حساب الثاني.

***

وقد كفانا الزميل حسن العلوي في سلسلة من كتبه عناء المقارنة بينهما فيما يخص ما عملاه للشعب العراقي حيث اثبت ان عبدالكريم قاسم افضل بكثير من صدام حسين حيث ان سيئاته تعتبر حسنات بالنسبة لصدام حسين، فمحاكمات المهداوي المقتبسة طبق الاصل من محاكمات البكباشي جمال سالم للاخوان المسلمين عام 54 كانت اخر محاكمات علنية يتاح فيها للمتهمين حق الدفاع عن نفسهم حيث رفع قاسم شعار «الرحمة فوق القانون» بينما رفع صدام شعار «لا رحمة ولا قانون ولا محاكمات» بل مقابر جماعية للجميع، وكان قاسم عفيف الجيب والفرج فلم يستبح الاموال والاعراض بعكس طاغية العصر صدام.

***

وفيما يخص الكويت وان كنا نتحفظ على ما فعله الاثنان تجاه بلدنا الا ان اي مقارنة منصفة بينهما تصب قطعا لصالح عبدالكريم قاسم الذي هدد ولم يغز ولم يجرح احدا رغم خروج القوات الانجليزية، وحتى قوات الجامعة العربية التي لم يبق منها إلا 300 جندي وضابط على الحدود بينما غزا صدام الكويت وقتل ودمر وحرق وهتك الاعراض ولو استمر في الحكم لغزانا مرة اخرى أو لغزا الاردن ومن ثم فصدام هو الاسوأ للشعبين الشقيقين وللأمة العربية جمعاء.

***

آخر محطة: العزاء الحار لـ آل الخرافي والصبيح الكرام على فقيدهم الشاب جاسم انور الخرافي، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

احمد الصراف

مربى خوخ أو مربي أجيال

لا أعتقد أن دولة في العالم صرفت على التعليم بسخاء كما فعلت الكويت في تاريخها الحديث، وأتذكر جيدا أننا كنا كطلبة مدارس حكومية، قبل نصف قرن، سعداء جدا بما كانت تعطينا اياه المدرسة من مواد وحرية ونشاط مسرحي وتحرير صحف حائط، من دون قيود، بل انفتاح تام على الآخر، وهو ما يفتقده التلميذ أو الطالب الآن، ليس في مدارسنا فقط بل في كل مناحي حياتنا، بعد ان أدخل مستفيدون سوسة التطرف بيننا، فهؤلاء، وبينهم رجال دين، يعرفون جيدا أن في تقاربنا خراب بيوتهم، وافلاسهم في وحدتنا، وخرابهم في تكاتفنا، ورزقهم وارتفاع أهميتهم في تفرقنا وتشتتنا، وهذا ينطبق على اصحاب أي مذهب أو دين. ولكن بالرغم من كل ذلك الصرف الذي وصل لمليارات، الدنانير والدولارات، الا ان الأمر انتهى بنا اخيرا لأن نصبح في الدرك الأسفل في مخرجات التعليم عالميا، ففي تقرير اصدرته «تيمز وبيرلز»، (القبس 2012/12/12)، كان ترتيب الكويت 48 بين 50 دولة فقط، وهذه مرتبة شديدة التدني ومؤلمة وتفشل! ولكن لو عاد الأموات من وزراء تربية وتعليم سابقين للحياة ووضعناهم مع الأحياء من وزراء تربية، الذين نتمنى لهم عمرا اطول، لما رفض غالبيتهم العودة والعمل كوزراء تربية، من دون اعتبار لكل ما تسبب فيه غالبيتهم في ايصالنا لهذا الدرك الأسفل! وهذا ذكرني بفقرة وردت في أحد كتب الفلسطيني الراحل ناصر الدين النشاشيبي، أنه عندما زار ألمانيا لأول مرة، بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات، تمنى لو كان النازي هتلر حيا ليستمع منه عن سبب وضعه العرب في الدرك الرابع عشر من شعوب الأرض، ومن بعدنا اليهود والسود! وهذه نظرة عنصرية عفا عليها الزمان طبعا، ولكنها جزء من تاريخ البشرية على اي حال. فما الذي يمكن ان يقوله اي مسؤول حالي في التربية من درجة وكيل وزارة أو أدنى من كبار مسؤولي المناهج؟ ألا يستحي هؤلاء من أن تصبح واحدة من «أمة اقرأ» في المرتبة الـ46 في القراءة بين 49 دولة، نصفها لا يجد ما يسد به رمقه؟ نحن لا نتكلم هنا عن الفيزياء ولا على بطولة القفز بالزانة ولا بمواد دروس الأحياء ولا بمسابقات رفع الأثقال، بل نتكلم عن ترتيبنا في القراءة، في القراءة يا ناس يا بشر! فكيف يحدث ذلك بعد صرف عشرات وربما مائة مليار دولار على التعليم؟ انه أمر مخجل بامتياز، ومؤلم حتى العظم، ولكن ليس باليد حيلة. كل ما نريده هو استقالة واحدة من مسؤول كبير على هذه النتيجة المخزية، هل صعب هذا؟ اذا، نريد اعتذارا واحدا من مسؤول متوسط، هل يستحيل هذا أيضا؟ اذا، نريد من واحد من هؤلاء أن يضع، بينه وبين نفسه، وجهه بين يديه ويتوارى عن نفسه خجلا من هذا العار، ويمتنع اليوم عن الذهاب الى ديوانيته المعتادة! ولكن لا شيء من هذا سيحدث فقد «تمسحت» جلودنا ووخز الابر اصبح لا ينفع معنا أو يؤثر فينا!
ملاحظة 1: أثار بعض حملة شهادة «الدكتوراه» المضروبة والصادرة من جامعات وهمية أو غير معترف بها، ضجة كبيرة قبل اشهر بسبب عدم اعتراف الوزارة بشهاداتهم، وفجأة «خف الرمي» وخفتت الضجة، فهل تم ارضاء هؤلاء، واصبح منهم مربو أجيال؟ أعتقد ذلك!
***
• ملاحظة: يقول المثل الصيني «تجاهلك للكذاب الجاهل سيجعله يتمادى اكثر في جهله وعدوانيته وسيؤدي ذلك في النهاية لتقطع مصارينه»!

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

سامي النصف

جريمة الواجهة البحرية والليل وآخره!

شاب احسن أهله تربيته شاهد مخالفة صريحة للقانون عبر استخدام العجلات النارية الخطرة والمزعجة في الممرات المخصصة للمشاة على الواجهة البحرية، فنبه الفاعلين الذين بدلا من شكره وتقديره على نصحه قاموا بطعنه في خاصرته وضربوه حتى أدموه، فهل المراد اشاعة جو من الرعب والقفز على القوانين في البلد وما الأسباب الحقيقية لما حدث؟!

****

شخصيا اعتقد ان حادثة طعن الشاب محمد عادل الفلاح لا تقل ان لم تزد فداحة عن جريمة الأفنيوز الشنيعة، ففي الأخيرة لم يكن مع الجناة سلاح بل قاموا بسرقته من أحد المتاجر، أما في جريمة الواجهة البحرية فواضح ان الجناة كانوا يحملون السلاح بشكل مسبق، ما يعني انهم خرجوا من جحورهم للإيذاء والقتل، ولو لم يكن محمد الفلاح الضحية لكان أي واحد منا.

****

ذكرنا سابقا ان الاحكام القضائية المخففة هي احد الاسباب الرئيسية لتلك الجرائم، ومثلها المسيرات التي تشجع الشباب على التعدي على رجال الأمن وكسر هيبة الدولة، وقبلها ما يأتي من تقارير للطب النفسي الذي يقول بعض مختصيه سرا ان القيادة السياسية تستطيع فقط تخفيف حكم الإعدام الى المؤبد بينما يستطيعون هم تحويل حكم الإعدام الى البراءة، وهو أمر رأيناه مطبقا في احدى القضايا الشهيرة التي راح ضحيتها 5 أبرياء وخرج الفاعل ليشتكي أحد أقربائه في احدى الصحف قبل مرور عام على الجريمة التي هزت مشاعر أهل الكويت.

****

وفي هذا السياق قرأت قبل أيام تصريحا مؤسفا لاحد الأطباء العاملين في الطب النفسي وهو يبحث عن الاعذار للفاعل في جريمة الأفنيوز عبر القول انه من فئة مغبونة، وهو بذلك يعطي اجازة للقتل لكل من يشعر بالظلم في بلد اسميناه في مقال سابق «بلد المليون مظلوم» حيث تتفشى ظاهرة الشعور «الكاذب» بالظلم لدى كل مواطن ومقيم. ان التبرئة التي تأتي من الطب النفسي يجب ان تعني بقاء المريض او من يدعي المرض النفسي لتبرير جرائمه في المستشفى الى الابد، لا ان يطلق سراحه على الأبرياء، وتتبقى ضرورة ارسال المئات لدراسة الطب النفسي وإنشاء عيادة نفسية في كل مستوصف اضافة الى بناء عشرات المستشفيات.. وعشرات السجون للحد من الجرائم!

****

آخر محطة: سأل أحد النواب في مجلس سابق زميلا له عن جدول اعمال يومه، فأجابه أصحو من النوم وألعب رياضة ثم اقوم بواجبات العزاء، وفي الليل اقوم بواجبات زيارة الاعراس ثم آوي إلى النوم، ولكن ما جدول يومك؟ فاجابه زميله: انا مثلك أمضي النهار في تقديم واجب العزاء واول الليل في زيارة الافراح اما آخر الليل فاتفرغ لاخراج المتهمين من المخافر «كفو» ويقال لماذا تفشت الجريمة في البلد؟!

حسن العيسى

اقتراح نواب «مصو»

تقدم ستة أعضاء في مجلس "مصو" البرلماني (اختصار مجلس الصوت الواحد) باقتراح بقانون لتعديل نص المادة ٢٥ من جرائم الدولة "الطعن في حقوق الأمير أو سلطته"، بزيادة العقوبة إلى ١٥ سنة كحد أقصى، ولا تقل عن خمس سنوات كحد أدنى، وأضافوا إلى نص المادة عبارات تكاد تشق صدور خلق الله وتحاسبهم على نواياهم، لتشمل جرائم النشر الإلكتروني كافة، رغم أن نص المادة ٢٥ يعاقب كل صور الجريمة بعبارة "أي وسيلة كانت". مثل ذلك الاقتراح المقدم من نواب "مصو" يمكن عده صورة من الصور البشعة للتشريعات الدراكونية في دول الاستبداد، ودراكونية منسوبة إلى الفقيه والمشرع الروماني "دراكو" الذي جرم أبسط الجرائم بأشد العقوبات، ولم يبق غير أن يزايد بقية زملاء مجلس التابعين ليوم الدين للمطالبة بعقوبة الإعدام بالحرق للمتهم بمثل تلك الجرائم، على نحو ما فعلت بعض دول أوروبا في عصور الظلام للمتهمات بالسحر.
برافو لنواب "الليبرل" الدائرين في فلك السلطة على اقتراحهم الرهيب بتشديد العقوبات على جرائم الرأي، والضمير! اقتراح مخجل لا يهدف لغير تكميم الرأي المعارض للسلطة، وليس هناك أي غرض لنواب "مصو" الستة الذين قدموا الاقتراح غير البطش بالشباب المعارضين، وصلب النائب مسلم البراك الذي أقلق وجودهم وشرعيتهم في مجلس التبع. ماذا يهدف هؤلاء النواب من اقتراحهم غير إظهار أنفسهم على أنهم ملوك أكثر من الملك، حين ضربوا لنا أسوأ مثال في ممارسة التزلف للسلطة، ومثل اقتراحهم يسيء للدولة بالخارج بأكثر مما يسيء لهم، فالعقوبة المنصوص عليها في أصل المادة ٢٥ أكثر من كافية، وتعطي الخيار للقاضي للنزول بالعقاب للحد الأدنى متى رأى ذلك مناسباً لظروف التهمة، ولا أعرف اليوم أن هناك من قصد عامداً الإساءة لحضرة صاحب السمو أو الانتقاص من سلطته، وإذا تحدث بعض الشباب المعارضين بنبرة صوت عالية في تجمعاتهم أو عبر وسائل الاتصال الإلكتروني فلم يكونوا غير حسني النية في رفضهم لمرسوم الصوت الواحد، ولم يدر بخلد أي منهم المساس بسمو أمير البلاد، فماذا يبتغي نواب "مصو" الستة بعد كل ذلك؟! هل بلغت التشريعات الكويتية الكمال؟ هل انتهينا من عيوب لا أول ولا آخر لها في التشريعات الكويتية مثل حظر القضاء من النظر في مسائل الجنسية وقانون المحكمة الدستورية وغيرهما حتى يعرض نواب مصو سواد الوجه في اقتراحهم السابق؟ وهل أضحت التشريعات أداة انتقام وبطش لأصحاب الرأي الآخر؟ وهل من الحصافة التشريعية فرض سوء الطوية للمتهمين حين دس مقدمو الاقتراح كلمتي "الهمز أو اللمز" في اقتراحهم؟ أمن أجل ذلك انتخبوكم، وكأن البلد قد أفلس من دعاة الحق؟… يا خسارة الوطن بهذا المجلس البائس!

احمد الصراف

متى نحذو حذو دبي.. أمنياً؟

يوماً عن يوم، ومنذ أكثر من 60 عاماً، وتنظيم «الإخوان» في الكويت ودول الخليج الأخرى، يحكم قبضته على الكثير من مفاصل الدولة، استطاع خلالها جمع مليارات الدولارات وتحويلها ليوفر عيشاً آمناً وفاخراً لعشرات من «أمناء» صناديق «الإخوان»، ومديري ثرواتهم الطائلة في سويسرا وجزر الكيمان! وبالرغم من طول المدة، أو ربما بسببها، لم يستطع أي من أنظمة الخليج، طوال تلك المدة، وقف امتداد الجماعة والحد من نشاطهم، بل كانوا في أحيان كثيرة، خصوصاً في الكويت، مشاركين في الحكم، ولم يكن أي تشكيل وزاري يخلو منهم، وأصبحوا مستشارين كباراً جداً لمن هم أكبر منهم، وحدها الإمارات، ودبي بالذات، نجحت في شق عصا الطاعة على التنظيم والإشهار به وبأنشطة أعضائه علناً ومخططاتهم ومؤامراتهم، وبالتالي لم يكن خبر القبض على الخلية الأخيرة في الإمارات وإطاحتها خبراً مفاجئاً. وورد في صحيفة «الخليج» أن التحريات والمتابعة على مدى فترات تجاوزت السنوات لقيادات التنظيم وعناصره، أكدت قيامهم بإدارة تنظيم على أرض الدولة يتمتع بهيكلة تنظيمية ومنهجية عمل دقيقة، وكان أعضاؤه يعقدون اجتماعات سرية في مختلف مناطق الدولة في ما يطلق عليه تنظيمياً «المكاتب الإدارية». وتقول المصادر المطلَّعة إن المكاتب الإدارية كانت تقوم بدعوة بعض أبناء الجالية المصرية في الإمارات للانضمام إليهم، كما أنهم أسسوا شركات وواجهات تدعم التنظيم على أرض الدولة، وجمعوا أموالاً طائلة وحولوها إلى التنظيم الأم في مصر بطرق غير مشروعة، كما كشفت المتابعة تورّط قياداتهم وعناصرهم في عمليات جمع معلومات سرية حول أسرار الدفاع عن الدولة، وعن وجود علاقات وثيقة بين تنظيم الإخوان المسلمين المصري، وقيادات التنظيم السري في الإمارات، المنظورة قضيته في نيابة أمن الدولة، وكيف أن التنسيق بين الطرفين كان مستمراًَ مع لقاءات سرية، ونقل للرسائل والمعلومات بين تنظيم الإخوان المسلمين في مصر وقيادة التنظيم السري. كما ورد في الخبر أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين المصري في الإمارات قدَّم العديد من الدورات والمحاضرات لأعضاء التنظيم السري في الإمارات حول الانتخابات وطرق تغيير أنظمة الحكم في الدول العربية. ومن المتوقع أن تكشف التحقيقات الجارية عن معلومات خطرة عن المؤامرات التي كانت تحاك ضد الأمن الوطني للإمارات، وأن تشمل قائمة المتهمين مئات العناصر المرتبطة بالشبكة الإخوانية، وأن بعض هذه العناصر قد أدرجت بالفعل في قائمة الممنوعين من السفر خارج الدولة تمهيداً لاستدعائهم للتحقيق. وورد في الخبر كذلك أن تنظيم الإمارات تلقى دعماً بما يقارب 4 ملايين دولار من دولة خليجية(!) لمساعدتهم في قلب الحكم الفدرالي، وتأسيس حكومة دينية بوسائل غير مشروعة عبر جناح عسكري ضمن المنظومة العالمية للإخوان المسلمين! ولو تساءلنا، بكل براءة: إذا ما صحت كل هذه المعلومات، فأين نحن من كل ما جرى ويجري في الإمارات؟ وهل نحن حقاً محصنون؟ ولماذا لا تتحرك أجهزة الدولة لوضع حد لامتداد «الإخوان» داخل مرافق الدولة ووزاراتها؟ وهل بإمكان الأجهزة الأمنية التحرك لوضع حد لأنشطتهم، في ظل وجود كل ذلك الكم من المستشارين، من عظام رقبة الإخوان المسلمين، لدى كبار المسؤولين؟

أحمد الصراف

www.kalama nas.com

مبارك الدويلة

مصيبة مثقف ليبرالي

مشكلة المثقف الليبرالي أنه يتكلم في كل شيء، لأنه يعتقد أنه يفهم في كل شيء! وأقرب مثال على ذلك زميلنا في الصفحة الأخيرة، الذي يظن أنه أفهم واحد في كل شيء، وأن المنة على الحكومة إذا طلبت استشارته! فتجده يكتب في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، ويوحي لك بأنه الوحيد الفاهم وغيره عالة على المجتمع! ولعل من أواخر شطحاته ما كتبه في الهندسة قبل أيام، وحتى يبين أنه بروفيسور هندسة، اعترض على سماح الحكومة لمهندسي الميكانيك بافتتاح مكاتب هندسية! وتساءل عن علاقة الهندسة الميكانيكية بالعمل في هذا المجال؟! وليبين المزيد من الفهامية، قال إن الكويت اليوم تحتاج إلى المهندس المعماري أكثر من غيره! ولا أعرف من أين جاء بهذا الاستنباط الفهلوي! وماذا ممكن أن يقدم المعماري في مصافي النفط ومراكز التجميع ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وتمديد خطوط الماء وتركيب أبراج خطوط الضغط العالي ووووو….. إلخ من الأعمال، التي تحتاج إلى مهندسين في الميكانيك والكهرباء والبترول والهندسة الصناعية وغيرها؟! أليس هؤلاء أهم للكويت من المهندس المعماري؟ أم أن الكويت تحتاج إلى أبراج تجارية وناطحات سحاب أكثر مما ذكرت آنفا؟!
نعود إلى موضوع المكاتب الهندسية لنوضح حقيقة غابت عن زميلنا، وهي أن عمل هذه المكاتب هو إصدار المخططات اللازمة للمباني لترخيصها من الجهات المختصة. وهذا يتم وفقا للآلية التالية:
ــــ المهندس المعماري يعطي الفكرة التصميمية concept.
ــــ المهندس المدني يحول الفكرة إلى كروكيات.
ــــ مهندس الكهرباء يرسم المخطط الكهربائي ويوضح نقاط الكهرباء ويحسب الأحمال الكهربائية.
ــــ مهندس الميكانيك (تخصص التكييف) يرسم مخطط التكييف، موضحا تمديدات مجرى الهواء وسعته وأبعاده وأماكن الفتحات وقوة الأحمال المناسبة لكل جزء من المبنى.
ــــ مهندس الميكانيك (تخصص صحي) يوضح ويرسم التمديدات الصحية وتوصيلها بالمجاري الرئيسية وتوزيع المياه.
ــــ مهندس الميكانيك (تخصص إطفاء) يرسم مخطط الحريق وتوزيع شبكة الإطفاء ومصادرها.
ــــ الرسام المعماري يرسم المخطط وفقا لهذه المعطيات.
ــــ المهندس الإنشائي (مدني) يحسب كميات الحديد والخرسانة وتوزيعها ويرسم مخططاً إنشائياً للمبنى.
بعد ذلك يتم ختم المخطط وتوقيعه وتحويله للبلدية للاعتماد وإصدار الرخصة! (باختصار شديد)! فهل أدركت دور المعماري في أعمال المكاتب الهندسية أيها النابغة؟! لكن بصراحة ما ألومك اللي ما تعترف بشهادة جامعة هارفارد! بس للعلم «هارفارد» ما فيها كلية هندسة!
• • •
• مشكلة التعليم في الكويت أن التيار الليبرالي كان مسيطرا عليه منذ نشأة الكويت كدولة حديثة إلى اليوم! ولعل هذا ما يفسر لنا تخلّف المسألة التعليمية، بل والتربوية في مؤسساتنا؟!
واليوم يتنادى الليبراليون للفزعة لمنصب الأمين العام لجامعة الكويت، وأجبروا مدير عام الجامعة على أن يرشح شخصية ليبرالية، فشل كعميد لأحد المناصب الأكاديمية، منفردا دون سواه، مع أن النظام يتطلب ترشيح ثلاثة يختار الوزير أحدهم أو يرفعهم لمجلس الوزراء! لكن القرار الفردي هذا مدعوم من مستشار في منصب حساس معروف بدعمه لكل التوجهات الليبرالية في الكويت! الآن وزير التربية وزير التعليم العالي أمام اختبار حقيقي، فإما أن يحترم النظام ويلزم المدير بترشيح ثلاثة أو يحترم الضغوط الليبرالية التي ترفض أن تذهب مناصب التعليم لغير التيار!
• • •
• النائبة صفاء الهاشم حذرت وزير النفط من مسؤول «حدسي» في إحدى شركات النفط، عيّن تسعة من المحسوبين عليه مؤخراً في الشركة النفطية! وهنا تذكرت ادعاءها في تصريحات سابقة من أن مبارك الدويله أخذ مناقصة من وزارة الدفاع بقيمة مائة وعشرين مليون دينار كويتي! وعندما تحديتها أن تثبت ذلك صمتت صمت القبور! وهنا أكرر على صاحبة الاكتشافات الخطيرة التحدي أن تعلن أسماء التسعة المحسوبين على المسؤول الحدسي، ومن هو هذا المسؤول حتى تثبت مصداقيتها للمواطنين الذين اعطوها ثقتهم؟! وأنا متأكد ان الطناش هنا سيكون سيد الموقف.
• • •
• آخر طلعات زميلنا حامي حقوق الإنسان في الكويت، ما كتبه بالأمس، عندما أثنى على عدالة دولة الكيان الصهيوني واحترامها للحقوق والمواثيق! والله ما ألوم الجمعية العمومية عندك لما غيّروك!

سعيد محمد سعيد

الطامة الكبرى… «تمام يا فندم»!

 

ربما شاهدنا العديد من المقاطع في المسرحيات والمسلسلات والدراما العربية والخليجية وربما في بعض الأفلام السينمائية، حينما يأتي أحد المسئولين الكبار مطمئناً على أوضاع الناس فتنبري له جوقة النفاق من المسئولين الأصغر فالأصغر، وتحف بهم في بعض الزيارات كروش وبشوت نسخة الرياء من المشايخ الذين يتحفونه بالكثير من الكلام الجميل عن حالة السعادة والرخاء التي يعيشها الناس، فتتلاقى مشاهد فيلم «الواد محروس بتاع الوزير» للفنان عادل امام مع مقاطع مسرحية «تخاريف» للفنان محمد صبحي مع الكثير الكثير من (التشليخ) الذي تختفي وراءه آلام ومعاناة وأوضاع الناس البشعة في مجتمعاتنا العربية.

تلك الممارسة الدنيئة، ومع شديد الأسف، أصبحت من المسلمات البديهية في كل المجتمعات العربية، فما يهم جوقة النفاق وكروش الرياء هو رضا الهوامير عنها، أما مسئوليتهم تجاه المواطنين الذين يعيشون في وضع شديد البؤس والشقاء فذلك لا يهمهم إطلاقاً. ما يهمهم هو ألا يغضب ولي الأمر أو يتكدر مزاجه فيذهبون في ستين داهية! والحال أن أي مسئول عربي يدعي أنه لا يعلم بأحوال مواطنيه فهو كاذب! بل يعلم بكل شيء، حتى وإن استساغ من (طبول الزفة) ما تملأ به أذناه من أكاذيب.

كل شي تمام يا فندم.

***

من كتاب «روائع التاريخ العثماني»، أمر السلطان محمد ببناء أحد الجوامع في مدينة اسطنبول، وكلف أحد المعماريين الروم واسمه ابسلانتي، بالإشراف على بناء هذا الجامع، إذ كان هذا الرومي معمارياً بارعاً، وكان من بين أوامر السلطان أن تكون أعمدة هذا الجامع من المرمر، وأن تكون هذه الأعمدة مرتفعة ليبدو الجامع فخماً، وحدد الارتفاع للمعماري.

المعماري الرومي أمر بقص هذه الأعمدة، وتقصير طولها دون أن يخبر السلطان، أو يستشيره في ذلك، وعندما سمع السلطان بذلك، استشاط غضباً، إذ ان هذه الأعمدة التي جلبت من مكان بعيد، لم تعد ذات فائدة في نظره، وفي ثورة غضبه هذا، أمر بقطع يد هذا المعماري، ومع أنه ندم على ذلك، إلا أنه كان ندماًً بعد فوات الأوان.

لم يسكت المعماري عن الظلم الذي لحقه، بل راجع قاضي اسطنبول الشيخ صاري خضر جلبي، الذي كان صيت عدالته قد ذاع وانتشر في جميع أنحاء الإمبراطورية، واشتكى إليه ما لحقه من ظلم من قبل السلطان. ولم يتردد القاضي في قبول هذه الشكوى، بل أرسل من فوره رسولاً إلى السلطان يستدعيه للمثول أمامه في المحكمة لوجود شكوى ضده من أحد الرعايا، ولم يتردد السلطان كذلك في قبول دعوة القاضي، فالحق والعدل يجب أن يكون فوق كل سلطان. وفي اليوم المحدد حضر السلطان إلى المحكمة، وتوجه للجلوس على المقعد فقال له القاضي: «لا يجوز لك الجلوس يا سيدي بل عليك الوقوف بجانب خصمك»! وقف السلطان بجانب خصمه الرومي الذي شرح مظلمته للقاضي، وعندما جاء دور السلطان في الكلام، أيد ما قاله الرومي.

وبعد انتهاء كلامه وقف ينتظر حكم القاضي، الذي فكر برهة ثم توجه إليه قائلاًَ: «شرعاً، يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصاً»! ذهل المعماري الرومي، وارتجف دهشة من هذا الحكم الذي نطق به القاضي، والذي ما كان يدور بخلده أو بخياله لا من قريب ولا من بعيد، فقد كان أقصى ما يتوقعه أن يحكم له القاضي بتعويض مالي. أما أن يحكم له القاضي بقطع يد السلطان فاتح القسطنطينية الذي كانت دول أوروبا كلها ترتجف منه رعباً، فكان أمراً وراء الخيال! وبصوت ذاهل، وبعبارات متعثرة قال الرومي للقاضي انه يتنازل عن دعواه، وأن ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالي فقط، لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئاً! فحكم له القاضي بعشر قطع نقدية لكل يوم طوال حياته تعويضاً له عن الضرر البالغ الذي لحق به، لكن السلطان قرر أن يعطيه عشرين قطعة نقدية كل يوم تعبيراً عن فرحه لخلاصه من حكم القصاص، وتعبيراً عن ندمه كذلك.

***

يقال ان أحد السلاطين، جال في بعض أرجاء سلطنته بمعية عسسه ووزرائه وخدمه وحشمه وجوقة المنافقين إياها الذين اعتادوا على أن يحجبوا عن عينه الأحياء الفقيرة وقرى الفلاحين. سأل وزيره: كيف هي أوضاع الناس وما هي أحوالهم المعيشية؟ – كل شيء على ما يرام. الناس في خير حال ويدعون لكم بطول العمر والسعادة والخير والبقاء المديد يا فندم. يرفلون في بحبوحة من العيش الكريم. ينامون وعيونهم قريرة آمنين مطمئنين على معاشهم ومستقبل عيالهم. يعيشون في منازل جميلة ويركبون أحدث السيارات ويرتدون أفخر الملابس وأفخمها، ويقضون أمسياتهم في أروع الحدائق وأكبر المطاعم. كل شيء تمام يا فندم.

* هل أنت متأكد من ذلك؟ ولاسيما أن هناك من يشكو من افتقاره للمأوى والمأكل والمشرب؟ – هذا يا فندم في الأساطير القديمة. هذا ما نقرأه لأطفالنا عن كان يا ما كان. أما اليوم، فأقل إنسان، أبسط عامل، أفقر فلاح… يعيش في بيت رائع بحديقة تفتح النفس، وأنك لتجد في منزله خط انترنت وأطباقا لاقطة ولدى كل أفراد عائلته أحدث هواتف الآي فون والسامسونج.

* عجباً… وهل هناك أقل إنسان وأبسط عامل وأفقر فلاح يعيش بيننا؟ ظننت أن الجميع في بحبوبة من العيش كما تقول؟ – عفوك يا مولاي عفوك. خانني التعبير. خلاص ماعودها. زلة لسان يا فندم. فمن أين لنا الفقراء والبسطاء وخيرك يغمر الجميع.

* عال عال. وماذا عن الكلام الذي يتناقله الناس هنا وهناك عن الظلم والفساد وانتهاك الحقوق والذي منه؟ – أبداًً… أبداً. كل ذلك هراء. كلها أكاذيب وافتراءات وأفكار دخيلة مدسوسة. يا فندم كل شيء على ما يرام، وكل ما في الأمر، أن بعض ناكري النعمة، ممن لا يملأ عيونهم إلا التراب، أخذتهم مساوئ الحقد والطمع والغل والضغينة. نعم، قلوبهم سوداء فيسعون لتشويه كل هذه النعم يا مولاي يا فندم.

* أها… سمعت شيئاًً من هذا القبيل على أحد المواقع الإلكترونية. كتبوا عنك وعن غيرك من المسئولين أنكم لصوص وتتكسبون من مناصبكم وتلهفون ما تصل إليه أيديكم من أموال… وما إلى ذلك؟ – أرأيت يا مولاي أرأيت؟ وهل يعقل هذا؟ ومن أين لنا كل هذا الفراغ من الوقت ونحن نطوي الليل بالنهار في السهر لخدمة المواطن. من أين لنا الوقت لنفعل كل ذلك. وقتنا كله مخصص لراحة أصغر مواطن. صدقني يا فندم، كل شي تمام التمام. اطمئن… فنحن نخاف الله ولا نفعل إلا ما يرضيه. إي والله…

في صلاة أمي وأبوي.

* أتعلم أنك أكبر منافق وكذاب ومدلس و «جليل حيا»؟ – بالتأكيد أعلم يا مولاي. كل ما تقوله تمام يا فندم. وهل أنا وأمثالي إلا الطامة الكبرى يا فندم.