علي محمود خاجه

«كلمة وتنقال»

حكومة منتخبة، هكذا دون تفاصيل أو نقاش، أصبح هذا المطلب سائداً لدى المعارضة في معظم أطيافها النشطة، ولأني لا أود شخصياً على الأقل أن يتكرر خطأ "نبيها خمس" حينما كان المطلب إقرار الدوائر الخمس الحكومية دون النظر في عيوبها، خصوصاً في مسألة التوزيع الجغرافي، وكانت النتيجة مجالس ثلاثة متعاقبة تفشت فيها أمراض سياسية واجتماعية كثيرة لا نزال نعيش تحت تأثيرها. لنضع مطلب الحكومة المنتخبة على طاولة الاختبار، ولنقيّم الأمر على فرضيتين: الأولى أن تكون الحكومة المنتخبة المقصودة هي حكومة يشكلها رئيس الدولة، على أن تلتزم في تشكيلها تركيبة المجلس المنتخب، والفرضية الأخرى أن ينتخب الناس حكومتهم بشكل مباشر كجزء من انتخابات مجلس الأمة، وهي الفرضية التي تتطلب تعديلاً دستورياً بالطبع. الفرضية الأولى أن يشكل رئيس الدولة الحكومة بناء على نتائج انتخابات المجلس وبالتوافق معه، لنفرض أننا نريد تطبيق هذا النموذج أو المطلب بهذا الشكل على المجلس الحالي، فكيف سيتحقق ذلك؟ فمن أغلبية هذا المجلس أصلاً؟ فلا انتماء حزبياً أو مؤسسياً واضحاً سوى التحالف الوطني الإسلامي، وهو يشكل عُشر المجلس فقط، في حين أن تسعة الأعشار الباقية غير واضحة الانتماء البرامجي أصلاً، كفيصل الدويسان أو عسكر العنزي أو نواف الفزيع أو عدنان المطوع، بمعنى آخر أن أغلبية مجلس ديسمبر بلا هوية سياسية واضحة، فهل المطلوب أن تكون الحكومة بلا هوية كحال الحكومات المتعاقبة؟!  وإن أسقطنا نفس المثال على مجلس فبراير فسنواجه نفس المعضلة، فأغلبيته المبطلة كانت تتكون من مجاميع صغيرة مختلفة في الأفكار كـ"السلف" و"الإخوان" و"الشعبي" وبعض المستقلين كالشايع والعدساني مثلاً، وشكل الحكومة حينها كان يجب أن يراعي تلك التكوينات الصغيرة، ويصبح بلا هوية كذلك، وتستمر الحال كما هي عليه. أما الفرضية الثانية والتي تعني انتخاباً مباشراً للحكومة من قبل الشعب، وفي شكل نظامنا السياسي الحالي، فهو يعني أن يهيمن بعض المرشحين على وزارات الدولة كأن يصبح الطاحوس وزيراً للشؤون أو عسكر وزيراً للداخلية أو خالد السلطان وزيراً للأوقاف أو عبدالحميد دشتي وزيراً للخارجية، وعليكم أن تتخيلوا الفوضى حينها، وسيحظى من ينجز العدد الأكبر لـ"الواسطات" بالوزارة طيلة حياته، وهو ما يعني تسريع إجراءات الفساد طبعاً. مشكلة الحراك المعارض اليوم أو أغلبيته التي أشاهدها على الأقل هو أنه يقدم المطلب دون تفاصيل أو نقاش، ويفترض قسراً أنه الحل، وعلى جميع من يعارض الحكومة الحالية والحكومات المتعاقبة أن يتكيف مع المطلب وينادي به، وإن لم يقبل بذلك فهو سيواجه أقصى درجات التخوين والإقصاء من المعارضين. تعديل الوضع القائم لن يتم عن طريق مفردة تخطر على البال دون حوار فعلي وحقيقي ونقاش مستفيض من كل الأطياف للانسجام مع حريات الدولة وكيانها الدستوري، وبالتالي طرح حلول وبراهين تثبت أنها الحلول الفعلية لمشاكلنا ووضعنا القاتم.

سامي النصف

الأردن بلد العطاء غير المحدود

عندما حدثت النكبة عام 1948 فتح الأردن أبوابه الواسعة لاستقبال اخوته الفلسطينيين، وبعد النكسة عام 1967 فتح أبوابه مرة أخرى ورغم محدودية قدراته الاقتصادية أمام النازحين من الضفة الغربية ممن بدأ البعض منهم في إنشاء منظمات إرهابية وارتزاقية أذلت الأردنيين ولم تضر بالإسرائيليين حتى أصبح الأردن على شفا حرب أهلية لولا حسم الأمور عام 1970 وعودة الأمن والاستقرار لعمان.

***

وقامت المنظمات الفوضوية والمأجورة التي طردت من الأردن بالمساهمة في إشعال حرب أهلية في لبنان، وتدفق اللاجئون اللبنانيون على الأردن المعطاء الذي استقبلهم كذلك برحابة صدر وقبلهم الشيشان والشركس والأرمن والأكراد، وتلاهم هجرة العراقيين اليه بسبب حروب صدام على شعبه وجيرانه، ثم قيام فلول البعث المجرم بعد عام 2003 بقتل الآخرين مما أدى الى ردات فعل ساهمت في زيادة النازحين من أرض الرافدين.

***

هذه الأيام يستقبل الأردن بكرمه المعتاد ورحابة صدره اللاجئين السوريين الذين بإمكانهم متى ما استمرت عمليات القتل والنحر في بلدهم أن يفوق عددهم ـ مع مرور السنين ـ عدد سكان الأردن ذاته، ان الاردن البلد الكريم المعطاء وقيادته الهاشمية الشهمة بحاجة لدعم اخوانه الخليجيين بأكثر مما يمنح هذه الايام والذي يقل عما يدفعه البلد لدعم المحروقات لشعبه والنازحين على أرضه، ان الاردن صمام أمان متقدم لدولنا الخليجية فسقوطه في مستنقع الفوضى لا سمح الله سيجعل دولنا مكشوفة لأصحاب أجندات الربيع العربي المدمر.

***

آخر محطة: (1) انتهت قبل أيام الانتخابات الأردنية بعد أن قاطعها الاخوان المسلمون، وكان الفائز الأكبر فيها العشائر وحزب الوسط الاسلامي ورجال الاعمال والطبقة المحافظة والعسكريون المتقاعدون، أما الخاسر الأول فهو الأحزاب اليسارية والقومية وبالطبع الاخوان المسلمون المقاطعون ممن لم يعد لهم كرسي واحد من 150 كرسيا برلمانيا تمت المنافسة عليها.

(2) عند مقارنة ما حصل عليه الاوائل في دوائرهم الانتخابية بالأردن نجد أن الاول في الدائرة الاولى في عمان حصل على ما يقارب 20 ألف صوت بينما فاز الأول في الكرك بألفي صوت، والاول في اربد حصل على 12 ألف صوت، بينما الاول في معان حصل على ألف وخمسمائة صوت، والاول في الاغوار حصل على 11 ألف صوت والاول في الطفيلة حصل على 3 آلاف صوت، وفي هذا رد على من يعتقد أن تفاوت عدد الاصوات في دوائرنا أمر غير معتاد في الديموقراطيات ويجب تصحيحه رغم حكم المحكمة الدستورية المقر بأن تفاوت أعداد الناخبين لا يخل بمبدأ العدالة.

 

احمد الصراف

لولاها لضاع محمود

كان محمود شاباً يتصف بكل الصفات التي تتعارض واسمه تماما، وكانت هوايته ارتياد الأسواق والمجمعات التجارية، والخز، وافتعال أي خلاف لكي يدخل في ملاسنات أو معارك (هوشات) شبابية. وقد تسبب ذلك في دخوله المخفر لأكثر من مرة، وعندما يكون سعيد الحظ يدخل المستشفى لعلاج جروحه من ضربة سكين أو قطعة صلبة. مشاجراته المستمرة تسببت في نهاية الأمر في تركه الدراسة، وتسكعه في الطرقات والمجمعات، بحثا عن مكان بارد صيفا، ودافئ عندما يبرد الجو. وبالرغم من كل عيوب محمود وميوله الخطرة للعنف، وقسوة حياته وظروفه المعيشية الصعبة، فانه كان يتمتع بحس فني، وكان يميل للأعمال الاستعراضية التي تجذب انتباه الآخرين له، وربما كان ذلك السبب الذي دفعه اساسا للتورط في مشاجرات علنية! وفي يوم ما رافق صديقاً له لــ «لوياك»، وهناك أخذ يراقب عن بعد مجموعة من الشباب، من الجنسين، ممن كانوا في مثل عمره، يقومون بأداء «بروفة» لعمل مسرحي، فلم يتردد في الذهاب للادارة ليخبرها برغبته في التدرب على التمثيل المسرحي! وعندما تحدثت معه المسؤولة، وعرفت ظروفه وبعضا من مشاكله، وجدت أنها لن تنجح فقط في انتشاله من مصير مظلم، بل ستكسب موهبة واعدة، وهكذا تم احتضانه وإلحاقه بفرقة المسرح، ولم يطل الأمر كثيرا لتظهر بوادر التغيير الايجابي على محمود، حيث ترك عاداته السابقة وعاد للانتظام في دراسته، وامتنع كليا عن ارتياد المجمعات من دون هدف، وبات يقضي معظم وقته في «لوياك». وتقول مسؤولة «لوياك» انها أرادت مشاركتي في معرفة هذه الحالة، غير الفريدة، بعد ان علمت بحادثة القتل التي جرت في أحد المجمعات التجارية، لأن محمود كان مرشحا بقوة لأن يكون «بطلا»، أو «ضحية» لحادثة مماثلة! وتقول المديرة ان المؤسسة تضطر في أحيان كثيرة لصرف مكافآت بسيطة لمثل هؤلاء لمساعدتهم في دفع نفقات المواصلات، لأن معظمهم يعانون ظروفا معيشية قاسية، والكلفة المادية للاهتمام بهم ليست سهلة، خاصة اذا أضيفت اليها رواتب المدربين وغيرها من نفقات. هذا ما فعلته وتفعله «لوياك»، فما الذي بامكاننا القيام به؟
للمهتمين بدعم «لوياك»، ماديا ومعنويا، الاطلاع على انشطتها على موقعها الالكتروني: www.loyac.org
* * *
• ملاحظة: تبرع مؤسس الفيسبوك، الذي لم يبلغ الثلاثين من العمر، بنصف مليار دولار للأعمال الخيرية. وقام غيره عندنا، في الفترة نفسها، بدفع مبلغ مماثل ثمنا لطائرته الخاصة، ولا تزال لوياك بانتظار أهل الخير.

أحمد الصراف