سامي النصف

نعم لمطالب الشباب ولكن ماذا عن عطائهم؟

أحد أهم أسباب المشاكل في الكويت هو الفراغ الذي يعاني منه الشباب والذي يجعل البعض منهم يتجه إما إلى المخدرات أو حوادث السيارات أو التطرف أو المسيرات غير القانونية، ولو تعاملنا مع حقائق الحياة لعرفنا أننا من شجع الشباب بغير قصد على الجري في الساحات والمظاهرات على حساب الجري في ملاعب الرياضة ومعاهد التأهيل والتدريب لتطوير الأداء.

***

في بلدنا ابتعد بعض الشباب عن التعليم النوعي الممتاز الذي يوسع المدارك ويحولهم من الهواية الى الاحتراف، كما لم توفر لهم الدولة عبر عقود من الزمن اماكن ملائمة يمارسون هواياتهم بها في الفترة المسائية كحال فتح ملاعب ومعامل المدارس لهم وتطوير الأندية ومراكز الشباب التابعة للهيئة العامة للرياضة والشباب، وهو امر بدأت به الهيئة مشكورة ولم يعد ينقصها إلا الدعم المادي بعد أن بقيت ميزانيتها على حالها منذ السبعينيات حتى فترة قصيرة.

***

ولم تعد الوظيفة الحكومية التي يعمل بها 98% من الشباب الكويتي والتي دمرتها الواسطات والمحسوبية تقوم على حسن الأداء ومبدأ الثواب والعقاب كي يرتقي الشاب الكويتي بعمله ويمضي الليل ساهرا للاطلاع والتثقف في مجال اختصاصه بل اصبح مفهوم «وظيفة ما فيها شغل أو حتى دوام»، هو حلم احلام بعض الشباب، وتفرغ البعض الآخر لشراء الشهادات المضروبة كوسيلة للتقدم والترقي حتى حاز البعض منهم أعلى الشهادات من دول مختلفة وهو لم يغادر بلده مما اضطر الحكومة للإتيان بموظفين من الخارج كي يقوموا بأعمال بعض شبابنا الواعد!

***

ولم أر للعلم برامج حوارية في الديموقراطيات المتقدمة تتحدث عن الشباب وكأنهم شريحة منفصلة عن المجتمع ولهم مطالب واحدة مختصة بهم، كما لم تتوجه الاحزاب الرئيسية مثل الجمهوري والديموقراطي والعمال والمحافظين لمحاولة الاستحواذ على رئاسة الاتحادات الطلابية او الاندية الرياضية بل آثروا ان يبعدوهم عن العمل السياسي ومشاكله كي يتفرغوا للإنجاز العلمي في مجال دراستهم وهوايتهم، وقد اختصت الأنظمة الشمولية مثل النازية والشيوعية والبعثية وبعض الحركات السياسية الكويتية، بتسييس الشباب واستغلال حماسهم واندفاعهم لـ «تدمير بلدانهم».

آخر محطة: (1) نتكلم كثيرا عما يمكن للدولة ان تعطيه للشباب، وحان الوقت لأن نسأل وماذا يمكن للشباب ان يعطوه لوطنهم المعطاء عدا المظاهرات والمزيد من المطالبات من قبل القلة المسيسة والمسيرة؟!

(2) عدد الشباب الكويتي يقارب 800 الف فكيف يجوز لقلة قليلة لا تتجاوز العشرات تخرج في المظاهرات ان تدعي الحديث باسمهم؟!

(3) مما نشر في عدد «الأنباء» امس، شباب مستهترون يغلقون طريق السفر الدولي في السالمي الساعة 3 فجرا، وشاب يمزح مع صديقه فيدهسه بسيارته ويقتله! إذا كان هذا حال المزاح فماذا لو كان جادا في التعامل مع صديقه؟!

(4) الحقيقة الجلية تظهر ان اغلبية الشباب الكويتي منجزة لذا لا تتكلم كونها تشعر بالرضى لما تقدمه، يقابل ذلك قلة قليلة لا تنجز لذا.. تتكلم كثيرا..

 

حسن العيسى

على شينها…

احتج الحرس الملكي من نواب مجلس "الصوت الواحد" على قيام بعض شخصيات المعارضة الكويتية بالتهديد بإبلاغ المنظمات الدولية عن اختراقات السلطة لحقوق الإنسان، وقمعها حق المعارضة في التعبير عن نفسها، قوام احتجاج ضباط الحرس الملكي هو أن مجرد تبليغ المنظمات الدولية المختصة بحقوق الإنسان بما حدث من تجاوزات السلطة بمثابة خيانة للوطن وطعنة في ظهره!
بكلام آخر يطالب نواب الحرس الملكي البشر بأن يخرسوا (ينجعموا) إذا حصل أي حادث ينتهك حرية وحقوق الإنسان، وكأننا بمنطق الحرس الحديدي للسلطة نكشف عوراتنا للغير، وننشر غسيلنا الوسخ على سطوح وشرفات المؤسسات الدولية، وهذا عيب وغير جائز عند عدد من نواب المجلس الحكومي، فواقع الجحيم الذي يعيشه البدون مسألة داخلية لا يجوز أن يعلم بها الغير أو يتحدث عنها، حتى لا تدس تلك المنظمات أنفها في سيادة الدولة، وأحداث الضرب والقمع التي حدثت بديوان الحربش، وما تبعها من تأصيل واستقرار عرف الهراوات من "عناترة" الوجوه المقنعة لا يصح أن تعلم بها المنظمات الدولية…! واحتجاز ومصادرة حرية عدد من المغردين، واغتيال حق التعبير بحجة القوانين السارية لا يصح أن تدري بها تلك المؤسسات الدولية، مهما كانت تلك القوانين شديدة التغول وتنتهك الشرائع الدولية، وما استقرت عليه المبادئ العامة لحقوق الإنسان.
في النهاية، لا يريد بارونات المجلس من البشر، أياً كانت مواقعهم، غير أن يخرسوا وأن تصير السلطة، وهم (البارونات، اتباعها الدائرون بفلكها)  الخصم والحكم… "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم…" بلسان المتنبي. أكثر من ذلك، لم يكتف نواب الحرس الملكي بفرض سياسة التخريس على الأمة، وإنما أخذوا يمدون "ملكيتهم" أكثر من الملك، فهم طالبوا بتشديد العقوبة على جرائم الرأي كالمساس بالذات الأميرية مثلاً، مع اعتقادي بأن أحداً من أسرة الحكم لم يطلب منهم مثل هذه المزايدة الفجة، وتقدموا باقتراحات قوانين تزيد مدة الحبس الاحترازي في مرحلة التحريات، ويطالب بارونات المجلس أيضاً بزيادة العقوبة على التظاهرات والتجمعات، ولو كانت سلمية، طالما لم تحصل على بركة السلطة… والخير قادم بالطريق في مجلس ملوك أكثر من الملك… ليس لي أن أقول لهؤلاء التحف النيابية غير عبارة "… على شينها قواية عينها".

احمد الصراف

لجنتان وبيت و8 جمعيات

بإمكاني الجزم بأن الكويت لم تستفد يوما من لجنتين على الأقل، من اصل ربما اكثر من مائة لجنة هنا وهناك، غالبيتها، إن لم يكن كلها، غير ذات فائدة. الأولى، وهي الأقدم، هي لجنة إعادة النظر في القوانين وأسلمتها، وهي كلمة مطاطة تحتمل عشرات التأويلات. فقد كلفت هذه المال العام ما يقارب المائة مليون دولار منذ تأسيسها، ولم يستفد منها أحد ولا جهة ولا طرف غير العاملين فيها، رواتب ومناصب ومكافآت. والحقيقة أنني عرفت سلوك اللجنة في السنة الأولى لتأسيسها عندما قامت بتوزيع هدايا ثمينة، تكلفت المجموعة الواحدة منها أكثر من 250 ديناراً، وزعت على كبار مسؤولي الدولة، وحتى موظفي بنوك لا علاقة لهم لا باللجنة ولا بعملها!
ومصدر عدم ثقتي بها أن اللجنة لم تكن بحاجة للترويج لعملها بتلك الطريقة الفجة، فهي ليست شركة مساهمة ولا تحتاج لرضا مدير بنك مثلا! وكان الأولى بها التركيز على عملها، ولكن بعض المسؤولين عنها عرفوا منذ اليوم الأول ربما أنها «ممشة زفر» فرضوا بذلك وبكل ما تبعه من مزايا ومكافآت! والحقيقة أنني أشعر بالأسف للبعض من مجلس إدارة هذه اللجنة، وهم في غالبيتهم من «كبار» المتعلمين ورجال الدين، أن يقبلوا على أنفسهم قبض رواتب من دون مقابل.
واللجنة الثانية هي الوسطية، بمراكزها الخاوية ولجانها الفرعية الأكثر خواء، فهي قد تأسست اصلا لهداية الشباب، ربما لطريق «الإخوان»، وابعادهم عن التطرف والعنف والغلو، ولكن لوحظ أن الأمور سارت بصورة معاكسة، فكلما زاد الصرف عليها وعلى لجانها الفرعية ودعاتها ومطبوعاتها زاد انحلال الشباب وتطرفهم وميلهم للعنف! فمتى يقص المشرفون عليها الحق من أنفسهم، بعد ان اتخموها بالمزايا والمكافآت، ويطلبوا حلها، لقلة فائدتها؟ ربما سننتظر طويلا هنا!
البيت: مدد بيت الكويت للأعمال الوطنية، الذي ربما لا علاقة له بالوطنية، ذراعه ليصل الى جمهورية إيران حيث ينوي «رئيس البيت»، ولا أعرف كيف يكون رئيسا لبيت غير مرخص ولا قانوني بأي شكل، والعتب على سمو رئيس الوزراء السابق، الشيخ ناصر الذي يقال انه أوقف تصفية البيت في حينه، ان البيت ينوي القيام بعملية توءمة مع متحف الدفاع المقدس في إيران! ولا اعرف حقيقة ما تعنيه مثل هذه الاتفاقيات التي وقع رئيس البيت حتى الآن على الكثير منها، او مردودها على الوطن، ومن الذي يغطي مصاريف مثل هذه الرحلات، والبيت غير مرخص كما يتردد.
وأخيرا نتمنى على الحكومة الجديدة النظر في إنهاء هذه الظواهر، فوجودها يعني ابقاء الأمور «سبهللي» من دون رادع ولا رقابة.
* * *
• ملاحظة: اصدرت جمعيات: الخريجين، المال العام، الثقافية النسائية، مركز حقوق الجاليات، حماية الطفل، تقويم الطفل، رابطة الاجتماعيين والمسرح العربي، بيانا حذرت فيه من خطورة الإساءة للدين المسيحي ومعتنقيه، من مواطنين ومقيمين! ولم يكن غريبا طبعا «تخلف» جمعيتي حقوق الإنسان، التي أضاع «أصحابنا» مجلس إدارتها، وجمعية مقومات حقوق الإنسان عن توقيع هذا البيان، ربما لأنهم يعيشون في كهف بعيد عنا!

أحمد الصراف

www.kalamanas.com

مبارك الدويلة

ماذا تريد؟

ذكرت في مقالة سابقة أنني ما كنت أتمنى أن يأتي اليوم الذي نتحدث فيه عن ولائنا لأسرة الحكم، حيث ان هذا الموضوع عندنا من المسلمات، ولان الحديث فيه يدل على وجود خلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم! وهي علاقة استمرت لعقود طويلة تحيطها الثقة المتبادلة والحب واحترام حقوق كل طرف، الا أن المتابع لتسارع الأحداث في الأشهر الأخيرة يلاحظ فتورا في هذه العلاقة نتيجة التفريط من احد الأطراف بحقوق الطرف الآخر! حيث بدأت الحكومة بحرمان المواطن من بعض مكتسباته الدستورية والتضييق على حرية التعبير واستعمال القمع والعنف مع المعارضة السياسية من دون داعٍ، وأخيرا وليس آخراً رعاية الكثير من الأبواق الاعلامية لتضليل الناس وطمس الحقائق وتبني النطيحة والمتردية للدفاع عن مواقف الحكومة وتزيينها للعامة!
لهذه الأسباب بدأ الناس يشعرون بان الحكومة لم تعد هي تلك الحكومة التي تعطي الانسان الكويتي قيمة اعتبارية وتحرص على رفاهيته المادية، فضلا عن المعنوية باحترام خصوصياته التي تميز بها عن اخوانه في بقية دول الخليج، أما اليوم فمع اول مقارنة مع الأشقاء تجد الكويتي في المؤخرة! وكنتيجة لهذا الشعور عند الناس بدأ التحلطم والتململ من الأوضاع يدبان في النفوس، وصار الجريء يتحدث عن تجني النظام على الشعب، وكم كنا نتمنى أن يبادر العقلاء الى التصدي لهذا التحول بالحكمة ويتدارسوا أسبابه ويبحثوا في علاجه الا أن هذه الأمنيات كانت سرابا في مخيلتنا، فها هي ابنة الحكم تصرح بتصريحات تهدم كل أمل باعادة الثقة بالحكومة الى وضعها الطبيعي، ثم تلاها احد أبنائه ليصرح في قناته تصريحا يسكب فيه الزيت على النار، وهي أصلا نار مشتعلة منذ فترة ليست بالقصيرة، وبدلا من المبادرة لاحتواء الموضوع نسمع من المحامي كلاما ينم عن الولوغ في الاساءة، وذلك باحالة كل من أساء أو اعترض على التصريحات الى النيابة كي يعاقب؟! بينما كانت الحكمة تستلزم أن يتم اصدار بيان يوضح مقاصد التصريح الأول، ويعيد للشعب الوفي اعتباره واحترامه، ثم يطبق القانون على التصريح الثاني باغلاق قناته التي تعرضت بالاساءة البالغة الى رموز وطنية وتاريخية لهذا الشعب، لكن مع الأسف شيئا من هذا لم يحدث!
اذا ظنت الحكومة أن مجلس الصوت الواحد هو المنقذ لكل مشاكلها التي كانت تعانيها فهذا قصر في الرؤية وجهل بالواقع وبطبيعة هذا الشعب الصغير بحجمه الكبير بحبه لوطنه وخوفه عليه! واذا ظنت الحكومة أن المعارضة السياسية هي مصدر مشاكلها فهذه قراءة خاطئة للساحة وضياع في البوصلة لديها! ولئن أطال الله في أعمارنا لنشاهدنّ حكومتنا تترحم على الأيام الخوالي، وكما قال المحلل الاقتصادي جاسم السعدون سيأتي يوم يترحمون فيه على هذه المعارضة، لان الجيل القادم لا نعرف كيف يفكر. أما أنا فأقول ان الجيل الحالي وليس القادم بدأ يكفر ببعض الأمور التي كنا نعتقد أنها من المسلمات وبدأ يتجاوز ما كنا نعتبره خطوطا حمراء!
***
• في مقالي الأخير ذكرت أن هذا البرلمان – مجلس الصوت الواحد – لا يمثل الأمة، وضربت بعض الأمثلة عن تصرفات بعض نوابه التي تنم عن روح عدائية للشعب، وبالامس خرج علينا النائبان صفاء الهاشم وعبدالحميد دشتي بتصريحات تهدد رئيس الوزراء ان تنازلت الحكومة عن بعض قضاياها التي رفعتها ضد من شارك في المسيرات! أما الأولى فلا عتب عليها لأسباب كلنا يعرفها، وأما الثاني فقد قال كلاما في الشقيقة السعودية وعمل أفعالا في دعمه لأعداء الأمة من دون ان يحال للنيابة، ومع هذا يطالب بعدم التنازل عن قضايا شباب المسيرات.
***
د. حمد المطر سمع ان زميله في مجلس الأمة أسامة الشاهين محجوز في مخفر السرة على خلفية مشاركته في مسيرة قرطبة غير المرخصة، فما كان منه الا ان ذهب الى المخفر للاطمئنان عليه، وعند باب المخفر ألقي القبض عليه بتهمة مقاومة رجال الأمن؟! وبعد أيام من احتجازه مُنع من السفر وأُحيل للنيابة العامة؟! ومع هذا تجد من يعترض على توصيل صوته للمحافل الدولية؟! اتركوه …. فقد يجد حقاً ضائعا له عند أبواب الأعداء بعد ان أوصدنا في وجهه كل أبواب الديرة!

سعيد محمد سعيد

الخليج… أمام الغول الطائفي

 

وفق قراءة الكثير من الباحثين المهتمين بشئون الخليج العربي، فإن «الغول الطائفي» يمثل واحداً من أكبر وأخطر التحديات الكارثية على حكومات وشعوب المنطقة حاضراً ومستقبلاً. وهذه المخاطر تزداد وتتضاعف يوماً بعد يوم في ظل تصاعد المد الطائفي في الإقليم قادماً من العراق وسورية ولبنان واليمن وتركيا، وفي الوقت ذاته، الغياب الواضح لمسار تعزيز قيم الوحدة الوطنية واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة التزاماً بالدساتير والقوانين… أي تأثر مظلة الضمانات الأساسية حقوقاً وواجبات.

لا يمكن إطلاقاً إغفال المخاطر الكبيرة المحيطة بمنطقة الخليج العربي إثر التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وانعكاساتها عليها، ولا يمكن التغاضي عن مجموعة من مثيرات الخطر التي تشهدها العديد من دول الخليج، إلا أنه بالإمكان السيطرة على هذه المخاطر والحد منها، حينما تتصدى الحكومات بالدرجة الأولى، وقبل غيرها، للجهات التي تلعب على الوتر الطائفي داخلياً أولاً. فمتى ما سلمت الساحة الداخلية من هذه المعاول وأوقفت عند حدها، وشعر كل مواطن بأن حقوقه مصانة، فإن هذه الجبهة تقوى وتستقر وتكون قادرة على صد أي اضطراب سلبي يهدد استقرار الوطن. كما أن هناك ظاهرة واضحة مبنية على المصالح الفئوية والشخصية، وهي تلك التي تنضوي تحت عنوان «الموالاة»، فمن الواضح أن هناك أطرافاً في منطقة الخليج تتلبس صفة الموالاة لتلعب على الوتر الطائفي وتثير المشاحنات والتناحر في وسائل الإعلام وفي سلوكياتها اليومية بهيئة لا يمكن أبداً أن يتم التغاضي والسكوت عنها، لكن هذا حاصل، ومع العلم اليقين بسوء ما يفعل هؤلاء، الا أنهم يسرحون ويمرحون في منهج تدميري سيئ للغاية.

تلك المسببات ذات درجة الخطر العالي، تساندها أيضاً قوى إقليمية من صالحها تغذية الطائفية في المنطقة ضمن توجهات وخطط مرسومة تستند على الطائفية كواحدة من أهم أركان تحقيق أهدافها، إلا أنه من الأهمية بمكان النظر إلى جانب مهم، وهو أن تتعامل كل الحكومات مع مواطنيها بوصفهم «مواطنين»، كما يرى الباحث ستيركوه ميكري في بحثه عن مخاطر الطائفية في الخليج، حيث يشدد على أنه من الخطأ الجسيم أن يتم التعامل مع المواطنين وفق انتمائهم القبلي أو المذهبي، بل لابد من أن تعالج تلك الآثار المترتبة على بقاء الانتماءات التقليدية باستخدام سياسة الجزرة والعصا (فسياسة الجزرة تتمحور في العطاء المالي الذي يضمن ولاء شيوخ القبائل وزعماء الطوائف، مع جهد لتسيّد طبقة معينة ذات ولاء ومصالح مشتركة مع الحكومات في الفضاءين القبلي والطائفي)، أما سياسة العصا فتظهر في السياسات والإجراءات الأمنية التي تستهدف إخماد أي صوت يطالب بإصلاح الأوضاع وبناء علاقة بين جميع المكونات على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وألا يتم إخضاع اي حركة مطلبية دستورية سلمية تحت العنوان الأمني.

اليوم، لا يمكن إغفال أدوار قوى إقليمية تسعى إلى تأجيج الطائفية في المنطقة تمهيداً لما تريد القيام به من سيطرة، ولعل أول أهداف هذه السيطرة ضمان أمن الكيان الصهيوني، وهذا يوجب قطعاً تنشيط الوعي الوطني، وقراءة الأوضاع بصورة حقيقية والتركيز على التعليم والإعلام، وهذه مسئولية الدولة، إلى جانب تنشيط مؤسسات المجتمع المدني والرموز السياسية والاجتماعية الذين سيكونون سداً منيعاً في وجه الطائفية وسلاحاً بإمكانه الحد من مخاطرها ومنع أي تحرك طائفي مستقبلاً… لكن هل هذا ممكن؟ بالطبع، في الإمكان تحقيق ذلك في صورة برامج عمل وطنية استراتيجية حقيقية وليست عناوين براقة للاستهلاك الإعلامي وحسب! ولعل الكاتب الصحافي محمد محفوظ قدم شرحاً مختصراً وعميقاً في مقال له بعنوان: «الخليج ومخاطر الفتنة الطائفية» نشره في النسخة الإلكترونية من صحيفة «الرياض»، تناول مجريات الأحداث وانعكاساتها على الداخل الخليجي على صعيد العلاقة بين المكونات المذهبية الموجودة في المجتمعات الخليجية، فهو يرى، ولا شك أن الجميع يتفق معه، أن الأوطان الخليجية ينبغي أن تسع جميع المواطنين بصرف النظر عن مذاهبهم وقبائلهم، وان أية محاولة لتضييق الوطن أو جعله بمقاس فئة أو شريحة دون الفئات والشرائح الأخرى، فإن هذه المحاولة تدشن لمرحلة من التوتر والتشظّي الاجتماعي والوطني. ولهذا فإننا بحاجة باستمرار لأن نعزز مفهوم الوطن الذي يستوعب جميع أبنائه، ويحتضن جميع مكوناته، ويحترم كل أطيافه وتعبيراته المجتمعية.

وبالفعل، يمكن رؤية الأتون الطائفي المقيت الذي سيأتي على منطقة الخليج بأسرها ما لم تبادر الحكومات إلى منع أسباب استمراره، كونه سيؤدي دون شك إلى خلخلة النسيج الاجتماعي والوطني في دولنا، فالغول الطائفي لن يتجاوز أحداً في هجومه بشراسة، ولن ينفع وقت هجومه التندم على خطابات مشايخ الفتنة وإعلام التدمير ومصالح الفئات ذات الوطنية الزائفة. فكلما امتد الزمن وازدادت الطائفية ضراوة، أصبح مجال التطويق والحل ضيقاً جداً جداً.