محمد الوشيحي

وأسقطنا طائرات صقر الحشاش ورفاقه

مات عبد الناصر، وإعلامه حي ينبض ويشتد عوده، واعتزل أحمد سعيد أشهر الإعلاميين العرب على مر التاريخ، لكن كذبه مازال يلعب في الدوري المحلي.
و"تراجعت القوات الصهيونية أمام تقدم قوات جيشنا الباسل"، كما ادعى أحمد سعيد منذ اليوم الأول لحرب ٦٧، و"أسقط حماة الوطن هذا اليوم مئتين وستين طائرة للقوات الصهيونية"، أيضاً كما ادعى حضرته في اليوم الثاني للحرب، في حين كان عساكر الجيش الإسرائيلي لحظتذاك يتبادلون الأنخاب والضحكات والتهاني في الأراضي المصرية.
يومذاك صدّق المصريون كلام أحمد سعيد، باستثناء قلة مثقفة كانت تقيس الأمور بالعقل لا العاطفة، ومنهم مسؤول الكهرباء في السد العالي، الذي أعلن رأيه أمام العمال، وطالبهم باستخدام العقل والمنطق، فثار العمال في وجهه، وجاءه من الشتم والبصق ما يكفي شعب الصين العظيم: "حط المنطق بتاعك في… يا ابن الـ…"، إلى أن تبينت الأمور وانكشف المستور.
غاب أحمد سعيد عن المشهد واعتزل، لكن هناك من ارتدى فانيلته وأصر على استخدام طريقته ذاتها في اللعب الغبي، بكل ما أوتي من فخر، رغم تعدد مصادر الإعلام، بعكس الحال في عهده، أقصد عهد أحمد سعيد.
وتتجاهل غالبية وسائل الإعلام الكويتية ما يدور في الشارع من صمود الحراك في وجه الأعاصير، وتسمّي بعض وسائل إعلام السلطة كل هذه الجموع الغاضبة "المغرر بهم"، ويتبرع بعضها بتخوين المشاركين في الحراك السياسي، ويتطوع آخرون بإخراجهم من الملة، وفي المقابل تمتدح هذا البرلمان المنبوذ، وتسوّقه وتروّجه وتورّثه وتسرّح شعره، ووو…
والصدق، أن غالبية الناس لا تثق بنواب "مجلس السلطة" ولا بوسائل إعلام السلطة، ولا بكل ما يخص السلطة، وتحفظ أسماء شبان الحراك السياسي، وتثق بهم، وتقدر بطولاتهم وتضحياتهم، ويحتفظ كثير من الناس بصورهم، وينظرون إليهم بعين من الفخر وأخرى من الحب.
وتدفع السلطة بسيئي السمعة إلى الصف الأول، ويدفع الشعب بأبطاله صقر الحشاش ومطلق السند وسلام الرجيب وعياد الحربي وحمد البديح وراشد الفضالة وعبدالعزيز بو حيمد والمئات من أمثالهم  (كي لا أنسى أحداً) إلى الصف الأول، وشتان بين الصدارتين.
ومازال أحمد سعيد الذي يسكن داخل السلطة يردد: "أسقطنا طائراتهم" ومازال الشبان يتقدمون بصمت، ويرددون مع الشاب سلام الرجيب: "أنا كويتي… ما أنكسر"، ويردد ذووهم: "بكم نفخر".

حسن العيسى

قوانين جائرة

حين شرع الزعيم ماو في الصين بالقفزة الكبرى عام ٥٨ حتى تنهض صناعياً مات أكثر من عشرين مليون صيني من جراء المجاعات، وأخذت عائلات في القرى تأكل جيف أبنائها أو تتبادل أجساد الأطفال الموتى مع عائلات أخرى. كانت القيادة الصينية تستند إلى قانون.
وحين استهل ستالين عهده المرعب في الاتحاد السوفياتي ونقل الملايين من مناطق سكنهم وألقى بهم في سيبيريا، ثم فتح أبواب "الكولاج" (معسكرات وسجون العمل الجماعي) وشرد وقتل الملايين من الشعب الروسي، ومن البولنديين في نهاية الحرب العالمية الثانية، بشكل يفوق ما صنع النازيون مع بولندا كان ستالين يستند في كل ما فعل إلى قانون.
وحين ابتدأ السيناتور مكارثي في الخمسينيات من القرن الماضي في الولايات المتحدة حملة ملاحقة أهل الفن والأدب بتهم الانتماء إلى التنظيمات الشيوعية كان القانون أو الغلو في تفسيره يقف خلف ذلك السيناتور.
ماذا عن بلاد العرب؟! عدّوا من غير حساب؛ من قانون الطوارئ في مصر الذي استمر ما يقارب الثلاثين عاماً، إلى أن أسقطته ثورة يناير، إلى قوانين ليس لها أول ولا آخر في دولنا القمعية دون استثناء، والتي تذوب فيها الدولة بشخص الحاكم، كانت الأنظمة تتوكأ دائماً على نص القانون!
لا يهم التفكير حول ما إذا كانت تلك القوانين دستورية أم غير دستورية في بلاد ليس لها تراث في الحكم الدستوي، ولا يهم إن كانت تلك القوانين لم تصدر عن الإرادة الشعبية إنما تم تفصيلها من ترزية النظام الحاكم. يكفي أنها "قوانين" وتعبر عن إرادة "صاحب السيادة"… وليس بالضرورة أن تبصم السلطة التشريعية عليها إن كانت تلك السلطة ملحقة تابعة لرب العمل الحاكم، أو تهمل تلك السلطة مراجعة تلك القوانين حين يغيب البعد الثقافي التشريعي عند نوابها، مثلما حدث في الكويت حين بقيت قوانين سيئة تخالف أبسط مبادئ العدالة سارية عقوداً من دون أن يقربها أحد من النواب.
لن أكرر أمثلة على تلك القوانين، لكن القانون الذي يحظر التجمعات والمظاهرات السلمية مازال قائماً، ويؤسس شرعية جوفاء للداخلية لقمع المظاهرات بحجة عدم الحصول على ترخيص منها وهي صاحبة الأمر والنهي. والترخيص هنا يعد ضرباً من الخيال، وعليه فهناك دائماً المبرر القانوني للسلطة وأتباعها لقمع التجمعات ومصادرة حريات الشباب، وتجد أحزاب "التبع" تبريرها اللازم بعبارة "ليس للمتظاهرين" ترخيص! وهناك قانون الجنسية الذي يطلق يد السلطة دون قيد في منح الجنسية أو سحبها أو إسقاطها دون معقب من القضاء. فوض السيد صالح الفضالة كي يصرح أن مجرد وجود اسم طالب الجنسية في إحصاء ٦٥ لا يعني بالضرورة أنه يستحقها، متى يستحقها إذاً في غير حالات المزاج الشخصي لصاحب الأمر والسلطان؟! لكم أن تفتحوا أضابير قوانين كثيرة سارية في دولة "يارب لا تغير علينا" تضرب بحقوق الإنسان وحريته عرض الحائط، وليس لأحد أن يعترض عليها، أقصى ما تتوقعه السلطة من المعترضين عليها أن يتهامسوا بها سراً فيما بينهم، أكثر من ذلك سيعني هراوات القوات الخاصة تهوي على أجساد الشباب منهم، وغازات تخنق أنفاسهم. ألا يكفي أن هذه السلطة بقوانينها وممارساتها تخنقنا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي حتى اليوم؟!

احمد الصراف

ودّي أصدّق

صدقت «الجمعية الكويتية للمقومات الأساسية لحقوق الإنسان» نفسها، وأصدرت بياناً بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أكدت فيه أهمية حماية حقوقه في الكويت وفق رسالتها (!!) وطبعاً، هذا موقف مضحك من جمعية خاملة، تعرف جيداً أن ما ذكرته في بيانها يتنافى مع فكر وهدف جميع العاملين فيها، فقد ذكرت في البيان أنها تشعر بالقلق بشأن ملف حرية الرأي والتعبير في الكويت، لا سيما ما يتعلق بملاحقة المدونين والمغردين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومراقبة وحجب بعض المواقع الإلكترونية، وإغلاق بعض الصحف! ويتزايد قلقها مع تحول العنف والقمع لمنهجية تسير عليها الحكومة في أثناء التعامل مع المسيرات والاعتصامات السلمية، المكفولة بكل المواثيق الدولية! وهل تعترف الجمعية بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان أصلاً؟ ما علينا، سنعتبر كلامها لا معنى له، فما هي حرية الرأي التي تتكلم عنها الجمعية، وهي التي تعاونت الحكومة مع مجاميع التعصب والتشدد الديني على تأسيسها نكاية بالمرحوم جاسم القطامي ومزايدة على «الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان»، التي كان يرأسها في حينه، والتي أضاعها أصحابنا بكل سذاجة، وكانت الجمعية الوحيدة في مجالها المعترف بها محلياً ودولياً؟
كما تستطرد جمعية «المقومات»، ويا لها من مقومات، في إبداء قلقها من مشكلة عديمي الجنسية، وتصفها بالإنسانية والأكثر نزفاً! وهذا جميل، ولكن جماله سرعان ما ينتهي عند استعراض أسماء وخلفيات القائمين على الجمعية، فهل كانوا سيفعلون شيئاً لو لم يكن صوت هؤلاء البدون «المذهبي» سيصب في نهاية الأمر في مصلحتهم؟ وهل كانوا حقيقة سيلقون العناية نفسها منهم لو كانوا من أتباع دين مختلف؟
كما تطرقت الجمعية في بيانها إلى حقوق العمال، والمقصود هنا العمال الآسيويين بالذات، وهذا نفاق ما بعده نفاق، فالجمعية تعلم جيداً أن من صلب حقوق العمالة الوافدة أن تمارس شعائرها بالطريقة المناسبة، كمقر أو دار للعبادة، ولم يعرف عن الجمعية أنها وقفت مثلاً مع هذا الحق، وقصة رفض طلب مسلمي البهرة بمسجد لا تزال طرية، فكيف بموقفهم من طلب كنيسة أو مقبرة لغير المسلمين؟
كما تطرق البيان، بشكل مضحك، إلى حقوق المرأة وضرورة مساواتها بالرجل(!) وكيف أنها ما زالت تواجه صعاباً في الحصول على جميع حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي لا تخالف الشريعة(!) ولم يتطرق البيان، طبعاً، إلى أهم حقوقها وهي السياسية، التي عن طريقها يمكنها أن تحصل على أي حق آخر.
إن ظروف تأسيس هذه الجمعية، التي لم يكن ولن يكون لها لزوم، مثال على التحالف غير «المطمئن»، بين السلطة والقوى المتخلفة، والذي نمني النفس من غير نفس، أنه قد انتهى، أو خمد على الأقل، فقد تأسست بمبادرة من النائب (السابق) فهد الخنة، ودعم قوي من الوزير (السابق) أحمد باقر، ووافقت الحكومة، في ليلة من غير قمر من عام 2005، على ترخيصها، عندما كان الحظر على التراخيص، ولا يزال، في قمته!
***
ملاحظة: الطريف في موقع الجمعية التي ادّعت، في بيانها، الدفاع عن حقوق المرأة أنها وضعت صور جميع أعضاء مجلس الإدارة من الذكور، ولكنها حجبت صور الأعضاء الإناث.

أحمد الصراف

www.kalama nas.com