كل يوم يمر، والهوة بين السلطة والمواطنين تتسع وتكبر، فأمس الأول، وعلى أثر الأحكام الجزائية التي صدرت بحق النواب السابقين الداهوم والصواغ والطاحوس، تأججت نيران الغضب والسخط ضد السلطة، وشاهدنا صورتها في تجمُّع ديوان الصواغ والمسيرة التي أعقبته إلى ديوان الطاحوس، فقد أطلق المتجمعون هتافات قاسية ضد الأحكام القضائية بشكل خاص والسلطة الحاكمة بوجه عام، ولا أعلم بِمَ سيهتف المتجمعون بديوان مسلم البراك، وهو الذي سيكون في محكمة الجنايات يوم الاثنين المقبل بالتهمة ذاتها التي وجهت إلى زملائه الثلاثة وهي المساس بالذات الأميرية؟
هل يمكن للسلطة أن تحتوي الأزمة التي أخذت تكبر ككرة الثلج يوماً بعد يوم، وبعد كل قرار أو حكم حبس ضد مغرد أو ضد نائب سابق له ثقله الشعبي الكبير بين الناس، أم أن السلطة تراهن على عنصر الزمن، وأن المواطنين، بعد فترة، "يطخون" وسينسون، وكأن شيئاً لم يحدث، وبعدها تتكرم السلطة عليهم بما تجود بها أريحيتها من عطاءات مادية تكون بمثابة الأفيون المخدر لوعيهم وتطلعاتهم إلى المشاركة الحقيقية في السلطة! أو ربما يراهن أهل الحكم على تفكك الجماعات المعارضة لمرسوم الصوت الواحد الذي همّش شرائح عريضة من الشعب! يجوز، وهذا "الجواز" (الاحتمال) الذي قد يكون مهيمناً على فكر حكامنا هو الخطر على الدولة.
فليست قضية اليوم هي ما إذا كان المواطنون سيركدون وسيهدأون بعد فترة، طالت أم قصرت، أو أن المعارضة ستتوهج في أيام محدودة ثم يخبو نورها في أيام تالية، بكلام آخر هو تصور واهم أن المعارضة نفَسها قصير في غياب قيادة ذات نهج واضح قادرة على الحشد الشعبي دائماً.
أزمة اليوم الخطيرة هي التباعد بين السلطة والشعب، وهي الجدار الذي يعلو يوماً تلو آخر عازلاً بين أغلبية المواطنين المهمشين سياسياً وسلطة الحكم، ففي كل الأحوال التي يمكن تصورها عن "ركود" المعارضين الساخطين بعد فترة، أو الرهان على تفسخ وانحلال هممهم، ذلك كله تصورات قاصرة، ورهانات خاسرة في النهاية، فالثقة المفترضة بين السلطة والشعب إذا تحطمت لا يمكن إصلاحها، وهذا ما على السلطة أن تعيه جيداً، ولا تراهن على المجموعات الضيقة للمطبلين الملتفين حولها، فليس هؤلاء مَن يصح المراهنة على ولائهم، ولا يجوز النظر إلى أن مصالحهم وشرههم هي مصالح الدولة ومستقبلها… فهل ستحتوي السلطة أزمةً خلقتها بداية، أم ستظل في مكانها تتفرج ساهمة على لهب يحرق الدولة بمن فيها؟