هناك أحيانا وضع يؤدي تلقائيا لوضع أو فعل أو تصرف آخر، ليعود ويكرر نفسه في حلقة لا نهاية، ويحدث كل ذلك دون ان نشعر به. فلو افترضنا أن رئيس شركة كبيرة يقول لسكرتيرته إن عليها في الأسبوع المقبل أن تهيئ نفسها لمرافقته في رحلة راحة واستجمام، وأن تقوم باجراء ترتيبات الحجز، فانها ستقوم بالاتصال بزوجها لتخبره بأنها ستسافر في الأسبوع المقبل برفقة رئيسها في رحلة «عمل»، وان عليه الاهتمام بنفسه خلال فترة غيابها. وهنا يقوم الزوج بالاتصال بـ«صديقته» ليخبرها بأن «تجهز» نفسها لقضاء بعض الوقت معه، لأن زوجته ستكون غائبة في رحلة عمل. هنا تقوم هذه الصديقة، التي ربما تعمل مدرسة في مدرسة أطفال خاصة، وتخبر تلامذتها بأنها، وبسبب ظروف خاصة، سوف تتغيب عن المدرسة في الأسبوع المقبل وأن عليهم البقاء في البيت والدراسة. هنا يقوم أحدهم بالاتصال بجده ليذكره بوعده بأن يأخذه يوما لرحلة الى جبال المنطقة، وان مدرستهم سوف تتغيب عن المدرسة وهذه فرصة مناسبة ليقضوا بعض الوقت معا. وحيث أن الجد، الذي يعمل رئيسا لشركة كبيرة، كان ينتظر منذ فترة هذه الفرصة للاختلاء بحفيده الوحيد، ولكي يفي بوعده له، فقد قام بالاتصال بسكرتيرته ليقول لها إن حفيده طلب منه مرافقته للجبال، وان عليها الغاء كل ترتيبات سفرهم معا، لأنه وعده ويود أن يفي بوعده. وهنا تقوم السكرتيرة بالاتصال بزوجها لتخبره بقرار مديرها الغاء الرحلة وانها ستكون معه، ليقوم هذا باعلام صديقته بان زوجته سوف لن تسافر مع رئيسها، وبالتالي سوف لن يخلو لهما الجو ولا الوقت ليكونا معا، فتقوم هذه بأخبار تلامذتها بأنها «تغلبت» على «ظروفها الخاصة»، وانها سوف لن تغيب بالتالي عن المدرسة في الأسبوع المقبل، ليقوم أحد طلبتها بالاتصال بجده والاعتذار منه بأنه سوف لن يكون بمقدورهما الذهاب للجبل لأن المدرسة عادت وغيرت رأيها، وتغلبت على مشاكلها، وهنا يقوم الجد، رئيس الشركة، بالاتصال بسكرتيرته ليقول لها إن حفيده سوف لن يذهب معه الى الجبال القريبة، وان عليها اعادة اجراء حجز السفر لأنهما سيسافران معا…لتقوم السكرتيرة بالاتصال بزوجها لتخبره بأنها ستتغيب عن البيت لمرافقة رئيسها …….. وهكذا!!
الحياة ممتلئة بمثل هذه المواقف وتحدث لنا دائما، ليس بالضرورة بتلك الصورة، ولكننا غالبا لا نشعر بها، لأن من الصعب جدا معرفة ما يحدث بعد ان نتخذ قرارا ما، أو يكون بامكاننا تتبع تبعاته من حلقة لأخرى، فالبعض يزرع، ليأتي آخر ويحصد، وثالث ليعجن ويخبز، ورابع ليأكل مجانا ما سرقه من خبز، ولتسير الحياة بنا بوتيرتها سنة بعد اخرى وجيلا بعد آخر وقرناً بعد قرن، لنموت ويأتي غيرنا. ولكن في خضم كل ذلك لا نود ان نتعظ أو نتعلم، الا بعد أن يصبح الوقت متأخرا، وربما هذا هو سر جمال الحياة بكل حلاوتها وعذابها وخطاياها.
أحمد الصراف