لا تعرف مجتمعاتنا عادة أو فضيلة «الحق في الشك»the benefit of doubt، فنحن نميل للحكم المسبق على الأمور من واقع ما أمامنا من معطيات، دون انتظار الدليل، فهكذا نشأت اجيال واجيال على عدم الشك في القناعات والمسلّمات، والإيمان بما قيل لنا أو نعرف، دون الحاجة للبحث والتمحيص والسؤال، فهذه كلها أمور تتطلب مشقة لا طاقة للكثرين بها، وهنا لا أستثني نفسي، فلست بالواعظ ولا بالمثالي! و«الشك في المسلّمات» هو السر وراء الحضارة الغربية، والعامل الأهم! فنحن نلقي التحية على شخص نعرفه فلا يردّ علينا، فنستنتج أو نفترض أنه إما قليل ذوق أو أنه لا يود التعرف علينا، ولا نضع اي احتمالات أخرى تتطلب منا البحث فيها. وان بعثنا برسالة إنترنت ولم يردنا جواب، فغالبا ما نفترض بأن المرسل اليه يتجاهلنا، والشيء ذاته يسري على المكالمة الهاتفية، فعدم الرد نعتبره انعدام ذوق أو عدم الرغبة في التواصل او التكبر! وقد تكون جميع هذه الأمور صحيحة، ولكن علينا أن نخطو خطوة اضافية قبل اتخاذ القرار بقطع العلاقة أو الوصول لقناعة أو تكوين رأي مسبق.
بسبب سفري المتواصل، ولوجود من يود التحدث معي، من أصدقاء وقراء، فإنني غالبا ما أجد، عندما أعود للوطن، واحدا أو أكثر يلومني على تجاهلي مكالمته الهاتفية، أو رسالته، وحيث إنني عادة لا أتجاهل أي مكالمة، إلا لسبب قاهر وخارج عن إرادتي، فان لوم هؤلاء يحز في نفسي، واتخيل أن هناك آخرين لديهم الانطباع ذاته عني، وحيث إنني لا أعرفهم، ولا أود أن أوصف بالمتعالي أو المتجاهل لرسائل ومكالمات الآخرين، فإنني أود ان أوضح أن عتب هؤلاء مقبول، ولكن يجب أن يعطوني الحق في الشك، فعدم الرد قد يكون لأسباب لو علموا بها عذروني، فقد يتجاهل أحدنا مكالمة هاتفه قد ضاع، أو أن اسم المتصل لم يظهر على الشاشة، خاصة ان كان في الخارج. أو أن من اتصلت به يرقد في المستشفى، وفي الوقت نفسه أنت تصفه بقلة الذوق! وبالتالي نستحق جميعا الحق في الشك، وأن نعطي الآخر الحق نفسه، ولا نقفز لاستنتاجات خاطئة، دون دليل ملموس.
من المهم أن أشير هنا مرة ثانية الى أنني لا أقرأ عادة ما يكتبه القراء من تعليقات على مقالاتي على موقع القبس، وأفضل تسلمها عبر الإيميل الخاص، حيث المجال أكثر رحابة وحرية وسرعة ولا يخضع لرقابة أو مزاج محرر الصفحة على الانترنت.
كما أود أن أشير الى مستخدمي التويتر بأنني اصبحت ارسل مقالاتي عن طريق هذه الوسيلة، بناء على نصيحة اكثر من صديق، ولو أنني لا اقرأ عادة ما ينشر على التويتر من تعليقات وردود.
وأخيرا فإن عدم تلقي مرسل رسالة الإيميل ردا أو تجاوبا من المرسل إليه لا يعني أنه تجاهل الرسالة، فقد تكون قد ذهبت لصندوق البريد غير المرغوب فيه junk أو Spam، وهنا أيضا يحتاج المرسل إليه الحق في الشك، وتجنب الحكم المسبق عليه وعلى غيره.. دون دليل.
أحمد الصراف