وصل سعر المتر للأراضي السكنية في المناطق التي تبعد عن مدينة الكويت بما لا يزيد عن ١٥ كيلومتراً إلى ١٠٠٠ دينار للمتر المربع تقريباً، وهو ما يعني ٣٥٠ ألف دينار للأرض التي تبلغ مساحتها ٣٥٠ متراً مربعاً… بمعنى أن المواطن بحاجة إلى توفير ٥٠٠ دينار شهرياً لمدة ٣٠ سنة من عمره كي يتمكن من شراء أرض ما لم تزد الأسعار أكثر… وطوال هذه المدة هو يدفع إيجاراً سكنياً يعادل ما يجب أن يجمعه خلال الثلاثين عاما.
وأصبحت زيارة الجمعية التعاونية تتطلب ما لا يقل عن خمسين ديناراً كل عشرة أيام تقريباً لسد الحاجات الأساسية للأسر الصغيرة بعدما كانت هذه الخمسين تكفي لمدة شهر في أوقات سابقة. وازداد عدد المستشفيات والعيادات الخاصة هرباً من تردي الخدمات الصحية وطول الانتظار المصاحب لزيارة الطبيب الحكومي بعدما كان المشفى الخاص هو مكان للولادة في أغلب الأحيان. وازداد كذلك عدد الحضانات والمدارس الخاصة، وأصبحت بديلاً أساسياً عن رياض الأطفال والمدارس الحكومية بعدما كانت المدارس الحكومية هي الأصل في انتساب التلاميذ والمدارس الخاصة هي الاستثناء حتى وقت قريب. أتكلم هنا عن حاجات أساسية كالمأوى والعلاج والغذاء والتعليم، ولن أتطرق لا لحريات ولا ترفيه ولا غيرها من أمور مهمة أيضاً. بمعنى أننا بعد ٦٠ عاماً من تصدير النفط كثروة غيرت موازين الاقتصاد في العالم، ومنحتنا مصدر دخل أساسياً ومهماً عالمياً، وبعد خمسين عاماً من دستور ديمقراطي جعل من الشعب صانعاً للقرار نعاني بشكل أكبر مما كان عليه الوضع قبل النفط في حاجاتنا الأساسية!
أعلم وتعلمون أن مشكلتنا ليست النفط وأمواله أبداً، وأعلم وتعلمون أيضاً أن سيادة الأمة والديمقراطية ليست سبباً أيضاً في تردي الحال، لكننا رغم هذا وذاك نتراجع لأن هناك عصا ثابتة مزروعة في دولاب التقدم والتطور والبناء، عصا يمسكها كل فاسد وكل كاره للديمقراطية أملاً في أن يكرهها الناس ويطالبوا بإلغائها، وهو ما لم يحدث طوال نصف القرن الماضي، ولن يحدث أبداً في الكويت.
لقد أثبتت التجربة بل التجارب أن المجتمع الكويتي رغم اختلاف توجهاته وتنوعها فإنه ديمقراطي ولا يرتضي سوى الديمقراطية، بل إنه وفي أشد محنة على الإطلاق أثناء الغزو العراقي عندما ضاع البلد وسلبه الغزاة لم يشترط على الحكم سوى الديمقراطية.
لقد أثبتت التجربة والمحيط الإقليمي للكويت أن الثروة دون ديمقراطية لن تصنع وطناً متقدماً، ولن تبني مجتمعاً، وأثبتت التجربة عالمياً أيضاً أن الديمقراطية- بدون ثروات مادية- تساهم في تطور البلدان ونموها وجعلها في مصاف الدول المتقدمة، ونحن نملك ثروة وهيكلاً للديمقراطية، وتجربة نصف قرن من عرقلتها دون جدوى.
لقد آن الأوان لجعل هذه الديمقراطية تسير وفق مفهومها وطريقها السليم دون عراقيل، فتجربة وأدها لم تأتِ بجديد، ولم تثنِ الناس عنها رغم كل المحاولات، لندع هذه الديمقراطية تتطور وتزدهر فتنصلح الحال ويتحقق الرضا من الجميع.