هذه هي المقالة الأخيرة في هذه السلسلة، عقبالكم… وكما يفعل ساحر السيرك عندما يُدخل الحمامة في كمه الأيمن فتخرج الأرنب من كمه الأيسر، أدخلُ في نقاش حول أداء أسرة حاكمة كأسرة بني عثمان، وأنتقد فسادها وطغيانها، فأخرج من النقاش من الكم الأيسر "معادياً للإسلام"، ومن أعتى كفار قريش، وهنا مربط العقرب.
ولو وافقتهم على مبدأ "الدولة الإسلامية" لاختلفت معهم، بل سيختلفون هم بعضهم مع بعض، حول أي نوع من الإسلام يحكم الدولة، وأي فرقة وجماعة… ولك أن تأخذ هذه المعلومة وتعيدها إلي؛ انتشرت الجماعات الإسلامية في مصر في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته، وكلها رفعت شعار "دولة الخلافة الإسلامية"، واتفقت كلها على تكفير الحاكم والحكومة، ثم انتقلت إلى مرحلة تكفير المجتمع، ثم بدأ كل منها بتكفير الجماعات الإسلامية الأخرى، فجماعتا "الجهاد" و"التوقف والتبين" كانتا تكفران "الجماعة السلفية"، والجماعات الثلاث هذه، ويا للضحك، تكفر "جماعة التكفير"، وبالطبع عاملتهم جماعة التكفير بالمثل وردّت هديتهم بأحسن منها فكفرتهم كلهم "طقة واحدة" وارتاحت، فجاء "الشوقيون" و"الشكريون" فكفروا كل ما سبق، فأصبحوا في فراغ، فقرروا تبادل التكفير بينهم (أظنه من باب تمضية الوقت)، فتم لهم ذلك، قبل أن يكفر أعضاء الجماعة الواحدة زملاءهم في الجماعة، كان مهرجاناً تكفيرياً رائعا، يشبه مهرجان "حرب الطماطم"، الذي يبدأ برمي الآخرين بالطماطم، إلى أن يفوز فريق، فيبدأ أعضاء الفريق بتبادل رمي الطماطم، إلى أن ينتصر واحد فقط. وبدلاً من "الفرقة الناجية" تحول الأمر إلى "الفرد الناجي".
ولن أتحدث عن تكفير السنة للشيعة وتكفير الشيعة للسنة، واستعدادهما "لتبادل الطماطم"، فهذه لا تحتاج إلى جماعات ودوخة رأس، هذه تأتي ومعها تكفيرها من المصنع.
ولا أريد أن أثقل عليك إذا طلبت منك أن تتلفت في كل الكرة الأرضية وتشير بإصبعك المباركة إلى دولة دينية متفوقة، أو حتى ناجحة بدرجة مقبول، في حين سأشير بإصبعي إلى عدة دول علمانية / مدنية ناجحة وبامتياز، وتم تكريمها ووُضِعت صورتها في لوحة الشرف.
وهنا معلومة قد تهمك، وهي أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكثيراً من مشايخ السعودية يرون أن الدولة العثمانية ترعى الشرك والبدع، لذا كفروها. وجاء في كتاب "تاريخ العربية السعودية" ما يؤكد أن العثمانيين هدموا القرى والمدن، وذكر المؤرخ الجبرتي أنهم قاموا بسبي نساء الوهابيين وغلمانهم ووو… ويرى بعض علماء السنة في نجد أن الدعوة الوهابية ليست خروجاً على الحاكم (الدولة العثمانية) لأنها كافرة. فعن أي دولة إسلامية نتحدث؟
وإذا كنت قد كتبت سابقاً ممتدحاً أداء أتاتورك، فإن مقالة الزميل المبدع فالح بن حجري، التي نشرها في جريدة سبر، دعتني إلى "التوقف والتبين" كما هو اسم تلك الجماعة الإسلامية المصرية التكفيرية، لإعادة حساباتي من جديد وقراءة مصادر عدة عن أدائه، وعن حال الدولة في عهده، على أن "شخص أتاتورك" ليس موضوعي، بل "نهج أتاتورك".
ولا يهمني إن كان أتاتورك من يهود الدونمة، كما ادعى خصومه فصدقهم البسطاء (اسمه مصطفى علي رضا)، ولن أتوقف عند موضوع شربه الخمرة، وتليف كبده، أو حتى تليف أنفه، ولن أغضب إذا كان ينتمي إلى الماسونية أو ينتمي إلى الإخوان المسلمين أو ينتمي إلى "جماعة البرتقالة الزرقاء" التكفيرية (لا تبحث عن اسم الجماعة في قوقل فلا وجود لها)، المهم هو الحرص على توفير أماكن العبادة للمؤمنين، على ألا يفرضوا رؤاهم المختلفة على شؤون البلد، وإقامة العدل، والنهوض بالبلد.
وعصارة رأيي: "الدين هو أقوى درع لحماية الحكم، وأقوى سيف لقتل الخصم" كما يرى حكام الدول الدينية. لذا يجب أن يُحفظ الدين بعيداً عن متناول الأنظمة الحاكمة، وعندذاك نستطيع تقييم هذا الحاكم وذاك وذياك بناء على أدائهم دون أن يخرجنا أحد من الإسلام.