الحديث ما زال مستمراً عن أتاتورك والخلافة العثمانية، ومنه إلى مفهوم الدولة الإسلامية، وعن "القشورية" و"القشوريين"، وما أجمل كلمة "الخلافة الإسلامية" وما أحلى وقعها على الأذن، وما أسهل أن ينجر خلفها بسطاء الناس وحسنو النوايا. خذها مني وحاسبني، قل "الإسلام هو الحل" وستجد الآلاف يهتفون خلفك دون أن يتوقف كثيرهم أمام مبادئ "الدولة الإسلامية" أو حتى يقرأ عنها.
وأُصِبت بالحوَل والهزال عندما رأيت بعض شبان المعارضة هنا في الكويت، المطالبين بالحريات، يتباكون على الخلافة العثمانية ويلعنون آباء وأجداد أتاتورك الذي أسقطها وانسحب من أراضي الدول الأخرى ورفض احتلال شبر في بلدان الآخرين، ويتهمونه بالسبع الموبقات! وقبل أن أتحدث عن سهام اتهاماتهم الموجهة إلى سيرة أتاتورك، غير المنزه عن الخطأ، سأذكرهم بأن أتاتورك كان يرفع شعارات بعضها يشابه شعاراتهم، كـ"الحرية" و"لسنا عبيداً لبني عثمان" و"لماذا تبتلع الأسرة العثمانية خيرات البلد بلا حسيب ولا رقيب" و"يجب الحفاظ على أملاك الدولة من جشع أسرة بني عثمان وجلساء السلطان من التجار وزعماء الأسر الثرية الذين ابتلعوا كل شيء وتركوا الفقراء بلا أدنى متطلبات الحياة" وغير ذلك.
ويؤسفني أن أقول إن أصغر طفل من أسرة بني عثمان كان يرافقه موكب أكبر من مواكب حكام العرب في عصرنا الحالي كلهم، ويحزنني القول إن القرى التركية في العهد العثماني، حتى في أوج الخلافة، كانت أحقر من بيوت النمل وأكثر بؤساً من جحور الضبان، في حين يتمدد تنابلة السلطان والأسرة على الأرائك في القصور السلطانية، وكروشهم تتدلدل أمامهم، يتبادلون القهقهات ويتحدثون عن النساء، أيهن أجمل، العربية أم الفارسية أم التركية أم القوقازية أم الأوروبية أم أم أم، ويتباهون بأنواع الخيل، ويتبادلون أفخر أنواع العطورات… ومن يغضب فهو كاره للإسلام، يريد سقوط راية الإسلام، وهو بالتأكيد مندس من كفار أوروبا، وهو لا شك عميل أرسلته بريطانيا أو ألمانيا، أو كلتاهما معاً.
كانت الشعوب تحت راية الخلافة العثمانية عبارة عن عبيد بمستويات ومسميات مختلفة، وكان أحد لا يحلم مجرد حلم أن يتبوأ منصباً في الدولة ما لم يكن متذللاً لأحد من أبناء الأسرة العثمانية، وكانت الشعوب العربية تحت الخلافة العثمانية (أتحدث عن فترات أوجها ومجدها لا فترات وهنها وتفككها) تسبح في محيطات الجهل والفقر والجوع والفرقة والبؤس.
ويحكي لنا آباؤنا عن آبائهم بعض حكايات الجهل المضحك المبكي في أساسيات الإسلام، كـ"المحلل" في الزواج، إذ يطلّق الواحد منهم زوجته ثلاثاً فيمنعه الشرع عنها، فيلجأ إلى أحد رعاة الغنم أو الخدم، ويُدخله في الخيمة على طليقته، بعد أن يحذره من لمسها أو مجرد الاقتراب منها، إلى أن تشرق الشمس فيُخرجه من الخيمة، ويعود إليها، وأرجوك لا تسألني كي لا أسألك عن فترة العدة، فقد سقطت سهواً وجهلاً.
وبالتأكيد كل من يرفض تصرفات أفراد الأسرة العثمانية أو يحتج على فساد أصدقائهم وحاشيتهم فقد خرج من الإسلام وجزاؤه الخازوق المبين… ويأتي بعد ذلك القشوريون ليتباكوا على الدولة العثمانية الفاسدة لارتدائها قميص الإسلام.
وما زال الحديث مستمراً، وسأتحدث في المقبل من المقالات عن علمانية الدولة الأتاتوركية والفروقات بين الدولتين، العثمانية والأتاتوركية. مع التذكير بأن "العلمانية" تعني فصل الدين، أي دين، عن الدولة وليس فصل الإسلام عن الدولة، وأرجو أن يرحمنا من يدّعي أن العلمانية تم اختراعها لإسقاط الإسلام، فقد نشأت لمحاربة الكنيسة لا المسجد.
اليوم: 24 فبراير، 2013
انقسام وتقسيم
لم تطل فرحة جماعة الصوت الواحد بالانقسامات والانشطارات التي حدثت في معسكر أصحاب الأربعة أصوات، حتى تواترت الأنباء عن انقسامات أشد وأخطر في معسكر الصوت الواحد طالت حتى رئيس مجلس الأمة السياسي الخلوق علي الراشد، حيث انقسم النواب الى معارضين ومؤيدين للعودة السريعة لمسار التأزيم والتسخين والاستجوابات على «الهوية» وليس على القضية، أي استقصاد المسؤول لشخصه ثم البحث عن مبررات وادعاءات وأكاذيب لاستجوابه، وليس هناك ظلم وضرب لمصداقية المستجوب أكثر من هذا، ولو كانت هناك «لجان قيم» فاعلة في المجلس، لحاسبت وعاقبت مثل تلك التصرفات الطائشة والدافعة للفساد التشريعي.
***
مع سقوط الاتحاد السوفيتي أواخر الثمانينيات، انفصلت وانقسمت عنه جمهوريات كانت جزءاً من حكم القياصرة لقرون طوال، والحال كذلك مع انقسام وانشطار بعض دول الربيع الأوروبي ابان ثورتهم المخملية عام 89 والذي أصاب بلداناً مثل جمهوريتي يوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، وكانت الوحدة قائمة بين مكونات تلك الدول تمتد بأطول كثيرا من وحدة دولنا العربية وآخرها وحدة اليمنيين.
***
وعليه فمنطق الأمور يرى أن دولنا العربية ذاهبة وبنسبة تقارب 100% الى الانقسام والانشطار، حيث ان حساب الدم والتفرقة والتمييز الذي تراكم عبر السنين بين مكوناتها كبير وثقيل جدا ولا يحتمل بقاء تلك المكونات ضمن دولة واحدة ولا ينحصر الأمر هنا بدول عربية كثر الحديث عن انقسامها مثل سورية واليمن والعراق وليبيا وما تبقى من السودان، بل يشمل ذلك الأمر أغلب الدول العربية الأخرى التي سينشطر البعض منها سريعا في الفترة الممتدة الى عام 2015 ثم يستكمل تقسيم الباقي قبل عام 2020 بالتأكيد.
***
وحتى لا نتهم الآخرين بالتآمر علينا، فالانقسام محتمل جدا لأغلب الدول الأوروبية، حيث سيصوت العام المقبل على انفصال اسكوتلندا عن بريطانيا، وهناك حركات انفصالية نشطة في روسيا (الشيشان وتترستان وانغوشيا وداغستان) وفرنسا (الباسك وكورسيكا) واسبانيا (الباسك وكاتالونيا والاندلس) وألمانيا (بافاريا) وبلجيكا (فيلمش) والتشيك (مورافيا) والدنمارك (غرين لاند) والبوسنة (دولتان للكروات والصرب)، وفي دول شمال أوروبا الثلاث فنلندا والسويد والنرويج هناك حركة شعب سامي «SAMI PEOPLE» الانفصالية المكونة من الشعوب الاصلية لتلك البلدان، وعلى ضفة الأطلسي الاخرى تحفل الولايات المتحدة بالحركات الانفصالية مثل الحركات المطالبة بانفصال ألاسكا بأقصى الشمال وانفصال الجنوب بأكمله، وخلق جمهورية تكساس على تخوم المكسيك، وبالطبع ستقوى أو تضعف تلك المطالبات الانفصالية في بلدانهم طبقا لما سيحدث في بلداننا ضمن مفهوم القرية الصغيرة التي تجعل الشعوب تتأثر ببعضها البعض، فإن تمت عمليات الانشطار هنا عبر حروب أهلية وبحور من الدماء، ضعفت مطالبات الانفصال هناك، وإن تمت عبر التراضي ونتج عنها دول جديدة مزدهرة ومتعاونة، قويت مطالبات الانفصال هناك.
***
٭ آخر محطة: كتب الكاتب الأشهر في العالم توماس فريدمان ضمن مقاله قبل أيام في جريدة «نيويورك تايمز» مشيرا لدراسة لعالم اقتصاد شهير في جامعة هارفارد والتي تربط التسامح الاجتماعي والسياسي بالنمو الاقتصادي، طالبا من الجمهوريين أن يتوقفوا عن مناكفة الحكم، وأن يتعاونوا مع الديموقراطيين عبر لجنة مشتركة لينعكس توافقهم السياسي على عملية النمو الاقتصادي.. ومنا لجهابذة التأزيم في المجالس الحالية والسابقة و.. اللاحقة!
هل نحن وطنيون؟
في كل عيد استقلال وتحرير يخرج الشعب الكويتي الوفي للتعبير عن «جميل» مشاعره تجاه وطنه، وليظهر مدى حبه لقيادته، وهذا أمر يبدو مدعاة للفخر، خصوصا عندما نقارنه بــ «برودة» مشاعر الغربيين تجاه مثل هذه المناسبات وعدم استعدادهم للتظاهر بسياراتهم في الشوارع لساعات، ربما لأن البنزين عندهم له ثمن ووقتهم أثمن! أو ربما لأنهم لم يكتشفوا حتى الآن مدى لذة رش الآخرين ومركباتهم بالرغوة السخيفة! كما أننا، بسبب حرارة مشاعرنا، نمتاز عنهم بقدرة واستعداد أكبر لأن نظهر «حبنا وولاءنا» الوطني الذي لا ينضب ولا ينتهي. ولكن هل المبالغة في اظهار المشاعر في الأعياد السياسية ورفع الاعلام على البيوت والمركبات وتزيين المباني، ووضع صور القيادة السياسية في كل مكان، وسماع وترديد الأغاني الوطنية، والصراخ بملء حناجرنا: «كويتي وأفتخر» دليل كاف على حب الوطن؟ فان كان الأمر كذلك، فلماذا لا نرى مثل هذه المظاهر «المباركة» في غالبية دول العالم؟ الحقيقة ان ما يقوم به الكثيرون في مثل هذه المناسبات الوطنية أمر جيد، وعفوي في غالبه، ولكن حب الوطن والقيادة ليس بتعليق الصور ولا برفع الأعلام، بل بالوفاء له والعمل لمصلحته، ان بالسلوك أو التصرف الصحيح، وبالمحافظة على المال العام، فما الذي يفيد الوطن والمواطن ان قام «محتفل» وطني غيور بتعليق مئات الأعلام على بيته وتغطيته بعشرات آلاف الصور والمصابيح الكهربائية وذهب في اليوم التالي لعمله، كعادته منذ عشرين عاما، متأخرا؟ وما حاجة الوطن والقيادة الى وطني غيور لا يرضى بأن يتكلم أحد عن وطنه وقيادته بسوء، ثم لا يكترث للطريقة التي يقود بها مركبته، ويزعج الآخرين، ولا بما تسببه رعونته من أذى للغير، أو بعدم اكتراثه بالوقوف في الأماكن المخصصة للمعاقين مثلا؟ لا نحتاج الى ذكاء أو دقة ملاحظة لنجد أن الأغلبية تتغنى بحب وطنها، هي الأغلبية نفسها التي لا تعرف «كوعها من بوعها» فيما يتعلق بالحب الحقيقي للوطن وحفظ مصالحه. فمن الذي يرتكب يوميا كل هذا الكم من مخالفات النظافة، ومن الذي يرمي أنقاضه على بيت غيره، ومن الذي يهدر كل هذا الماء والكهرباء، دون سبب، ومن الذي يعطل مصالح المواطنين في عمله، إما بتغيبه واما باهماله، ومن الذي يقبض مبلغا ويطلق سراح مجرم خطر يعالج في المستشفى، ومن الذي يغتصب الخدم في «نظارات المخافر» ومن الذي يهرب المخدرات للسجون ويبيعها في الشارع، أو يسهل دخول الهواتف النقالة وممنوعات أخرى للمساجين الخطرين؟ ومن الذي يخرب ذمم النواب ويبيع الشهادات المضروبة وآخر يشتريها، ويهدد الوزراء بالمساءلة، ويتلف البيئة بمخلفاته أثناء وبعد وضع خيمة بالية في الصحراء الجميلة؟ ومن التي لا تكترث لربط حزام الأمان وهي تقود مركبتها، وتصر على أن يجلس ابناؤها على الكرسي الأمامي من السيارة من دون حماية؟ أليس هؤلاء هم الذين نجدهم في الصفوف الأمامية من أي تظاهرة حب وطن، والذين لا يترددون في غلق الشوارع وعرقلة السير وتعطيل مصالح الناس، بحجة أن من «حقهم» الاحتفال بطريقتهم الخاصة بهذا الحب؟ وأخيرا وليس آخرا، مَن م.ن هؤلاء على استعداد للتطوع في عمل انساني من دون مقابل، من أجل وطنه؟ ….. ربما لا أحد من هؤلاء!.
***
ملاحظة: اشتكى الكثيرون من المستوى الفوضوي لكثير من مظاهر الاحتفال بالعيد الوطني، وما تضمنه من تشويه، وزينات اعتباطية، تفتقر الى الحد الادنى من الذوق، وتسيء للمناسبة ولمكانة الكويت، فهل هناك جهة مسؤولة هنا؟.
أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com
لا تزعلين… خذي عندك
يبدو ان مقالاتي التي انتقد فيها مجلس الصوت الواحد وتصرفات اعضائه قد ازعجت بعض الزملاء من المقاتلين بشراسة من اجل انجاح هذا المجلس، وبالتالي انجاح مخططهم لتقليم اظافر المؤسسة التشريعية والغاء دورها الرقابي، ولقد كانت الزميلة اقبال الاحمد من اشد الناقدين لي بسبب مقالتي «مجلس تلاحقه اللعنات»، وحاولت تفنيد وجهة نظري دفاعا عن مجلس الصوت الواحد، وتزامنت مع مقالة للزميلة عزيزة المفرج في «الوطن» في الاتجاه نفسه، وحتى لاتكون المسألة بيننا سجالا من دون فائدة يضيع معه وقت القارئ الكريم، فانني سأذكر اليوم بعض ما قاله نواب هذا المجلس انفسهم عن مجلسهم وردده الاعلام! وخذي عندك بعضا منها:
ــــ نواف الفزيع لتلفزيون الراي: للاسف عدد كبير من النواب بات في جيب الحكومة!
ــــ حسين القلاف: ان ما قام به الراشد شديد القبح، ودمر البلاد ولم يبعد التأزيم! وقال في تصريح اخر: على رئيس مجلس الامة ان يطلع على ردة فعل الناس عليه وعلى الاعضاء الذين اتت بهم الحكومة!.
ــــ حسين القلاف اثناء خروجه من المجلس: لا يشرفني التواجد في هذا المجلس ولا مع نوابه! وقال: هذا المجلس خرطي!.
ــــ سعدون حماد للصحافة: اناشد سمو الامير حل مجلس الامة الحالي لتردي اوضاعه بعد ان فقد هيبته من خلال تأجيل الاستجوابات!.
ــــ عسكر العنزي: الحكومة ماسحة فينا البلاط!.
ــــ فيصل الدويسان: مجلسنا هذا مو بس ما يشمخ هذا حتى ما يدلدغ!.
عدا عن التصريحات المتكررة لبعض نواب هذا المجلس، مثل قول احدهم: الحكومة ما تعبرنا! وقول اخر: ما يفيد فيكم الا المجلس المبطل!.
اما المقالات فحدث ولا حرج! حتى ان اكثر الصحف دعما لمجلس الصوت الواحد، والتي سخّرت صفحاتها لانجاح مرسوم الضرورة خذي عندك ايتها الزميلة ماكتبه الزميل راشد الردعان عن مجلس «بو سوط!» وكيف انه خيب ظن المؤيدين له! اما الزميل احمد الدعيج فيكفي عنوان مقالته «خوش برلمان ياحليله»!.
اذن لم يكن مبارك الدويله هو الوحيد الذي انتقد مجلس بوصوت واحد او انتقد بعض النواب الطارئين على العمل السياسي، فتصرفات الاعضاء والحكومة تجعل الحليم حيران! حتى ان المؤيدين لهذه التركيبة وهذا التشكيل يجدون حرجا كبيرا في دعمهم لهم، ويضطرون احيانا الى انتقادهم بعنف، كما ذكر الزميل علي البغلي في مقالته صباح امس السبت في القبس، عندما قال عن تشكيل الحكومة «… اصبنا بخيبة امل»، ويسترسل «.. فالحكومة من اول نظرة لنا عليها كانت من فئة «شوف وجه العنز واحلب لبن»! انتهى كلام البغلي عن الحكومة، لكنه ينتقد اعضاء مجلس بوصوت بقوله «تأتي حكومة وجه العنز وتتعامل مع اعضاء المجلس الذي لا يملك معظم اعضائه اي خبرة وحنكة سياسية سابقة»!.
على كل حال: «ستبدي لك الايام ماكنت جاهلا.. ويأتيك بالأخبار من لم تزود».. والوعد جدام!
***
في مقالة سابقة الغى مقص الرقيب في القبس عبارة تدل تلميحا لا تصريحا عن كاتب زميل وجهت له عتابا على الادعاء ان النائب العام المصري الحالي من الاخوان المسلمين! واصبح سياق الحديث ان عاشق سمية هو من ادعى ذلك، والحقيقة ان الذي ذكر هذه المعلومة زميل اخر سقط اسمه من الرقيب سهوا!؟.
***
الاخوة في الحراك الشبابي والمعارضة السياسية يعملون من غير ترتيب اجندات متفق عليها من الجميع، مما يضعف النشاط وبالتالي يشوه العمل السياسي ويفقد ثقة الناس فيهم! لذلك لابد من التنسيق والاتفاق على الانشطة، ان كنا فعلا نريد النجاح لهذا التحرك، والا سيقول الناس انكم تتحركون وفقا لاهواء وطموح وتصفية حسابات بين القوى السياسية.
***
اعلنت احدى الصحف عن القبض على خلية ارهابية من بعض المصريين تخطط للانقلاب على الحكم، وان هذه الخلية مرتبطة بالاخوان المسلمين! ثم جاء النفي من الجهات الرسمية لتقول ان هذا الخبر مختلق وغير صحيح!؟ اتمنى من الزميلة التي نشرت هذا الخبر الملفق ان تحترم ميثاق المهنة، ومن اهم بنوده مصداقية نقل الخبر واحترام عقول القراء.
الأبله… الرشيد!
يُحكى أن رجلاً أبله عاش في زمنٍ يُقدم فيه العبيد ويُؤخر الأحرار، أراد أن يحرر العبيد مما هم فيه من خنوع وخضوع وسقوط وسوء حال، وأجمع أمره على أن يجعل من نفسه ومن أولئك البشر أناساً لهم كرامة وعزة، فيعلم السلطان ما يعلم مما آل إليه أمرهم، لكنه كان يخشى أمراً واحداً فقط وهو أنه – في قرارة نفسه – يُدرك أنه لا يمتلك القدرة على أن يُحرر نفسه من سطوة العبودية، وليس في مقدوره أصلاً أن يتكلم عن حقوق الناس وشئونهم وشجونهم، ومع ذلك، ارتاح لفكرةٍ لمعت في رأسه.
خاطب نفسه ذات ليلة قائلاً: «فليكن… إن لم يحالفني الحظ، فعلى الأقل، سأكون قد أدّيت ما عليّ من مسئولية، ونصحت لأولئك الناس، ومن بينهم الأحرار أيضاً، لكنني أعلم علم اليقين، لا أنا ولا من خضع للعبودية منذ ولادته، نحب الناصحين. بيد أنني سأطلق صرختي الأولى وسأدعو كل الناس إلى أن يقولوا: لا».
لم تمضِ سوى ساعات قليلة على فكرته تلك، إلا ورجال السلطان على باب داره.
كان حينها مستيقظاً رغم أن الليل قد انتصف. طرق رجال السلطان باب داره بقوة ففزّ هلعاً وهرع نحو الباب يفتحه فإذا بكبير العسس يخاطبه: «يا للغرابة… نحن في منتصف الليل وأنت مستيقظ؟ عهدناك مذ عرفناك أبلهاً معتوهاً نائماً في سباتٍ عميق! فما الأمر الذي جعلك مستيقظاً متنبهاً حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ عموماً، تعالَ معنا فالسلطان يريدك على الفور».
السلطان! هتف الرجل الأبله فاغراً فاه مبحلقاً في عين كبير العسس الذي قاطعه: «نعم السلطان. هيا هيا… لا وقت لدينا»، حاول أن يستفهم الأمر وأن يتبين سبب طلبه في تلك الليلة، لكن العسس جرّوه جرّاً.
كان طوال الطريق، من داره إلى قصر السلطان يضرب أخماساً بأسداس: «ترى، ما الأمر؟ وما الذي حدا بالسلطان لأن يستدعيني في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟»، وبلغ به القلق والخوف مبلغاً عظيماً حتى كاد يغمى عليه من شدة الهلع وهو يرافق العسس في الطريق فيرشّون وجهه بالماء ليفيق.
«سمعاً وطاعةً يا سيدي. هذا هو الأبله الذي أردته أن يمثل بين يديك. لم يكن نائماً كعادته، نعم كان مستيقظاً متنبهاً مسهداً يا مولاي… طلبت منا يا سيدي أن ننظر حاله إن كان نائماً أم مستيقظاً حال استدعائه فوجدناه نشيطاً لا أثر للنوم على وجهه». قال كبير العسس وحال الأبله لا يسر عدواً ولا صديقاً، يرتجف كسعفة في ليلة باردة الرياح. نظر إليه السلطان وابتسم: «هوّن عليك يا رجل. لِمَ أنت في هذه الحال من الخوف؟ هوّن عليك. يا غلام!
أحضر له شراباً ينعش قلبه. تفضل يا رجل. اقترب مني واجلس بجانبي مطمئناً مرتاحاً. هيّا تقدم».
شعر الأبله، بكل مشاعر الاطمئنان وهدأت نفسه. اقترب من السلطان فأجلسه على كرسي وثير بجانبه ثم بعد أن شرب شرابه سأله السلطان عن أحوال البلاد والعباد فقال: «مولاي. يسرك الحال… الرجال يمشون والدراهم تتراقص في جيوبهم، والنساء غاديات رائحات في الأسواق وهن يحملن العسل والفاكهة والسمن. والأطفال في السلطنة ينعمون بالصحة والعافية ويتعلمون ما ينفعهم. والتجار سعداء. الرعية في سعادة، بل حتى الحيوانات… حتى الحيوانات يا مولاي، سمينة مربربة من عظم ما تأكل من خيرات. الخير كثير يا مولاي. سلطنتكم تنعم بخير ما رأى الناس مثيلاً له أبداً».
ضحك السلطان ضحكة مجلجلة وقال: «جميل… رائع… يا لهذه الأنباء العظيمة»، ثم صمت برهة وصرخ بأعلى صوته: «وماذا عن العبيد أيها الأبله؟».
كانت صرخة السلطان، ومن شدتها، تكفي لأن ترديه قتيلاً لكنه تماسك عنوةً بعد أن سقط على الأرض يقبل أرجل السلطان: «أي عبيد يا مولاي أي عبيد. العبيد سيبقون عبيداً أبد الدهر. إن هم إلا كالأنعام… هم أرادوا ذلك… ثم يا مولاي لا عبيد في سلطنتك العامرة. هم ليسوا سوى سوقة… أو من ما ملكت أيماننا وأيمانكم يا سيدي».
رمقه السلطان بنظرة حادة وبعينين محمرتين: «هكذا إذاً… فلماذا أردت يا بُني أن تدعوهم لأن يقولوا (لا)؟ ولماذا؟ ولمن يقولونها؟».
ما أن أنهى السلطان كلامه حتى خرّ الأبله فاقد الوعي… حاول العسس أن يعيدوه إلى اليقظة فرشوا على وجهه الماء وخمشوا وجهه وسطروه و(فلصوه) فلم يستيقظ. هل مات الأبله؟ قال السلطان، فأجابه كبير العسس: «لايزال قلبه ينبض يا مولاي… فلم يمت». محاولة تلو الأخرى حتى استفاق الأبله مرتجفاً… في غفوته، كان هاتفاً يدور في رأسه متسائلاً: «كيف عرف السلطان بأمر (لا) وكل ما في الحكاية أنها فكرة دارت بين ثلاثة خلف جدران مغلقة: «عقله وقلبه وإبليس الرجيم»!
بعد استفاقته، أعاد كبير العسس عليه السؤال: «لقد سألك مولاي السلطان: من أولئك الذين ستدعوهم لأن يقولوا (لا)؟ هيّا أجب»، فما كان من الأبله إلا أن استحضر شيئاً من عبقريةٍ ما كان يملكها يوماً فقال: «سيدي السلطان…
أما والله إنني سأدعوهم لأن يقولوا (لا)… ولأنعمنك عيناً. أقسم عليك بما تحب، امنحني الفرصة لأن تسمع وترى بعينك يا مولاي ما سأفعله، ثم، لك رقبتي إن كان ما سأفعله لا يرضيك».
راقت الفكرة للسلطان رغم اعتراض كبير العسس فقال: «ستكون أنفاسك وخطواتك وخواطرك وأكلك وشربك ونومك وبلاهتك كلها تحت مرآي ومسمعي… وأيم الله، إن وجدتك في غير ما أريد… لآخذن الذي فيه عيناك».
خرج الأبله من قصر السلطان مع شروق الصباح متجهاً إلى داره عن طريق السوق. كان يعلم أن العسس في كل مكان، يحسبون أنفاسه قبل خطواته. وبينما هو كذلك، استعان به اثنان: «أيها الرجل… كن بيننا حكماً، لقد باعني هذا التاجر شوالاً من الشعير وقد وجدت نصفه فاسداً مغشوشاً، فهل من حقي أن أشكوه إلى قاضي القضاة أم لا؟»… فأجابه الأبله دون تردد: «بالتأكيد لا!». واصل طريقه فرآه قريباً له وتحدث معه قليلاً قائلاً: «لقد وعدتني يا نسيبي أن تصلح بيني وبين أهل زوجتي، وقد طال الوقت، هل ستعينني على الأمر أم… فقاطعه بسرعة قائلاً: «لا… طبعاً». شاهد في أحد الأزقة شاباً أرعن يتحرش بامرأة وهي تصرخ، جلس ينظر بعض الوقت وما أن أقبلت شرطة السوق حتى ولى ذلك الأرعن هارباً، فسأله أحد الشرطة: «تدّعي هذه المرأة أن غريباً اعتدى عليها… هل تشهد على ما رأيت؟»، فقال صارخاً مولياً: «لا … لا…
لا».
بُعيد أيام قليلة، جاءه كبير العسس مسروراً بالهدايا والأعطيات. جُن الرجل… ليس ذلك فحسب، بل دعاه كبير العسس بكل احترام وحنان ودلال ومياعة وجمبزة للقاء السلطان في التو واللحظة، وما أن رآه الأخير حتى هشّ في وجه وبشّ قائلاً: «أهلاً وسهلاً ومرحباً بالرجل الأبله الرشيد».