يقيني الثابت على أربع أرجل أن إيران لم تعد تصدّر الزعفران فقط، كما كانت أيام الشاه، بل أضافت إلى الزعفران مواد غذائية أخرى، كالخلايا التجسسية والأفكار الطائفية وما شابه من مستلزمات البقالة.
ويقيني الأكثر ثباتاً أن الإيراني بطبيعته أكثر إتقاناً للعمل من العربي (كل من على هذه الأرض أكثر إتقاناً للعمل من العربي، لا الإيراني وحده)، والأهم أن الإيراني روحاني بطبيعته، أي يمكن دفعه بسهولة إلى التهلكة لأسباب عقدية وطائفية، وعندما أقول التهلكة فأنا أقصد الموت الحقيقي، الذي لا تشوبه شائبة ولا تعيبه عائبة.
وأدعو دائماً إلى أن نضع أصبعنا على زناد المسدس إذا ما مرت إيران بالقرب منا، وفي حالة النوم يجب أن نكلف أحدنا بالبقاء متيقظاً فوق السطح، وأن نضع مسدساتنا في متناول أيدينا، وتحت مخداتنا إن نمنا… وفي رمضان أدعو إلى عدم تناول أي طبق يأتينا من إيران، حتى لو أبكانا زكاء رائحته، بما في ذلك "صحن التشريب" الذي نظمتُ فيه إلى الآن نحو خمس عشرة معلقة.
كل ذلك أؤمن به وأعتقده وأدعو إليه ويؤمن به آخرون كثر غيري ويعتقدونه، لكن هذا لا يعني أن نتعامل نحن العربان مع إيران كما نتعامل الآن بنظام دلدلة اللسان لإغاظتها، فيذهب رئيس أهم دولة من دولنا، فيترحم على أبي بكر وعمر وعثمان، بالإضافة إلى علي بالطبع، رضي الله عنهم جميعاً، ويكتفي بذلك ونكتفي معه، وشكر الله سعي الساعين! ولا يعني ذلك أيضاً أن نضرب رئيس إيران أحمدي نجادي وهو يمشي في حي "الحسين" في القاهرة بالحذاء، ثم نفسر الحادثة باعتبارها انتقاماً إلهياً لدماء شهداء الثورة السورية! هذا يدخل من ضمن باب "دلدلة اللسان"، في كتاب التعامل السياسي.
إغاظة إيران، أو تحديداً النظام الحاكم في إيران، تتطلب أموراً ليس من بينها دلدلة اللسان، ولا تحريك القبضة اليمنى على باطن الكف اليسرى. إغاظة النظام الحاكم في إيران يجب أن تسبقها وحدة خليجية أرى أن تناول صحن التشريب الإيراني أهون منها وأقرب. ولا أظن أن العربان يمكن أن يأمنوا جانب إيران قبل أن يأمنوا جانب حكامهم وقياداتهم.
وقبل أن نحارب المد الصفوي أو المد الفارسي أو حتى المد بالطاء المفتوحة، سمه ما شئت، وقبله المد الصهيوني، والمد الهندوراسي، وأي مد يخطر على بالك، أظن أن علينا قبل ذلك محاربة المد "الفسَدي" الذي ينتشر بيننا بفعل قياداتنا، وأن نسعى إلى قلب المعادلة، فيراعي حكامنا خواطرنا ويصطفون في طابور لإلقاء قصائد المديح فينا، وتهابنا حكوماتنا لا العكس، ويتلمس الوزير رقبته قبل أن يضع توقيعه على أي قرار، ووو، كما في الدول المحترمة، أما قبل ذلك فلا تحدثني عن أي مد، بما فيها مد البحر، وتعال معي نتناول الكستناء المشوية في هذا الجو البارد على أنغام موال "إذا أشوفك" للفنان المبدع ماجد المهندس.
اليوم: 14 فبراير، 2013
لو أقدر!
لو أقدر أن أنزع الأصفاد الحديدية التي كبلت قدمي طفلين عند مصعد في قصر العدل لصنعت منها قلادة عبودية تزين رقبة السيدة التي بعثت إلي برسالة إلكترونية تشجب ما كتبته، أمس الأول، عن جلسة محاكمة مسلم البراك، وما صاحبها من انتهاكات لمبدأ علنية الجلسات، وتختم رسالتها بأن الكويت عظيمة فيها حرية وديمقراطية… "ومو ناقصنا شي". صورة الطفلين المصفدين، وكأنهما سفاحان خطيران، تخبرنا عن جمال وروعة الحرية وحقوق الإنسان وحقوق الأطفال في بلد "مو ناقصنا شي والحمد لله".
لو أقدر، ويا ليتني، أملك صوراً كثيرة لراشد العنزي وعبدالحكيم الفضلي وغيرهما، وهم في السجون لمجرد أنهم عبروا عن آرائهم عفوياً عبر "تويتر" أو حرضوا على تظاهرات غير مرخصة، وافترضت جهة الادعاء على وجه اليقين أنهم ارتكبوا جرماً خطيراً بالمساس بسمو الأمير وسلطاته، وكأن أجهزة الأمن والتحقيق شقت قلوبهم وقرأت مقاصدهم مفترضة سوء النية.
ليتني أعلق صور هؤلاء المتهمين على حوائط غرف النوم فوق أسرتهم الدافئة الوثيرة وفي صالونات جلوس المؤلفة قلوبهم من مريدي بعض شيوخ أهل الأريحية النفطية والكرم الطائي، (كرم حاتمي من بيت المال وليس من جيوبهم الخاصة بطبيعة الحال)، لعل فرق المريدين من التبع، يدركون، ولو للحظة واحدة، أن هناك بشراً غيرهم، صودرت حرياتهم ومست كراماتهم أسابيع ممتدة وسنوات طويلة بسبب شبهات قلقة بجرائم الرأي، عل وعسى أن ينبض عرق صغير بوخز الضمير في معاصم لوردات ودوقات نظامنا الحاكم "كامل الأوصاف"، كما يرسمه فنانو البؤس بلوحات المريدين.
لو أقدر، أن أنقل لتبع النظام، الذين بينهم وبين الفكر والثقافة الإنسانية مسافات شاسعة، ليس لها من حدود، ولا لعمقها من قرار، أوضاع إخوانهم وأخواتهم البدون… كيف تحيا تلك الجماعات المنفية من الوجود القانوني والإنساني، وتناست السلطة ما قدمه كثير من هؤلاء البدون أو آباؤهم وجدودهم للدولة عبر الخدمة في الجيش أو الشرطة، والأرواح الرخيصة التي بذلوها من أجل هذا الوطن. واليوم تطوى صفحتهم من الذاكرة الكويتية، وكأنهم غير موجودين، ويعلق مصيرهم على "احتمالات" صدقات أصحاب السيادة في مجلسهم، أي مجلس التابعين وحكومتهم المتبوعة ليوم الدين.
لو أقدر، أن أقرأ على جماهير الموالين بعضاً من النصوص القانونية التي غاب عنها عمداً التشريعات التي تنظم أوضاع الخدم الخصوصين، وتضع الحدود الدنيا لحقوقهم التائهة في إمبراطورية "مو ناقصنا شي".
لو أقدر أن أذكر بارونات الدولة بالقانون الذي يحظر على القضاء النظر في مسائل الجنسية ودور العبادة والإبعاد الإداري، أو القانون الآخر الذي يحظر منح غير المسلم الجنسية الكويتية حين شرع بالتواطؤ بين السلطة التنفيذية وجماعة الفرقة الناجية السياسية في مجلس ٨١، لربما أدرك المريدون أن غياب تلك التشريعات، أو فرض مثل هذا التشريع الأخير، يخرق ويقتل أبسط مبادئ حقوق الإنسان، تلك المبادئ المنسية في ديمقراطية المزاج الواحد ولا تداول للسلطة.
لو أقدر لكتبت الكثير عن مصيبة الدولة التي تحيا وتعشق فلسفة من "صادها عشى عياله"، وما أكثر الذين صادوا الملايين وعاش أولادهم وضمنوا البحبوحة لذريتهم من بعدهم وتناسوا وطنهم متغطرسين متعالين على الآخرين المحرومين… لكني لا أقدر، وليس لي غير أن أذكر، أن مصيبتنا ليست في هذه السلطة، وإنما في مستنقع ثقافة الخواء التي تتكاثر فيها فيروسات "مو ناقصنا شي".
أدوات النصب الثلاثية
يقول محمد الجذلاني، القاضي السابق في ديوان المظالم السعودي، «إن اللحية والثوب أمر ليس من الدين في شيء ولا صلة له بالتدين، لكنه بحكم العادات والتقاليد أصبح مُكملاً للتدين وقسيماً للحية والثوب، أي عدمُ لبس. العقال! ومتى اكتملت لدى الرجل هذه الأمور الثلاثة فهو أهلٌ لأن يزكيه إمامُ المسجد والداعيةُ والفقيه. وقال إنه لاحظ من خلال عمله في القضاء أن بعض المجرمين الذين يُتهمون بأبشع الفواحش والجرائم الأخلاقية والمالية يُفاجئون القاضي بعددٍ من التزكيات من بعض المشايخ، وأنه لا يعتقد أنهم استحقوها لولا مظهرهم المخادع. وقال إن من أكبر المساوئ التي يعاني منها المجتمع السعودي المتاجرة من قبل البعض بالتدين. وهي أن يكون الدينُ ومظهرُ التدين سُلّماً للتكسب وطلب المال، في الوقت ذاته الذي ينطوي فيه خبرُ صاحبه على أبشع الأخلاق وأسوأ القبائح التي لا يمكن أن تجتمع مع التدين الصحيح ولا مع الإيمان الصادق في قلب الرجل» انتهى.
نكتب ذلك بعد انتشار خبر الإفراج مؤخرا عن قاتل ابنته، التي لم تتجاوز الخامسة من العمر، بعد الحكم عليه بدفع ديتها، والاكتفاء بالفترة التي قضاها في السجن والتي لم تزد على سنة بكثير! وقد اعتمد القاضي في حكمه على حديث «لا يقاد الوالد بولده»، على الرغم من عدم الاتفاق عليه! وحيث انه هو الوالد، والخاسر من موتها، فالدية بالتالي قد تكون من حقه، وهذا ربما من سخريات تفكيرنا!
تقول حيثيات جريمة القتل التي هزت وجدان الكثيرين ان حارس المدرسة السابق، والمدن اللاحق، الذي تحول، بفضل مظهره الخارجي وطلاقة لسانه، الى داعية ديني شهير وضيف معروف ومطلوب على القنوات الفضائية، والدينية بالذات، أدين قبل أكثر من عام بقليل بجريمة تعذيب ابنته الصغيرة لشكّه، وهي التي لم تتجاوز السنوات الخمس، في سلوكها، أو عذريتها! وبين التقرير الطبي وجود آثار تعذيب غريبة عليها، تمثلت في إدخال اسلاك وعصي في جسدها، وحرق تلك الأماكن لإخفاء آثار الاعتداء. ونقل عن العاملين في المستشفى ان مؤخرة الطفلة تمزقت، وحاول من قام بذلك احراقها لكي يلتئم الجرح. وأكدت مصادر المستشفى ان الطفلة تعرضت للاغتصاب «في كل مكان». وقد توفيت، متأثرة باصابتها في اكتوبر الماضي. ومعروف أن الحكم على الآباء والازواج الذين يقتلون اطفالهم او زوجاتهم يكون بين خمس الى 12سنة سجنا على الاكثر. لا أود الاسترسال أكثر، فإنني أشعر حقا بالألم.
أحمد الصراف