كان ختام المقال السابق مذيلاً بهذا السؤال: «هل ستتم مساءلة الإعلام الساقط وأبواقه وعناصره يوماً ما في الدول العربية التي فتتها الخطاب الوقح وأضر بنسيجها الوطني بتهمة (الإضرار المتعمد بالاستقرار الوطني والنسيج والسلم الاجتماعي؟)».
إذا عدنا إلى قوانين الصحافة والنشر في كل الدول العربية، سنجد أن هناك بنوداً بعقوبات على أجهزة الإعلام والإعلاميين والكتاب الذين يتسببون في إثارة الفتن الطائفية أو التعرض للنسيج الوطني والسلم الاجتماعي بما يمثل خطراً على المجتمع، ولكنها تبقى مجرد حبر على ورق! اللهم في حالة وجود إعلاميين وصحافيين وكتاب من المغضوب عليهم من جانب الأنظمة الحاكمة، فهؤلاء من السهولة أن يطبق عليهم القانون بحذافيره… وبلا رحمة!
وبالطبع، تنجو أبواق السلطات الإعلامية من المساءلة مهما كان خطر وجرم ما اقترفته وفق منهج إعلام المخابرات العربية القائم على أرذل مراتب الخسة والنذالة، وهو أمر يسيء إلى تلك الحكومات قبل أن يسيء إلى البوق ذاته.
هناك بالطبع عقوبة قد لا تؤثر بشكل شديد في عناصر الإعلام المخابراتي العربي «الوقح»، لكنها بمثابة موقف واضح من المواطنين الشرفاء الذين يجعلون تلك الأبواق في خانة «السفلة»! ثم، ولنعد إلى كل دول ربيع المطالبة بالحقوق العربية، سنجد أن كل الإعلاميين المخابراتيين والكتاب والفنانين والمثقفين زعماً… الذين استخدموا أساليب الانحطاط في مهماتهم الإعلامية وأصبحوا من المنبوذين المكروهين. زد على ذلك، أن أول من ركلهم بكعب قدمه هم أولئك الذين استخدموهم لتنفيذ مهمتهم الرذيلة.
ليس عامة الناس في الوطن العربي فحسب هم من استشعر ذلك الدور الحقير لأجهزة إعلام متواطئة لا خطاب لها إلا القذارة! بل حتى السياسيين…
فنائب رئيس حزب الحرية والعدالة في جمهورية مصر العربية رفيق حبيب، حذر من مخاطر إعلام الوقاحة بقوله في تصريحات صحافية متعددة: «إنها تستخدم أساليب التعبئة والحشد والسيطرة مثل تلك الأساليب التي استخدمتها أجهزة المخابرات والسلطات المستبدة عبر التاريخ، والتي تعتمد على التأثير النفسي وتضليل الرأي العام أحياناً وتشويه الحقائق أحياناً أخرى، وبث الاضطراب والشائعات». (انتهى الاقتباس).
إن الإعلام الوطني الصادق والحر، يجب أن يساعد على معرفة الحقيقة من دون التعرض للإشاعات المغرضة التي تكون أضرارها كبيرة، حيث تحرّض على العنصرية والمذهبية، وهنا، فإن غالبية الدول العربية، على رغم تطورها الإعلامي الذي حصل مؤخراً، إلا أنها مازالت تستخدم أسلوباً جامداً وقد يكون خشبياً في السيطرة على مضمون وسائل الإعلام فيها، وبعضها يستخدم الرقابة المسبقة على الموضوعات الحساسة، وبعض الحكومات تستخدم الرقابة المباشرة… وفي بعض المحطات العربية، تتحدد القيم الإخبارية في ضوء الاعتبارات الإقليمية سياسياً وثقافياً. وقد استخدمت الكثير من المحطات الفضائية العربية، هذه الأساليب لتشويه ثورات الشباب العربي وتفريغها من مضمونها.
الكلام السابق، طرحته الباحثة شذى ظافر الجندي في منتدى الحوار المتمدن، وهي متخصصة في العلوم السياسية وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد والتنمية، وشددت في بحثها على أن الكثير من الحقائق تتشوه صورها أو تفقد أحقيتها وربما تتحول إلى صورة أخرى غير الصورة الحقيقية، كما هي الصور التي روجت لها بعض وسائل الإعلام عن ثورات الشباب العربي، التي ألصقتها وسائل الإعلام بهم بهدف تحويل حركات التحرر والمدافعين عن حقوق شعوبهم إلى عصابات مسلحة، وخارجين عن القانون، ومندسين، وعملاء للخارج. (انتهى الاقتباس).
لكن، هل يمكن أن تنجح أساليب إعلام ساقطة في مواجهة الشباب العربي وحراكه وإعلامه المتقدم فكرياً وتقنياً وحضارياً بديناميكية لا ينافسها (تخشب الإعلام الرديء)؟ هنا، نجد إجابة عميقة في مقال للمفكر البحريني علي محمد فخرو بعنوان: «الثورات نسور تحلق لا دجاج ينبش» (صحيفة «الوسط»- العدد 3800 – الجمعة 1 فبراير/ شباط 2013)، كتب نصاً: «إذا كان شباب العرب قد فجّروا ثورات وحراكات أبهرت أمتهم والعالم، فإنهم قد أخمدوا الكثير من وهج ما حقّقوه إبان الفترة الانتقالية، وهم مطالبون بأن يبدأوا مسيرة المراجعة والنقد الذاتي في الحال للانتقال إلى مرحلة التجاوز والعودة إلى متطلبات فترات الانتقال بعد الثورات، ولا حاجة لذكر التفاصيل، فهم يملكون الفهم والإرادة للتشخيص وللعلاج، لكننا نتوجه إليهم بهذا الطلب باسم تضحياتهم وآلامهم التي بذلها ولايزال يبذلها الملايين منهم، فكل ثورات العالم الكبرى ذرفت دمع الآلام والخوف والرجاء إبان فترات الانتقال، وثورات وحراكات ربيع العرب لن تهرب من هذا المصير، لكن الخروج من كل ذلك هو مسئولية الجميع، وسيحتاج إلى مراجعةٍ دائمة، بينما عيون الأمة لا تنظر إلا إلى الأفق الأعلى المتألق البعيد وليس من خلال غبار مسارات الهلع».
بالطبع، كلام بمستوى هذا الفكر العميق، لا يمكن أن تفهمه عناصر مخابرات الإعلام العربي الفاشل… وإن استخدمت كل وسائل تكنولوجيا التواصل، فلن تخرجها من خربتها العفنة.