في 9 يناير 1992 كتب الراحل د. فؤاد زكريا في "القبس"، تحت عنوان "الجزائر لماذا؟" الآتي: "… كلها أسئلة تقودنا إلى صميم المشكلة، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على أننا في عالمنا العربي والإسلامي، قد نكون قادرين على القيام بثورات رائعة، لكننا أقل قدرة بكثير في عملية البناء التي تعقب نجاح الثورة، فنحن نصل إلى أعلى المستويات في مواجهة الظلم والتمرد عليه، أي في مرحلة الهدم الذي لابد منه، أما في مرحلة البناء فإن الزمان يفلت من أيدينا، وتنطفئ شمعة النضال التي صاحبت عملية التصدي للمغتصب…".
لم يكن فؤاد زكريا يضرب الودع، ويقرأ الفنجان، قبل عشرين عاماً، بل كان يقرأ العقل العربي – الإسلامي في ذلك الوقت، والذي يبدو أنه لم يتغير بعد ربع قرن تقريباً، فقد قامت ثورات الربيع العربي، التي يختلف البعض على تسميتها "ثورات"، ويصفها بـ"تمردات" شعبية (أدونيس على سبيل المثال)، فتم إسقاط الأنظمة في تونس ومصر وليبيا، وتم عزل علي عبدالله صالح في اليمن، وفي سورية لم يسقط النظام ولم تسقط "الثورة" إنما بقي نهر الدماء يسيل فيها… إذاً أين المشكلة في عملية البناء بعد الثورة؟! ولماذا لا يستقر الحال في أم الدنيا وأم العرب؟ ولماذا تظاهرات ميدان التحرير والسويس، التي بدأت سلمية وانتهت بقنابل المولوتوف على مؤسسات الدولة وهناك رئيس منتخب شرعياً، ولم تمض عليه في منصبه ثمانية أشهر؟ وهل تستطيع القيادة المصرية بناء الاقتصاد المصري المحطم وإطعام ملايين الأفواه الجائعة في مثل هذه الظروف القلقة…؟!
من جهة أخرى، ماذا حدث في ليبيا؟! قتل الدكتاتور المرعب وقتلت معه وحدة الأرض الليبية. وانتشرت دويلات الميليشيات الجهادية والقبلية، وكل واحدة هي دولة قائمة بذاتها، أما الحكومة الشرعية فإنها بلا حول ولا قوة… تتفرج ولا تستطيع أن تعمل شيئاً من أجل احتكار سلطة العنف وإقامة دولة القانون…! أما اليمن "التعيس" فقد نسينا كل أخباره بعد زوال حكم علي عبدالله صالح، لكننا نعرف أن حاله أسوأ من ليبيا بكثير، دويلات قبلية وطائفية تنمو فيه من دون غذاء برميل النفط، كما هو الأمر في ليبيا… وصور أطفال يسحقهم الجوع يمكن أن تكون شعاراً مظلماً لليمن "السعيد".
أما سورية، وهي مهد وحاضنة القومية العربية، فإنها في طريقها لأن تكون مهد الحركة الجهادية المتطرفة، أو ستسلك في أفضل الظروف السكة اللبنانية بصيغة "لا غالب ولا مغلوب" أو الدرب العراقي كخيار قريب، وفي أسوأ الظروف هناك الدرب الصومالي لا قدر الله، أما تونس فلننتظر تجليات العقلانية عند حزب النهضة، فقد تبشر بالخير، فلهذه الدولة التراث البورقيبي، الذي يحد من التطرف الأصولي في النهاية.
لنعود لملاحظة الراحل فؤاد زكريا، واستغرابه العجز العربي – الإسلامي عن بناء الدولة، وتقدمها بعد الثورة أو بعد التحرر من مغتصب السلطة المحلي الدكتاتور أو الأجنبي المستعمر! كي نفهم ملاحظة الراحل القيمة لنسأل أنفسنا، أولا: هل كان العرب المسلمون في يوم ما أمة واحدة؟! ونتحفظ هنا عن "الدول" الأموية والعباسية، ثم العثمانية، وما تم عقب ذلك من مرحلة التفكك والضياع القومي وخلق الدويلات العربية الحاضرة بالرسم على الرمال من قبل الاستعمارين البريطاني والفرنسي، فلم يكن هناك مفهوم لوحدة الهوية الثقافية كأساس لخلق الدولة – الأمة، ونستثني مصر وربما تونس والمغرب… في العالم العربي.
والسؤال الآخر: هل قامت طبقة وسطى تزيح جانباً "المسألة الشرقية"، أي تراث الدولة العثمانية لتقيم دولاً حقيقية، أم لم يحدث؟! فكل ما لدينا اليوم، هو الدول الريعية التي خلقت السلطات الحاكمة فيها "طبقتها الوسطى" كي تحيا الأخيرة على راتب الحكومة من دون ضريبة، وبالتالي من دون حرية ولا ديمقراطية…!
يبقى في النهاية التساؤل المشروع: عن دور دول الخليج في "الثورة المضادة"، ومحاولة إجهاض الثورة المصرية الآن، وهل هذا الاتهام من الكاتب سعد محيو صحيحاً تماماً أم لا…؟! ارجعوا لموقع الأستاذ سعد "الآن – غداً" لعل فيه الإجابة!