سعيد محمد سعيد

مذكرات «مواطن محترم» (2)

 

لم يخفِ المواطن المحترم إعجابه بشخصية (بوجليع) التلفزيونية الشعبية المحببة للكثيرين… كان يقول دائماً: «بوجليع صديقي… على الأقل ريال ما عنده خيري ميري… يقول الصج ولا يبالي… موب مثل الربع… تعو تعو برو برو»…

ولعله كان شديد الإعجاب بتلك الشخصية كونها تقترب كثيراً من معاناته اليومية كمواطن ومعاناة مئات الآلاف من أمثاله… لكن ذلك الإعجاب لا يعدو كونه حالة من التنفيس عن الهموم! حتى أنه قال ذات مرة: «صحيح هو صديقي… وأعني بوجليع… لكن على أرض الواقع، لن نرى أمثاله يفعلون كما يفعل… بصراحة، أنا اليوم في غاية الضيق والقلق فحتى بوجليع الذي أحبه ويحبني، لم يعد من ذلك الصنف الذي يمكن أن أثق فيه».

على أية حال، لم يتسنَّ للمواطن المحترم، وابنته الكبرى، أن يجلسا أو يرتاحا منذ الثامنة صباحاً حتى الثالثة عصراً… يدور بها من وزارة العمل إلى ديوان الخدمة المدنية… من ديوان الخدمة المدنية إلى «تمكين»… من «تمكين» إلى مكاتب التوظيف في محافظته… من المكتب إلى هذه الشركة، ومن تلك الشركة إلى هذه المؤسسة… طبعاً، كانت البنت تعطف على والدها لما ألمَّ به من معاناة الجري واللهاث والركض من مكتب إلى آخر، والأب كان يحمل في قلبه مرارة وألم وهو يرى ابنته التي ستكمل الآن عامين كاملين منذ تخرجها في تخصص إدارة الأعمال دون بريق أمل في الحصول على وظيفة مناسبة… وما يزيد حسرته، أنه يرى الكثيرين ممن أخذوا مكانها بلا وجه حق!

كان صادقاً وصريحاً ومؤمناً وواثقاً من رزقه ورزق عياله النازل عليهم من عند الله سبحانه وتعالى، وكذلك يؤمن بأن أرزاق الناس أيضاً ستأتيهم… لكنه ما كان مقتنعاً أبداً بأن الوظيفة المعقولة التي يمكن أن يشغلها أبناء البلد، تذهب إلى غيرهم مهما كانت المسوغات… المبررات… الاتهامات… الافتراءات… المسببات… الدواويح الحمراء… كل ذلك بالنسبة له هراء وفعل يتنافى مع كل النظم والقوانين والحقوق والواجبات.

اليوم التالي كان أفضل من ناحية (مؤشرات التفاؤل بالخير)… اتصلت إحدى الشركات الصناعية بابنته فشعّ الفرح وظهرت علامات السرور على وجه البنت وصرخت: «يمه… يبه… اتصلوا لي من الشركة الفلانية عندي بكرة مقابلة… الحمد لله رب العالمين!»… قالت الأم: «سيفرج الله الأمور يا ابنتي وتفاءلي بالخير تجديه»… أما المواطن المحترم فكان رأسه يابساً لحظتها: «بنروح وأمرنا لله… شنسوي بعد… صرف بترول في هالازدحامات… ومداور بهالموتر التعبان… وانتظار ساعات طويلة… والبنية مسكينة تتعب… وآنه تنتفخ ريلي… وتالي روحوا بنتصل… تصدقون عاد ذي الكلمة كنت سامعها من على أيام قراقوش السابع عشر… ههههه.. ضحكي يا بنتي ضحكي… بكرة من الصبح معاج لا تحاتين».

كان الاستقبال جميلًا في تلك الشركة… ما أن وصل المواطن المحترم مع ابنته إلى الشركة حتى استقبلتهم إحدى المسئولات البحرينيات ورحبت بهما وبدأت في الترتيب لعقد المقابلة، لكنها قالت بمشاعر صادقة: «المسئول أشقر يا يبه… وخبرك… يمكن يتفلسف… يمكن يستفز في الأسئلة، فمن الضروري أن تكون البنت واعية ومستعدة لمثل هذه الحالات في المقابلات الشخصية للتوظيف»… رد عليها مبتسماً: «مشكورة يا خويتي… بس شدعوه بنتي بتقدم لوظيفة إدارية لو بتشغلونها مكنسة… شنو أشقر ويتفلسف… إلا أدوس في بطنه قولي له من الحين يحترم روحه… إي والله هاي القاصر».

هدأت الموظفة من روعه وطلبت منه أن يتمالك أعصابه وكل الأمور ستسير على خير… آن وقت دخول البنت للمقابلة الشخصية… وبالفعل، وقع المحظور… كم الراتب الذي تتوقعينه لوظيفة مساعدة اختصاصية شئون مالية؟ من أي منطقة أنت؟ ماذا تمتلكين من خبرات؟ تروحين مني مناك؟ ما هي ميولك السياسية؟ هل تحبين السياسة أصلًا؟ لو تم توظيفك ما هي الأفكار الجديدة التي ستطبقينها لتحسين العمل؟… المفاجأة الجميلة، هي إن من كان يوجه هذه الأسئلة (الكسيفة) ليس الأشقر، لا… مواطن! قفز المواطن المحترم مقتحماً غرفة اللقاء وهو يقول: «سمعت أسئلتك الحلوة والعظيمة والخبيرة يا عبقري زمانك… ما تبي تسألها بعد إذا كانت تقبل بحقيبة وزير بلا وزارة بعد أن تأتي لك بواسطة من فوق؟ أو ما رأيك في أن تبتكر لك نظاماً يجعل أبناء البلد الخريجيين العاطلين عن العمل يكتسبون الخبرة والدراية والمهارات وهم يدورون لسنين بحثاً عن عمل»… أقول يبه، قومي نرجع البيت، وبكرة يحلها ألف حلال… إي والله خبرات وميول سياسية… والله المستعان.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *