محمد الوشيحي

عبد الفتاح العلي… قشة الغريق

كان الله في عون اللواء عبدالفتاح العلي، المسؤول الأول عن المرور في الكويت، الذي استيقظ فجأة فوجد نفسه "جمال عبدالناصر الكويت"، منقذ الأمة ومخلّصها ورمز شموخها وكبريائها، فملأ الدنيا ضجيجاً وصخباً، وأتعب الأكتاف التي تحمله، وألهب الحناجر بصيحات الإعجاب، وأنهك الأذرع المرفوعة انبهاراً بحضوره وكاريزماه، ووو، وعندما جاء الاختبار الحقيقي في عام 1967 تبين أنه "نكسة" وفي أهون الأحوال "نكبة".
وكانت الكويت، وما زالت، تغرق في قيعان محيطات الفساد، وكان الناس، وما زالوا، يتذمرون و"يتحلطمون" ويبكون على حال البلد، فجاءت السلطة بضابط برتبة لواء، وسخّرت له وسائل إعلامها، وراحت تعظّم صورته، وتلمّعها، وتزركشها، فأصبح "ليونيل ميسي" الذي سيسجل هدف الفوز بعد قليل، ويمنحنا كأس العالم، وصار "مهند" في أعين البنات الرومانسيات، الذي سيأتي بعد قليل بشعره الذي تلاعبه نسمات الهواء، وعيونه الخضراء، ليحتضن معشوقته على ضوء الشموع، وصار "لميس" في أعين الشباب الحالمين… ولمّعوه ولمعوه ولمعوه حتى أصبح "صرحاً من خيالٍ".
هي، لا شك، فكرة ذكية من السلطة، بعد أن أدركت أن الناس كفرت بأدائها وبكفاءات مسؤوليها فـ"صنعت" لهم عبدالفتاح العلي، فكان هو "القشة التي ظن الغريق أنها ستنقذه"، لكن القشة سرعان ما احترقت، وما أسرع احتراق القش.
هو صدّق نفسه، وهو رجل محدود الإمكانيات كما اتضح من نهجه ومن أحاديثه، وما أكثرها، إذ توهم أنه بمفرده، ومن دون دراسات ولا خطط واضحة المعالم، ومن دون برنامج حكومي متكامل للقضاء على الزحمة الخانقة في شوارعنا، سيقضي على الزحمة المزمنة بطريقة "عصا الساحر" فسلّم نفسه للإعلام بكل سعادة وبراءة! لكنه ويا للحزن انطبقت عليه مقولة أحد الأصدقاء: "دوي انفجار بالونة عبدالفتاح العلي الوهمية سيصم الآذان"، وهذا ما حدث، مع انطلاقة العام الدراسي وعودة الناس من المصيف في الدول السياحية.
لا تقتلوا عبدالفتاح، ولا تبنوا له نصباً تذكارياً، فقط رشوا وجهه بالماء ليستيقظ من حلمه، واطلبوا له فنجان نسكافيه ورحبوا به في "الأمر الواقع"، ليعرف أن حدود إمكانياته، والإمكانيات المحيطة به، لا تتجاوز "الحد من المشفّطين"، وهذا إنجاز يليق بحكومات الكويت المتعاقبة… والأهم قبل ذلك أن يدرك الشعب الغريق أن القشة لا تنقذ من الغرق.
وفي انتظار عبدالفتاح علي آخر، تعالوا نسلي أنفسنا بالبكاء ونحن نتفرج على تطور الدول وتنافسها وتسابقها.

حسن العيسى

سمسرة جهاد النكاح

ارتدى عدد من دعاة الجنون بدلة الجنرال جوزيف "هوكر" الأميركي، ودعوا بنات المسلمين إلى الذهاب إلى سورية والمساهمة بمعارك النضال ضد النظام السوري بسلاح الجنس تحت مسمى جهاد النكاح.
مفردة "هوكر" تعني مومس بالإنكليزية، وارتبطت تلك التسمية بالمومسات اللواتي كن يتبعن جنود الجنرال "هوكر" في معسكر الزهور في الحرب الأهلية الأميركية، ورغم أن مفردة "هوكر" سبقت الجنرال فإنها أضحت منذ بداية تاريخ تلك الحرب الأهلية، كما جاء في موسوعة ويكيبيديا مرادفة لبائعات الهوى.
كان للمومسات ظروفهن الاقتصادية التي قد تكون فرضت عليهن ممارسة مهنة البغاء في تلك الأيام كحاجاتهن لمعيل بعد أن ترك أزواجهن العمل وانخرطوا في الحرب، وانتشرت في الحرب أمراض الزهري والسيلان بين الجنود، ووصلت إلى أكثر من ثلاثة وسبعين ألف حالة زهري، وحوالي مئة ألف حالة "سيلان" في مدن مثل ناشفيل وتنسي ونيواورلينز.
بعد مضي أكثر من مئة عام، ينبت لنا كالحنظل في صحارى الجفاف العربية شيخ دين أو داعية يفتي بالمساهمة في المجهود الحربي من خلال جسد الأنثى، وكأن المقاتلين الجهاديين لا يقاتلون بالأسلحة النارية التي يحتاجون إليها فقط، وإنما هم، أيضاً، بحاجة إلى ذخيرة جنسية تملأ سلاحهم الرجولي كي يكملوا مشوار النضال.
تونس دفعت هذا الثمن، وكشفت وزارة الداخلية التونسية عن عدد من الفتيات التونسيات اللواتي رجعن من أرض الجحيم في سورية وهن حوامل، وذكرت فتاة لم يتجاوز عمرها 19 ربيعاً أنه قد تناوب عليها في أحد المعسكرات مقاتلون من الصومال واليمن وباكستان والسعودية وليبيا وغيرها من دول أمة لا إله إلا الله، المنكوبة في فكرها وثقافتها. عادت الضحية إلى وطنها تحمل طفلاً في بطنها وجرثومة الإيدز في دمها ودم جنينها، كان هذا ما جاء في صحيفة "شروق" ونقلته صحيفة الراي الكويتية.
الدولة التونسية التي أطلقت شرارة الربيع العربي، والتي لم يتهاو نظامها الجديد من محاولات الثورة المضادة كما حدث في مصر، وتحارب السلفية المتزمتة التي تريد جر الدولة إلى كهوفها المغلقة تحدث وزير داخليتها بوضوح عن هذه المأساة، ونبه لهذه الكارثة الإنسانية حين أحيت فتاوى التخلف الإجرامية حكايات السبي والتسري رغم أن التونسيات المغرر بهن لسن سبايا ولا جواري، لكنهن بالتأكيد "سبايا" العقل الإجرامي المغلق لمن أصدر فتوى الجهاد الجنسي.
معظم قوانين العالم تجرم أعمال السمسرة تحت مسمى "التحريض على الفجور والدعارة"، ودولنا ليست استثناء، لكن حين تلبس مثل تلك الجريمة الجبة الدينية كذباً وزوراً فهل يعني هذا أن تشل يد القانون، وتسكت الأنظمة الداعمة للمقاتلين عنها، كما هي ساكتة اليوم عن تجاوزات كبيرة لعدد من العصابات الدينية التي ترتكب خروقات خطيرة ضد المدنيين وحقوق الإنسان في الأراضي التي يستولون عليها، هي تلك العصابات "الزرقاوية" (نسبة للزرقاوي بطل جرائم الذبح في العراق) التي أقحمت نفسها في حرب سورية، لا من أجل تحرير تلك الدولة من نظامها القمعي، وإنما من أجل دولة الخلافة كما تزعم تلك العصابات، والتي أضرت المقاومة السورية أكثر بكثير مما صنعه نظام بشار، وكانت سبباً لتردد الدول الغربية في دعم المقاومة أو ضرب نظام بشار.
لا يظهر أن جهاد النكاح أصبح ظاهرة كارثية. الظاهرة المحزنة الآن، تتمثل في تشرد نساء سورية وأطفالها، وتقديم صغيرات سورية للبيع في سوق نخاسة شرعي، تتم به عقود زواج مهينة من كهول بني نفط، حين تستغل حاجات المهاجرين للحياة الكريمة فيتم عرض بنات المخيمات في الأردن بأسواق الجواري للباحثين عن عمل الخير عبر الأجساد الغضة الطرية. والظاهرة الكارثية الأكبر منها، هو المناخ الفكري السائد الذي أنتج لنا فتاوى السمسرة المرتدية للباس الديني، ورافقها صمت الكثيرين.

احمد الصراف

الدين والعلم والأخلاق

بينت دراسة قامت بها «جامعة كاليفورنيا، سانتاباربرا» أن الأشخاص الأكثر ميلا للعلوم، او المشتغلين بها، يتمتعون، بشكل عام، بحس أخلاقي أكثر من غيرهم من غير المهتمين بالمواد العلمية المنطقية، أو أولئك الأكثر تدينا! وقالت ان العلوم تحث، وإن بطريقة غير مباشرة، على التمسك بالأخلاق أكثر مما يحث الدين، كما كان ولا يزال يعتقد الكثيرون! وبالرغم من أن هناك ما يثبت صحة هذه النظرية فان البعض الآخر لا يتفق معها، أو يختلف على أسبابها! فالإنسان، وفق الدراسة التي تخص أفراد وطريقة تفكير المجتمع الأميركي أكثر من غيره، بحاجة مثلا للتفكير بطريقة منطقية لكي يصبح مواطنا صالحا، وذا خلق، ويتجنب مخالفة القانون. ولكن شروط التفكير المنطقي لا تتوافر بالضرورة لدى الجميع! ففي الوقت الذي نجد فيه أن المتدين عادة ما يتبع نوازعه المتأثرة غالبا بتعاليمه الدينية، ويتصرف على أساسها، حتى لو تطلب الأمر اقتراف أسوأ الجرائم، نجد في الجانب الآخر أن المهتم أو المنشغل أكثر بالعلوم يميل أكثر لأن يتصرف بطريقة اقرب للمنطق، وبعيدا عن سابق موروثاته، وبالتالي نجده مدفوعا للتصرف بأمانة أعلى أو خلق أفضل! فهو مثلا على غير استعداد للسرقة ليس لأنها مخالفة للتعاليم الدينية، بل لأنها غير مقبولة اجتماعيا وتضر به وبغيره، ويعتبر تصرفه هذا نابعاً من منطق محدد، وليس لأن التعاليم تنادي بعدم السرقة! فهذه التعاليم قد لا «تمانع» مثلا قيام الفرد بسرقة الكفرة وأتباع الديانات الأخرى! وهنا نرى أن الأكثر تدينا، عندما لا يقدم على تصرف غير مقبول فإنه يضع عادة عوامل مختلفة في حسابه. فهو لا يسرق لأن السرقة منافية للدين، ولكنه لن يكون بكل ذلك الالتزام ان تعلق الأمر بسرقة مال يخص عدواً، هنا قد تصبح السرقة أمرا مشروعا بالنسبة له. كما أنه يتصرف غالبا طبقا لمؤشر الثواب والعقاب، وليس لأن المنطق أو الحكم السليم يقولان ذلك، فالذي لا يقتل لأن القتل جريمة رهيبة، يختلف عن ذلك الذي لا يقتل لأن السماء تمنع ذلك! كما أن الميل للإيمان بالغيبيات يقلل من قوة المنطق لدى الشخص المتدين، وبالتالي تجعل أحكامه اقل منطقية بعكس الشخص الآخر الأكثر ميلا للعلوم الرياضية وغيرها من علوم!
كما نجد بين المتدينين من يتمتع بأعلى درجات الخلق، التي لا يمكن أن يحيد عنها إلا إذا تطلبت العقيدة منه ذلك، ولا نجد الأمر ذلك بالحدة نفسها بين المهتمين أكثر بالعلوم، فالعقيدة غالبا ما تبرر للبشر الطيبين القيام باكثر الأفعال شناعة، خاصة إن كانت قناعتهم تلك مشيئة الرب.
الموضوع مثير، وطالما كان مصدر قلق لي منذ سني المراهقة، وبالتالي بحاجة لدراسة معمقة أكثر مما يمكن ذكره، او التطرق له ضمن عمود محدود الحجم.

أحمد الصراف