محمد الوشيحي

إلى القولون طوالي…

كما قلت سابقاً: "حكوماتنا المتعاقبة متشابهة… الفرق في السيريال نمبر الملصق على ظهر الكرتون"، هي هي، وبعض الوزراء يتسلم حقيبة وزارة، فيبدّل أرقام الحقيبة ويشفطها شفطاً جماً، ويترك الوزارة بعد رحيله منطقة سياحية للبوم النعاق.
ومحمد العبدالله أحد أبناء الأسرة الحاكمة الفاعلين، ووزير لأكثر من وزارة، ومع ذا يشتكي البيروقراطية والدورة المستندية، ويكاد يبكي لتعطيل حال البلد! يقول ما قاله وهو ابن النظام، وابن الحكومات المتعاقبة، حتى قبل أن يتولى المناصب الوزارية.
ويثبت محمد العبدالله كلامه بالأدلة "تصليح الحمامات في المستشفيات يستغرق من شهرين إلى ثلاثة"، ويكاد يفتح فمه دهشة، ونكاد نموت نحن قهراً. ويشتكي العبدالله حفظه الله ورعاه ضيق ذات اليد، ويبين لنا أن وزارته، وزارة الصحة، تعتمد على المتبرعين والمحسنين، فنتخيل وزارته تجلس عند باب الجامع بعد صلاة الجمعة، والكرتون المفتوح في حضنها، وطفلها يجري ويلعب حولها.
ما علينا… أمر واحد يشغل ذهني: إذا كان كل هذا الفشل في إدارة الدولة في ظل وجود كل هذه الفوائض المليارية المتناثرة على الطاولة، فكيف سيكون حالنا لو كنا في بلد فقير؟
وكما قال السوداني بعد أن استوى مزاجه: "أنا متأكد أن القهوة ما تنزل للبطن أبداً، دي تروح للدماغ طوالي"، وأقول معه: "أنا متأكد أن تصريحات وزرائنا وتصرفاتهم ما تدخل العقل أبداً، دي تروح للقولون طوالي".

حسن العيسى

لا توجد خارطة طريق

تشتد هذه الأيام معارك فكر وقلم شديدة لدى الكتاب الغربيين عن موقف الرئيس أوباما حول المأساة السورية، والانقلاب العسكري المصري (أو ثورة ٣٠ يونيو كما يصنفها ليبراليو الوهم). هذه المعارك الصحافية الفكرية لا تحدد مواقعها باليمين واليسار، أو بين المحافظين الجدد أو "نيوليبرال واليساريين الليبراليين كما قد يتصور، بل هي مرتبطة تحديداً بموقف الرئيس الأميركي  وسياساته الشرق أوسطية، ولهذه المعارك صورتها الأخرى متمثلة في مواقف أعضاء الكونغرس الأميركي المتباينة بين الناقد "لسلبية" الإدارة الأميركية بعدم معاقبة النظام السوري، أو الثناء على حكمة هذه الإدارة حين تجنبت تكرار المأزقين العراقي والأفغاني، فمثلاً لم يتردد كاتب مثل "نيكولاس كريستوف" الذي يعد بصفة عامة، وكما أتابعه، قريباً لليسار والمواقف الإنسانية وقضايا التحرير العربية في "نيويورك تايمز" في الانحياز إلى ضرورة ضرب النظام السوري  بحجة "التدخل الإنساني"، فعند هذا الكاتب مثلما هناك عقدة العراق وأفغانستان هناك ما يقابلهما كان فيها تدخل "نيتو" عامل حسم لإنهاء معاناة بشر في سيراليون وساحل العاج وكوسوفو والبوسنة. وبمثل فكر هذا الكاتب تتكرر نماذج عديدة متباينة عند أصحاب الرأي.
  لم يتردد نائب تحرير صفحة الرأي في "واشنغتون بوست" جاكسون ديل في نقد الرئيس الأميركي، وأنه ابتدع عقيدة اللاتدخل واللاكتراث الأميركية حين عارض إنفاق بعض رأسماله السياسي في أزمات الشرق الأوسط (تعبير ديل)، فهذا الرئيس وقف حائراً متردداً في انقلاب مصر، ولم يحسم مسألة المساعدات الأميركية للنظام المصري الجديد، الذي ضرب المتظاهرين السلميين في رابعة العدوية، وألقى المعارضة الإخوانية بالسجون بعدما اختلق لها التهم المعلبة مثل الإخلال بالأمن الاجتماعي وغيرها من جرائم تضج بها تشريعات القهر العروبية، والآن أعلن الأحكام العرفية ليعود بمصر إلى أسوأ من أيام مبارك وليلتهم "الثور الأسود" الليبرالي الذي شجع بكل غباء الانقلاب العسكري (العبارات الأخيرة من عندي وليست من جاكسون).
 إذن قلب أوباما الوضع، من عقائد التدخل والمحافظة على السطوة الأميركية في العالم من عقيدة مونرو، ثم تي دي روزفلت ثم ترومان… وتطور تلك العقائد السياسية فيما بعد إلى عقيدة ريغان لاحتواء الاتحاد السوفياتي، إلى اليوم في سياسة أوباما التي تريد أن تسير تحت الظلال الآمنة. مثل هذه السياسة لن تنتهي بالأمن المطلوب مهما كانت مبررات الإدارة الأميركية، فإذا كان هدف تلك السياسة الناعمة غلق صندوق بندورا الجهادي في سورية، فهناك من يرى العكس تماماً، فسلبية الموقف الأميركي وعدم دعم المعارضة المعتدلة فتح أبواب رفاق القاعدة لجبهة النصرة وجيش العراق والشام في سورية، ويمكن أن نقيس على ما سبق أن موقف الإدارة الأميركية المهادن للنظام العسكري  المصري سيعود لفتح أبواب العمل الجهادي الإرهابي من جديد في مصر، وسيدفع المضطهدين إلى التطرف في معارضتهم للنظام الحاكم.
  أين تذهب دولنا العربية اليوم! حروب قبلية مرعبة بقناعيها الديني والطائفي تشتعل في المنطقة من سورية إلى لبنان والعراق  وستمتد قريباً إلينا… مما يغذي، بالجهة المقابلة، بقاء الأنظمة المستبدة في المنطقة على حالها واستمرار قوتها حين تحيا ويمتد بها العمر مرتوية من أسن مستنقع القلق الوجودي والخوف من المستقبل عند شعوبها… فهل نقول لا عزاء لثكلى الربيع العربي، أم نقول إننا مازلنا في بداية مشوار طويل للنكبات والنهوض… لننتظر.

احمد الصراف

بيت هنا وبيت هناك

بيّن بحث طريف أن دول المنطقة التي تستقدم القوى العاملة من الخارج، لحاجتها الماسة لها للقيام بأداء مختلف الأعمال، من صناعية وفنية وخدمية، تفضل الفلبينيين مقارنة بغيرهم. ويبلغ عدد الفلبينيين الذين يعملون خارج وطنهم، أو يقيمون هناك بصورة دائمة، أكثر من 10 ملايين، منتشرين في أكثر من 45 دولة، بينها الهند واندونيسيا، وهما دولتان مصدرتان للعمالة أصلا! وسبب أفضلية الفلبينيين على غيرهم عائد لعوامل عدة، منها دماثة أخلاقهم ومعرفتهم باللغة الإنكليزية، مقارنة بغيرهم، وتوافر مهارات لدى نسبة كبيرة منهم بسبب ما سبق ان تلقوه من تدريب تقني في وطنهم. ويشكل وجود هذا العدد الكبير من العمالة في الخارج ثروة قومية لاقتصاد بلادهم، حيث تبلغ تحويلات الفلبينيين السنوية اكثر من 22 مليار دولار. والطريف أن اليونان، التي تعاني من أكبر ضائقة مالية ضمن الاتحاد الأوروبي، يوجد فيها رسميا 40 ألف فلبيني! كما يعيش ويعمل في الهند اكثر من ألف فلبيني، وفي إيطاليا 250 ألفاً، وفي اليابان 370 ألفاً، وقرابة المليون في أندونيسيا. وفي المكسيك وبعض دول أميركا الجنوبية يعيش ويعمل 250 ألفا، وهناك مليونا فلبيني في دول الشرق الأوسط، و175 ألفا في سنغافورة، وما يقارب ذلك في كوريا! وبالرغم من أن جميع دول العالم تشجع مواطنيها على الاتجاه للعمل في الخارج، إلا أن المصادر المعروفة للقوى العاملة غالبا ما تأتي لمنطقتنا من الهند وبنغلادش وسريلانكا واندونيسيا ونيبال، إضافة إلى الفلبين، وهذه الأخيرة مع الهند توفران شروط عمل افضل لمواطنيهما مقارنة بالدول الأخرى، وتسعيان لدى الحكومات المعنية لحفظ حقوقهما.
ويمكن القول، بشكل عام، ان من يتغرب للعمل في الخارج، وبالذات في وظائف متواضعة، فإنه يهدف لتحقيق أغراض ثلاثة، اولها خلق دخل يعيل به اسرته. توفير مساحة عيش أكبر لعائلته، عندما يتركها ليعيش في الخارج، وتقليل عدد الأفواه التي تطلب طعاما كل يوم، لانتقال مسؤولية الإيواء من أهله لصاحب العمل الجديد. وحيث ان من استخدم هذا الشخص ميسور أكثر منه، فمن الطبيعي الافتراض بأنه سيوفر له مساحة سكن أكبر وطعاما أفضل، ومعيشة أكثر إنسانية ممن كان يحصل عليه في وطنه، ولكن يحدث في أحيان كثيرة عكس ذلك تماما، وبالتالي نسمع بحالات الانتحار التي يقدم عليها عامل أو خادمة، أو إقدام بعضهم على الانتقام، بالقتل وغيره، من مخدوميهم، كما حدث لدينا وفي دول مجاورة، وغالبا نتيجة سوء المعاملة غير الإنسانية التي يتلقاها هؤلاء. وقد نشر خبر في القبس، (9/7) يتعلق بإقدام وافد آسيوي على الانتحار شنقا في الزريبة (الجاخور) التي كان يعمل بها في منطقة الجهراء، وهو لم يتجاوز الـ28 من عمره!! وبالرغم من تكرار وقوع مثل هذه الجرائم الإنسانية، إلا أن ايا من «أساتذة» جامعة الكويت، من الاجتماعيين، لم يحاول يوما دراسة سبب تكرار حالات انتحار هؤلاء، والسبب الذي يدفع إنسان لترك وطنه لضيق معيشته وقلة طعامه، ليأتي لمكان اعتقد أنه سيجد فيه مكانا يخلد فيه للنوم وطعاما يتناوله، واجرا يتقاضاه، فلم يجد غير ظروف تدفعه للتخلص من حياته هربا من عذابه! فما هذا الظلم الذي جعل من حياة عامل بسيط في دولة متخمة بالمكان والطعام والمال، لأن تكون جحيما؟
ومع كل ما يقترفه البعض من جرائم إنسانية بحق هؤلاء يوميا، إلا أن عدد دور العبادة عندنا في ازدياد، ومستوى اخلاقنا يتجه عكس ذلك!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com