عادل عبدالله المطيري

الضربة الأميركية محدودة أو إستراتيجية

مرّ ما يقارب الثلاثة أعوام على اندلاع الثورة السورية، والذي استخدم فيها النظام السوري كل أنواع (جرائم الحرب) التي تقشعر منها الأبدان، كالقتل بأبشع صوره للمدنيين والأطفال واغتصاب النساء، وقام بهدم بيوت السوريين على رؤوسهم بصواريخه وطائراته، وآخر جرائمه التي هزت العالم بأكمله، استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد سكان الغوطة المدنيين العزل، والتي راح ضحيتها ما يقارب 2000 قتيل أغلبهم من الأطفال والنساء.

في السابق ربما كانت أيدى دول العالم مغلولة حيث لا يمكنهم التدخل في صراع سوري داخلي بين النظام والثوار، أما وقد وقع النظام السوري في شر أعماله باستخدامه الأسلحة الكيماوية، فقد بات من الممكن أخلاقيا وسياسيا وقانونيا التدخل في هذا الصراع الداخلي لتجاوزه حدود القانون الدولي الإنساني والجنائي.

كل دول العالم نددت بتلك الجريمة البشعة واستنكرتها تلك الجريمة المتمثلة في استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ضد شعبه، بل ذهبت أميركيا وبريطانيا وفرنسا إلى ضرورة معاقبته لتجاوزه المحظور القانوني ولزعزعته الأمن والاستقرار الدولي وتخطيه كل الخطوط الحمراء.

وأكدت الإدارة الأميركية وبكل وضوح ومما لا يجعل مجالا للشك، أنها ستعاقب النظام السوري على فعلته، وأنها ستقوم بالتحديد بضربة عسكرية موجهة ضده، ولكن لا أحد يعلم توقيت الضربة ولا حجمها ولا تأثيراتها.

السوابق الأميركية للضربات العسكرية خاصة للإدارة الديموقراطية، تؤكد أنها دائما ما تكون محدودة جدا وليست لها تأثيرات.

فكلنا يتذكر عملية «انفاينت ريج» الذي أمر بها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ردا على تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا في أغسطس 1998، حيث اقتصرت الضربة العسكرية الرمزية على هجوم بصواريخ كروز ضد ما يشتبه بأنه معسكرات تدريب إرهابيين في أفغانستان وأحد المصانع الكيميائية في السودان.

وكذلك في 16 ديسمبر 1998 كانت هناك عملية عسكرية أخرى قامت بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسميت بـ «ثعلب الصحراء» واستمرت لمدة 4 أيام، وكانت عبارة عن الرد الأميركي على عدم تعاون العراق مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الباحثين عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، وكانت الضربة العسكرية أيضا محدودة، واقتصرت على قصف جوي استهدفت بعض المواقع في بغداد.

ما أريد التأكيد عليه هو أن تاريخ الديموقراطيين ومنذ تورطهم في الحرب الفيتنامية لا يشجع على التكهن بأنهم سيقومون بحرب أو بضربة عسكرية مبرحة على الأقل.

لذلك من المؤكد أن الضربة الأميركية ستكون محدودة، ولن تتعدى استهداف مراكز التحكم والقيادة وعددا من المطارات العسكرية ولواء القوات المسلحة السورية المتهم باستخدام الأسلحة الكيماوية ومخازن للأسلحة لاسيما الصواريخ.

من المهم ان تكون الضربة «محدودة» كما اعلن عنها، لتكون بمنزلة الرسالة للنظام السوري لعدم الرد عليها، وبأن استيعاب الضربة أقل تكلفة عليه من الرد عليها.

ولا يمنع أن تكون الضربة الأميركية «استراتيجية» ولو كانت ضربة محدودة، وأقصد بـ «استراتيجية» تلك التي تغير موازيين القوى على الأرض في سورية، وترجح كفة الجيش الحر أمام قوات النظام او تساويها على الأقل.

فالضربة الأميركية إذا ما نجحت في تدمير مخازن الأسلحة الكيماوية والمطارات العسكرية التي تقلع منها طائرات النظام السوري، ودمرت منصات إطلاق صواريخه، فإن المعركة على الأرض بين النظام والثوار ستكون عادلة.

عندها لن يتحمل النظام السوري هجمات الجيش الحر الذي يقترب منه كثيرا، وسيكون بين خياريين لا ثالث لهما، إما الذهاب إلى طاولة المفاوضات ذليلا، أو الهروب الكبير.

في النهاية، ربما يصدق قول المفكر العسكري البروسي «كلاوسفتز» عندما عرف الحرب بأنها «امتداد للديبلوماسية بطريق أخرى».