سامي النصف

ميدان رابعة ليس بوابة الجنة!

ولدت رابعة إسماعيل العدوي على بُعد كيلومترات قليلة شمال الكويت وتحديدا جنوب البصرة لأسرة فقيرة وقد سميت برابعة لأنها رابعة شقيقاتها، وقد توفي والدها وهي صغيرة، ثم خطفت وبيعت لأسرة ثرية بـ 6 دراهم، وقد اختلف المؤرخون فيما حدث بعد ذلك، فهناك من يرى انها انحرفت ثم تابت، وهناك من يرى انها بقيت شديدة الايمان حتى وصلت الى مرحلة «العشق الإلهي» وأسست مذهبا صوفيا سمي بذلك الاسم يقوم على حب وعشق الخالق لذاته.

***

في عام 1993 اقيم في مدينة نصر على ضواحي القاهرة مسجد سمي بمسجد رابعة العدوية، في عام 2012 اصبح د.محمد مرسي رئيسا لمصر لا عبر الدعوة بمشروع اسلامي او رفع شعار «الإسلام هو الحل» بل عبر مشروع تنموي سمي بمشروع «النهضة»، ولم يتم اختيار مرسي من قبل أهل الحل والعقد أو لأنه اكثر أهل مصر إيمانا وتقوى، بل وصل للحكم عبر نظام ديمقراطي ـ علماني صوت فيه لصالحه يساريون وناصريون وليبراليون وماركسيون، اضافة الى الاسلاميين نكاية بنظام مبارك ومرشحه الفريق أحمد شفيق وهو أمر معلوم بالضرورة نظرا لعلنية الدعم والمناصرة.

***

ومعروف ان نظام الحكم في الإسلام لا يقوم على حكم الأغلبية الذي هو نظام غربي بحت حيث أتى في الآيات البينات وفي أكثر من مكان خطأ اختيار الأغلبية مثل (وأكثرهم لا يعقلون).. و(أكثرهم يجهلون) و(أكثرهم للحق كارهون) و(أكثرهم لا يعلمون)، وصحة رأي الأقلية (وما آمن معه إلا قليل) و(قليل من عبادي الشكور) فكيف صح ان يسوّق القطبيون المتشددون للأبرياء والسذج من الاتباع بأن من يموت في ميدان رابعة لإرجاع رئيس الأكثرية مرسي للكرسي هو شهيد عند رب العباد علما بأن الرئيس المعزول لم يحكم بحكم الإسلام طوال عام من قيادته لأرض الكنانة، بل ظلت البارات وصالات القمار مفتوحة ليلا ونهارا؟!

***

آخر محطة: من شعر رابعة العدوية المسماة أم الخير وشهيدة الحب الإلهي:

عرفت الهوى منذ عرفت هواك

وأغلقت قلبي عمن سواك

أحبك حبين حب الهوى

وحب لأنك أهل لذاك

فأما الذي هو حب الهوى

فشغلي بذكرك عمن سواك

واما الذي انت أهل له

فكشفك للحجب حتى أراك

احمد الصراف

جيل طيب الأعراق

“>

ربما لم يكرر شعب، كالعرب، ما قاله الشاعر المصري حافظ إبراهيم في بيت شعره، أو ما يشابه ذلك في اللغات الأخرى:
«الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبا طيب الأعراق»!
ولم نكتف بترداد البيت في كل مدرسة ومناسبة، بل سعينا لأن نجعل من المرأة كيانا مسحوقا وشخصية قليلة المعرفة بحرمانها من تنسم الحرية ومن تلقي المعرفة، وبالتالي افقدناها الكرامة عنوة، والنتيجة ما نشاهده اليوم من تخلف ودمار وحرق وقتل وتنكيل على أيدي من ربتهم، أولئك النسوة العاجزات! فالمرأة لم تكن يوما، لدى الغالبية الساحقة من شعوبنا، العربية والإسلامية غير عورة، حتى أن الكثير من الشعوب الإسلامية تطلق عليها «أورت»، المشتقة من العورة! كما أن ما نواجهه يوميا من مظاهر التخلف في كل مجال، وما نراه من حروب أهلية، وما نكتوي به من حرائق طائفية وجرائم إرهابية في العشرات من دولنا ما هو، وإن بطريقة غير مباشرة، إلا نتيجة لسوء إعدادنا للمرأة الأم، وعدم اهتمامنا بحاجاتها الإنسانية وحقوقها البشرية، وغلق الأبواب عليها، ومطالبتها بعد كل ذلك بأن تعد شعبا طيب الأعراق! فلو بحثنا في خلفيات أسر كل هذه الجيوش الصغيرة من الإرهابيين، وآلاف الشباب المستعدين لتفجير أنفسهم في مساجد غيرهم، والموت في سبيل أوهامهم، لما وجدنا غير أسر بأم غائبة أو مغيبة، لا تفقه من الدنيا شيئا بعد أن حرمها الزوج أو الأب أو الأخ من أبسط حقوقها، انسجاما مع خائب مفاهيمهم! وبالتالي ما نراه اليوم هو حصاد التربية الغائبة، والقدوة البائسة ونظم التعليم المتخلفة. فمجتمع يرفض حتى خروج المرأة من البيت، لغير بيت زوجها أو القبر، مجتمع لا يمكن أن يخرج غير الإرهاب والخراب. فأبو قتادة وأبو سلام وأبو حمزة وقادة جبهة النصرة ومن على شاكلتهم هم نتاج التربية الفاشلة، بغياب الأم أو بحضورها، تلك المحرومة من أبسط حقوقها، والعاجزة بالتالي عن أن تعطي لغيرها ما تفتقده.
تسرد الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان في سيرتها الذاتية «رحلة جبلية رحلة صعبة»، ما عانته، وهي في مقتبل العمر، من ظلم الأب وعجز الأم وقسوة الأخ، وكيف فرضت عليها الإقامة الجبرية، وهي في سن المراهقة، وكيف منعت من الخروج من البيت، وحرمت من المدرسة، أو لقاء أحد واقتصر عملها، وهي بنت العائلة المعروفة، المملوءة أملا وشغفا بالحياة، على خدمة إخوتها الذكور والعمل شبه خادمة في البيت، مجبرة على تناسي أحلامها كإنسانة، وأن هذا الحظر وتلك العزلة حطماها ودفعاها مرات للتفكير في التخلص من حياتها، بعد ان اصبحت تخجل من نفسها وتسير مطأطأة الرأس من الذل، فقد كانت تعامل من ابيها وكأنها غير موجودة، فهو لا يخاطبها بل يطلب من امها أن تطلب من «البنت» أن تفعل كذا وكذا! ولولا أن انتبه لها أخوها الشاعر إبراهيم طوقان ورعاها في مرحلة شبه متأخرة، لما سمع العالم بها، وكل ذلك لأنها تجرأت يوما، وهي مراهقة صغيرة ان تحادث صبيا في مثل عمرها، فكان الشك والحرمان والحبس! حدث هذا في نابلس الفلسطينية في ثلاثينات واربعينات القرن الماضي، فكيف كان حال غيرها من مدننا وقرانا العربية الغارقة في الظلام منذ قرون وقرون؟

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com