محمد الوشيحي

وعاظ السلاطين… كيف تكتشفهم؟ (٢)

استكمالاً للمقالة السابقة التي قلت فيها إنني سأضع علامة أو علامات على ظهور وعاظ السلاطين ليسهل كشفهم، ها هي بعض العلامات…
– لو قتل الحاكم جزءاً من شعبه، أو قام بسجن مجاميع من رجال شعبه، وامتهن كرامات نسائهم، ويتّم أطفالهم، وفي الوقت نفسه جاءت مغنية إلى البلد الذي هم فيه، فإن وعاظ السلاطين سيتحدثون لياليَ طوالاً عن المغنية والفساد الذي ستجلبه، وسيتباكون على الفضيلة والأخلاق التي ستُهدم بسبب هذه المغنية، في حين لن ينبسوا ببنت شفة، ولا ابن شفة، عن الأسر التي ظلمها الحاكم وجلاوزته، وكأن هذا الأمر لا علاقة له بالفضيلة ولا الأخلاق! وإذا تحدثوا عن هؤلاء المظلومين فباعتبارهم خارجين عن الدين (خوارج)، مزعزعي أمن، يتصفون بصفات الغرب واليهود، وجبت عقوبتهم ووجب تعزيرهم.
– وعاظ السلاطين، في مجملهم، يحملون من العنصرية ما يُخجل جويهل وأمثاله. وبنظرة سريعة على المناصب الدينية وأسماء شاغليها في بعض البلدان يكتشف المراقب ذلك بسهولة.
– وعاظ السلاطين لهم تلاميذ ومريدون، جلهم من حسني النوايا، وبعضهم من الطامعين في المناصب، وعادة ما يكون هؤلاء التلاميذ والمريدون سليطي الألسنة، شتامين ببذاءة، أول ما يبدأون به إخراجك عن الملة، ثم يتدرجون إلى الأسفل، ويتكرمون عليك بأوصاف كالديوث والعاهر والطامع في السلطة… ولا تنسَ أن غضبتك كانت بسبب سرقة كبرى قام بها أحد كبار المسؤولين، فاعترضت أنت، فحصلتَ مباشرة على لقب ديوث! وإن سألتني عن الرابط بين هذه وتلك، قلت لك: ليشغلوك بنفسك أولاً، ثم ليحشدوا خلفهم قليلي التعليم الذين تغرهم المظاهر الخارجية وتنطلي عليهم مثل هذه الافتراءات.
– وعاظ السلاطين لا يتحدثون عن أفضلية اختيار الحاكم، كي يقل الفساد، وتصان الدماء، كما في الدول الديمقراطية، بل يميلون إلى "تأليه" الحاكم الفرد المتغلب، الذي يمتلك الدولة بما فيها ومن فيها، ويغفلون الآية "وأمرهم شورى بينهم".
– يتحاشى وعاظ السلاطين عادة الإجابة عن أحد أهم الأسئلة: "من هو ولي الأمر؟… هل هو الحاكم وحده؟ أم الحاكم وولي عهده فقط؟ أم الحاكم وولي عهده وذريتاهما؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة؟ أم كل من ينتمي إلى الأسرة الحاكمة بشرط أن يحمل حقيبة وزارية أو يشغل منصباً؟ طيب وماذا عن بقية الوزراء من خارج الأسرة الحاكمة؟ وماذا عن ذريات هؤلاء الوزراء؟ وماذا عن أبناء الأسرة الحاكمة الذين يشغلون مناصب ليست عليا، كوكيل وزارة أو مدير عام أو رئيس قسم أو أو أو…؟ لذلك يتركون كلمة "ولاة الأمر" حائرة معلقة في الهواء، فيشعر المتلقي البسيط بدوخة ويسقط مغشياً عليه، دون أن يعلم أن "ولي الأمر" المقصود عند هؤلاء الوعاظ هو كل من في يده سلطة ومال، والدليل أنهم لا يستنكرون سرقات كبار اللصوص من خارج أبناء الأسرة الحاكمة.
وللحديث بقية… 
حسن العيسى

محاكم الغاصبين

نعرف من التاريخ أن المحاكمات الشعبية، ومثلها الثورية أي محاكم الثورة، أو محاكم المنتصرين أو المحاكمات العسكرية تشكل في مجملها أشد خروقات للشرعية القانونية ومبادئ حقوق الإنسان، وأن حكم القانون فيها يصبح مطاطاً يتمدد حسب رغبات المنتصر، فيها يغيب العقل "كومن سنس" وتنتصر غرائز الانتقام أو قد تصبح المحاكم امتداداً شكلياً للسلطة الحاكمة، وفيها تضرب السلطة المنتصرة المغتصِبة للشرعية عرض الحائط بمعايير الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء.
 وقوالب المحاكمات الشعبية أو العسكرية لا تختلف في مضمونها عن واقع الممارسات القضائية في دول الطغيان، فالحديث مثلاً عن "استقلالية القضاء" في سورية يصبح نكتة وكلمة هزل لا معنى لها، وفي غير سورية وفي معظم دول "دساتير من ورق" (عنوان كتاب لنيثان براون) العربية يعد الكلام عن القضاء واستقلال القضاء من الطرائف ورياءً سياسياً تحاول أن تغطي به الأنظمة المستبدة عوراتها.
 مصر هي أعرق دولنا العربية في مفهوم استقلال القضاء وتكريس المبادئ القانونية العميقة والتي يرجع الفضل فيها إلى عصر القضاء المختلط في ثلاثينيات القرن الماضي، حين أغنت الثقافة القانونية الفرنسية والإيطالية للقضاة الطليان والفرنسيين أسس ومبادئ القضاء المصري وأسست عصراً تقدمياً لمبادئ الشرعية وحكم القانون مثلما أنتجها عصر التنوير، واستمر القضاء المصري في تقدمه الفكري حتى ثورة يوليو ٥٢، حين شرع عسكر الثورة في الانتقاص من "القضاء البرجوازي" حسب مفاهيم الثورة، ثم حدثت "مجزرة القضاء" عام ٦٩ وفيها طرد أفضل القضاة والمستشارين من سلك القضاء لأنهم لم يكونوا على هوى النظام.
 أمامي الآن موقع جريدة "الشروق" المصرية، وفي مانشيت كبير يأتي خبر "إحالة مرسي و١٤ آخرين إلى محكمة الجنايات بتهمة قتل متظاهري الاتحادية"، فالنيابة تتهم الرئيس الشرعي الذي أطيح به في انقلاب يونيو الماضي وتتهم معه عدداً من قيادات "الإخوان" بالشروع في قتل متظاهري أحداث قصر الاتحادية التي تمت قبل سنة! ما حقيقة هذه الاتهامات؟ وما الغرض منها؟ وأين كانت مدة عام كامل، وهل كانت مخبأة في الأدراج في انتظار الفرصة المناسبة لتصفية حسابات قضائية وسياسية بين الرئيس المخلوع والسلطة العسكرية الحاكمة وامتداداتها لأعمق مفاصل الدولة المصرية؟! لننتظر حكم القضاء في تلك التهم، والتي ستجرى في محاكمة سياسية واضحة، وكم يتمنى الإنسان ألا ينتهي الحال في مصر "بمجازر للشرعية"، يكفينا ذكرى مجزرة ٦٩ ومجزرة الانقلاب في حد ذاته.
احمد الصراف

ريادة القبس في الجديد

“>
اللغة، كأي كائن، تُولَد وتتطور وتكبر وتشيخ، وأحيانا تموت، وهذا ما أصاب الكثير من اللغات التي اندثرت كالآرامية والنبطية وغيرها. ولو نظرنا للمخطوطات العربية القديمة، وما تبقى من رسائل النبي لملوك فارس والروم، لصعبت علينا قراءتها! والأمر يسري على النصوص القرآنية السابقة للتنقيط، ويمكن القول إن اللغة العربية القديمة لا تشبه لغة اليوم، كما أن اللغة السائدة بين بدو صحراء الجزيرة والعراق تختلف عن العربية السائدة في المدن. ولو راجعنا علم اللغات Philology، لوجدنا أن الروايات تتعدد في ما يتعلق بنشأة العربية، أو أية لغة أخرى، ولكن ليس من الصعب اكتشاف أوجه التشابه بينها وبين لغات سامية أخرى. ويعتبر السويسري فرديناند دي سوسور Ferdinand de Saussure المرجع الأقدم في مجال اللغات، وواضع قواعدها. وبالرغم مما يدّعيه بعضهم من صمود اللغة العربية في وجه التغيير، فإن من المعروف أن كتابة الأحرف العربية وطريقة نطقها قد خضعت لتعديلات عدة على مر العصور، وخضعت في مرحلة ما لعملية تنقيط «ثورية». وقد أدى دخول المزيد من غير العرب في الإسلام ومحاولتهم تعلم العربية وقراءتها لخلق المزيد من غموض اللغة لعدم وجود حركات علة فيها، وكمثال كلمة «كتب» فهي تعني كَتَبَ وكُت.بَ وكُتُب، وكان لأبي الأسود الدؤلي دوره هنا. وجاء بعده من أضاف علامة للتنوين. وزاد أهل المدينة علامة التشديد، فجعلوها قوسين، ووضعوا نقطة الفتحة داخل القوس، وغير ذلك من إضافات. وزاد أهل البصرة السكون، فجعلوه شرطة أفقية فوق الحرف منفصلة عنه. ثم قام الفراهيدي في العهد العباسي بتغيير رسم الحركات، ليتمكن القارئ من التمييز بين تنقيط الحركات وتنقيط الإعجام. كما نشأت بعض علامات اللغة العربية بسبب اختلاف قراءة القرآن بين نطق لهجة أهل مكة، حيث وجد القرآن، والعربية التقليدية، وتلك العلامات تتضمن التاء المربوطة والألف المقصورة أو الياء المهمَلة (ى) وغيرها. كما يفرق بعض الفقهاء بين الهمزة والألف، وهم يعتبرون عدد الحروف 29 حرفاً وليس 28! من كل ذلك نجد أن تطور العربية لم يتوقف يوما. ومع دخولنا العولمة واستخدامنا مئات الكلمات غير العربية، التي أصبحت جزءا من ثقافتنا ولغتنا اليومية، وبما أن الكثير من هذه الكلمات التي نستخدمها بكثافة، خاصة أسماء المدن والأشخاص تتضمن حروفاً لا توجد في لغتنا، فإن هذا يدفع الكثيرين لنطق تلك الكلمات بطريقة غير دقيقة، ومضحكة أحيانا. كما أن عدم وجود حرف صحيح يمكن به كتابة اسم مدينة كـ Agra الهندية مثلا، فإننا نجد بعضهم يكتبها «أجرا» وآخرون «أكرا» وغيرهم «أغرا»، وهكذا، وجميعها لا تعطي اللفظ الصحيح، وبالتالي يتطلب الأمر إدخال بضعة حروف على المطبعة العربية، لكي يمكن كتابة مثل هذه الكلمات بطريقة سليمة، وهذا سيزيد من ثقافتنا ومن فهم الآخرين لما نريد قوله! وهنا نطالب القبس، بما عُرف عنها من ريادة، أخذ زمام المبادرة، والبدء باستخدام بعض الحروف الجديدة خاصة مثل: الـ«پ» والـ«گ» والـ«» والـ«چ». علما بأن بعض صحف لبنان وشمال أفريقيا تستخدمها في مقالاتها. كما أن مطابع القبس مزوَّدة بها، فقد استخدمتها في كتاب القبس الأخير «80 يوماً حول العالم»! للإشارة لبعض الأسماء والمدن.

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com