محمد عبدالقادر الجاسم

مجرد توقع لا أكثر!

ماهي توقعاتك بشأن حكم المحكمة الدستورية؟
أتلقى هذا السؤال بشكل يومي تقريبا، وكنت أجيب إجابة تقليدية استقر رأيي عليها منذ زمن بعيد، وهي: “ليس لدي توقع محدد”!

فبحكم عملي في المحاماة، تعلمت أنه من الخطأ أن يعلن المحامي توقعاته بشأن الأحكام، ذلك أن تقديرات القضاة تخضع لاعتبارات قد لا يدركها أحد، فالقانون ليس “سيد الموقف” دائما، والقضاة لديهم “سلطة تقديرية” تتحكم كثيرا في أحكامهم. أما بشأن المحكمة الدستورية، فمن المعروف أن المحاكم الدستورية لا تحكم وفق اعتبارات دستورية أو قانونية بحتة، بل أن للاعتبارات العملية (السياسية والاجتماعية والاقتصادية) نصيب مهم من التأثير جنبا إلى جنب مع النصوص الدستورية والقانونية.

وفي الحالات التي يعرض فيها على المحاكم الدستورية قضايا شائكة من حيث البعد السياسي، تبحث المحاكم عن “مخارج آمنة” شريطة أن تكون منطقية ومقبولة من الرأي العام وغير مخالفة للدستور، لأنها قد لا تقوى على تحمل تبعات الإحراج السياسي ولا نتائجه. وهنا تشكل فكرة “الاعتبارات العملية” هذا المخرج الآمن!

ومن خلال دراستي المكثفة لمنهج المحكمة الدستورية الكويتية في التعامل مع القضايا الدستورية “المحرجة”، أستطيع أن أجزم أنها تحاول الآن البحث عن “المخرج الآمن” الذي تراه هي “متوازنا” في الطعون الانتخابية المعروضة عليها والتي من ضمنها طعون بعدم دستورية كل من مرسوم “الصوت الواحد” ومرسوم اللجنة العليا للانتخابات.

وكنت قبل أيام معدودة، قد سمعت بعض الآراء حول احتمالات “حكم الدستورية”. رأيت أن تلك الاحتمالات لا تشكل “صورة منطقية” إذا تُركت منفصلة عن بعضها البعض، فقمت “بتجميعها”، وفي النهاية تشكلت أمامي ملامح محتملة جدا لحكم المحكمة. فقمت على الفور بنشر تلك الملامح في “تويتر” بشكل موجز جدا، ثم بدأت أمعن التفكير فيها، ثم ناقشتها مع عدد من الأشخاص، ثم رأيت أنها تنسجم مع منهج المحكمة الدستورية الكويتية في التعامل مع القضايا الدستورية ذات البعد السياسي، وهو الأمر الذي دفعني إلى “المغامرة” ومخالفة إجابتي التقليدية بشأن توقعي لأحكام المحاكم، وقررت نشر توقعي هنا بشكل مفصّل. ولابد من التأكيد على أنه مجرد (توقع) غير مبني على معلومات إطلاقا.. إنه توقع لا أكثر، قد يخيب وقد يصيب.

وقبل نشر تفاصيل التوقع، أرى أنه يجب توضيح أبرز الاحتمالات المتداولة، وهي:
ــــ الحكم برفض جميع الطعون، وهو ما يعني “تحصين” المراسيم واستمرار مجلس “بوصوت”.
ــــ الحكم بعدم دستورية مرسوم “الصوت الواحد” ومرسوم إنشاء اللجنة العليا للانتخابات، وهو ما يعني بطلان الانتخابات وسقوط مجلس “بوصوت” وعودة العمل بالقانون السابق (5×4).
ــــ رفض الطعون بعدم دستورية مرسوم “الصوت الواحد” ومرسوم إنشاء لجنة الانتخابات، مع إبطال الانتخابات بسبب (خطأ إجرائي)، وهو ما يعني استمرار العمل بمرسوم “الصوت الواحد” مع فتح الباب أمام صدور مرسوم جديد “بصوتين” مثلا.

والآن أنشر توقعي وهو، باختصار شديد:
(1) تحكم المحكمة بعدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة العليا للانتخابات لانتفاء شرط الضرورة ومخالفة المرسوم لنص المادة (71) من الدستور. وهنا تكون المحكمة قد حسمت الجدل السياسي/ القانوني الدائر حول صلاحيات رئيس الدولة في إصدار مراسيم الضرورة، ويأتي هذا الحسم لصالح أنصار النظام الدستوري. ومدخل المحكمة في بحث مدى دستورية مرسوم اللجنة قبل مرسوم “الصوت الواحد” هو أنه قانون “إجرائي” له أولوية النظر على القانون “الموضوعي”!

(2) بعد أن تحكم المحكمة بعدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة العليا للانتخابات، “تغض البصر” عن مدى دستورية مرسوم “الصوت الواحد” من خلال القول بأنه “وحيث إن المحكمة خلصت إلى عدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة العليا للانتخابات، فإن الانتخابات التي جرت في الأول من ديسمبر من عام 2012 بإشراف تلك اللجنة تكون باطلة، ومن ثم لا ترى المحكمة أي مصلحة في التصدي للأسباب الأخرى الواردة في الطعون المقدمة بما في ذلك مرسوم الصوت الواحد…إلخ”. ورغم تحفظي على هذا المسلك، وقناعتي بوجوب تصدي المحكمة لمرسوم “الصوت الواحد” والحكم بعدم دستوريته، إلا أن المحكمة هنا قد تسعى إلى تحاشى إحراج رئيس الدولة سياسيا من خلال الحكم بعدم دستورية مرسوم “الصوت الواحد”، فتشيح بوجهها عن هذا المرسوم، مكتفية بما قررته بشأن عدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة العليا للانتخابات. وهنا أيضا تقرر المحكمة، كما فعلت في حكمها الصادر ببطلان انتخابات “مجلس الأغلبية”، سريان القوانين التي أقرها مجلس “بوصوت” بما في ذلك مرسوم “الصوت الواحد” الذي أقره المجلس.

(3) وبعد أن تقرر المحكمة بطلان الانتخابات، تشير إلى نص المادة (107) من الدستور التي تنص: “… وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل. فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فورا كأن الحل لم يكن. ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد”. هنا تكون المحكمة قد تخلصت من “مجلس بوصوت” الذي يفتقد الشرعية السياسية الشعبية.

(4) وبعد إشارة المحكمة للمادة (107) من الدستور، تقرر: “… وحيث أن المحكمة قررت بطلان الانتخابات، فإنه وفقا للمادة (107) من الدستور، يسترد المجلس المنحل سلطاته ويعود لممارسة أعماله إلى أن يتم انتخاب مجلس جديد. وهنا تعيد المحكمة مجلس 2009 إلى الحياة مجددا.

(5) عند هذا الحد، تنتهي مهمة المحكمة الدستورية، فيقوم رئيس مجلس 2009 بالدعوة لاجتماع لمجلس الأمة، وفي هذا الاجتماع يتم تقديم اقتراح بقانون بإلغاء مرسوم “الصوت الواحد”، واقتراح بتعديله بحيث يكون التصويت بصوتين، وربما تتعدد الاقتراحات، لينتهي الأمر بموافقة مجلس الأمة على اقتراح بقانون “الصوتين” نظرا لتوفر “أغلبية حكومية” مريحة.

(6) يصدق الأمير على القانون ويصدره، ثم يصدر مرسوم بحل مجلس 2009 والدعوة إلى انتخابات جديدة تجري وفق (قانون) الصوتين، وليس (مرسوم) الصوت الواحد.
هذا هو توقعي!

من الناحية السياسية، لاحظت أن العديد من “نواب الأغلبية”، أعلنوا رفضهم القاطع لخوض أي انتخابات تجري وفق (مرسوم ضرورة) أيا كان عدد الأصوات، لكنهم رفضوا إعلان مقاطعتهم انتخابات تجري بالمخالفة لقانون (5×4)، وهو موقف أثار انتباهي، فربما هم يؤمنون قبلي بالتوقع السابق، لذلك لم يرغبوا بالالتزام بمقاطعة انتخابات تجري وفق (قانون الصوتين).. أقول (قانون) وليس (مرسوم)!
وقد يكون للحديث بقية في الجانب السياسي وفي كيفية التصدي لمجلس 2009 في حال تم بعثه إلى الحياة مجددا!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *