سامي النصف

في التنظير السياسي.. الأهم من المشاركة أو المقاطعة!

كنا ومازلنا في الكويت نلوم الحكم الفردي الذي ساد دولنا العربية منذ الخمسينيات كحال مصر والعراق وسورية وليبيا.. الخ، لتردي الاوضاع فيها، ونقول لو انتهجت القيادات الثورية ضمن تلك الدول المسار الديموقراطي وشاورت وسألت لما حدث ما حدث لها ولدولها من دمار وخراب ودماء.

الغريب اننا لو اتينا للعمل السياسي في البلد وسألنا التوجهات السياسية التي شاركت في الانتخابات الماضية عن كيفية اتخاذ تلك القرارات المصيرية، لوجدنا ان القرار قد اتخذ على مستوى فردي لا جمعي، والامر يمتد للتوجهات التي قاطعت بالامس وعادت اليوم لتشارك، وكيف تم اتخاذ القرارين لديها؟ وهل كان عبر عمل مؤسسي منظم ام بقرارات فردية؟ لوجدنا الجواب نفسه الذي يؤكد على فردية القرار في العمل السياسي الكويتي.

هذا الامر يمتد بشكل اكبر لبعض القيادات السياسية التي اضرت بأنفسها وألقتها وتوجهاتها في التهلكة السياسية عبر سلسلة طويلة من القرارات شديدة الخطأ من خروج للشوارع والرهان على «ربيع كويتي» رغم اختلاف المعطيات والظروف ومطالبات خارجة على الدستور رغم شعارات الحفاظ عليه، ورفض قرارات المحكمة الدستورية، ورفض المشاركة في انتخابات الصوت الواحد للفوز بها واسقاطه، وقرارات اقتحام مجلس الامة والتعدي على من حصنهم الدستور من التعدي، وعدم الوعي لحقيقة ان المقاطعة هذه المرة قد تعني ابتعاد تلك التوجهات عن العمل السياسي لسنوات طويلة قادمة سينساها الناس خلالها.

مما سبق، نرى طغيان «الفردية»، اذا لم نقل الديكتاتورية، على العمل السياسي الكويتي واتخاذ القرارات عادة التي تفيد الزعامات الملهمة بأكثر ما تفيد التوجه السياسي المعني، فإن قررت القيادة الملهمة ـ او المستلهمة ـ المقاطعة وجب المقاطعة دون نقاش، والا اعتبر من كان له رأي آخر خائنا يستحق النقد والتقريع والتشكيك في دوافعه، ثم تقبل سيل من الاتهامات تنتهي عادة بطرده والتبرؤ منه كونه فقط تجرأ وناقش قرارات القيادات الملهمة المعصومة التي تستلهم المواقف من الوحي «البشري» الذي تتنزل عليه عطاياه.. اناء الليل واطراف النهار!

ان الاهم من المشاركة او المقاطعة هو تعلم الدروس مما حدث والذي كاد ان يوصلنا للفوضى العارمة وتخوم الاحتراب الاهلي الذي تقطع فيه الرؤوس وتؤكل عبره الاكباد، وذلك عبر «دمقرطة» العمل السياسي الكويتي المعارض والموالي عن طريق خلق «لجان سياسات» في القوى المختلفة منفصلة عن القيادات حتى تقدم المصلحة العامة للتيار السياسي على المصالح الخاصة والشخصية للقيادات الملهمة حتى لو ادى الامر لاعتزالها او.. عزلها، ودون ذلك سنبقى في حلقة مفرغة من الفوضى والتخبط والتكسب وبقاء الدماء الفاسدة بدلا من تجديدها بدماء شابة نظيفة تدفع للقيادة بدلا من دفعها للشوارع والسجون.

آخر محطة:

اهم الاسباب التي تمنع خلق «لجان سياسات» و«مستودعات عقول» ضمن التيارات السياسية في الكويت ولبنان واغلب الديموقراطيات الناشئة بالمنطقة هو ان القيادات الملهمة تقرر مواقفها التي تفرض على أتباعها، اتباعها بديكتاتورية شديدة، لا بناء على الالهام الفكري ومصلحة الوطن والتيار السياسي بل على مقدار.. القبض النقدي الداخلي والخارجي للقيادة السياسية المزمنة!

احمد الصراف

السياسة والانتخابات وأنا

أعتقد، ويشاركني في ذلك بعضهم، أن السياسة بشكل عام مفسدة للنفس، وإن كان هذا القول، كغيره من الأقوال، لا ينطبق على قلة قليلة، ولا أدعي أنني منها، هذا لو كنت سياسيا! كما أن ما يخضع له السياسي من ضغوط يومية تقريبا للاختيار بين أقل الحلول سوءا، يكون عادة امرا مرهقا للنفس، وبالتالي فإن السياسة تنفع أصحاب القامات الأكثر ميلا مع الريح، مقارنة بغيرهم الأكثر عنادا وصلابة وتمسكا بآرائهم، حتى إن كانت غير صحيحة! وتصبح الممارسة السياسية أكثر صعوبة واقل شفافية مع تخلف الدولة وتخلف نظامها السياسي، أو عندما تكون الدولة «ريعية» تعتمد على مورد دخل واحد، والتي تمسك فيها الحكومة بكل أطراف ذلك المورد، فهي المانحة وهي المانعة، هنا تصبح العملية السياسية، بشقها الرقابي بالذات من خلال العمل البرلماني، عملية مربكة ومرهقة. فلو رأى النائب أو المشرع أن ظلما وقع على فرد أو شريحة من المجتمع، وسبب الظلم يعود لتصرف أو قرار حكومي، ورأى أن عليه السعي لرفع ذلك الظلم، أو إزالة أسبابه، فإنه عادة ما يلجأ للأدوات الدستورية، وهذه قد تأخذ دهرا، إن نتجت عنها فائدة في نهاية الأمر، وقد يكون الوقت قد تأخر كثيرا، وأصبح الحل غير ذي جدوى. وبالتالي تختار الغالبية اللجوء الى الطريق الأسهل، اي السعي لدى الجهة نفسها التي عليه واجب رقابة أعمالها وتصرفاتها، اي الحكومة المانحة والمانعة، والطلب منها، بمذلة غالبا، إزالة الظلم، وهذا ما لا تقبله عادة النفس السوية! فكيف يمكن لمثل هذا النائب بعدها محاسبة ومراقبة الجهة التي استجابت «لرجائه» وأوقفت تعسفها أو قرارها الجائر بحق فرد أو جماعة؟
مناسبة هذا الحديث هو الطلبات التي أصبحت تردني من أحبة وأصدقاء للعودة إلى الوطن خلال شهر رمضان القادم، على افتراض أن مرسوم الدعوة للانتخابات سيصدر قريبا، معلنا إجراءها خلال الشهر المقبل، والانخراط في العمل السياسي، عن طريق الترشح للانتخابات المقبلة، وحجتهم أن أولئك الذين سبق وأن حققوا نتائج جيدة في الانتخابات السابقة، ليسوا بأفضل مني، وأنه آن أوان وضع «خبراتي» المصرفية والتجارية والحياتية في خدمة الأمة، وأنني سوف أكون صوتا مقبولا من الجميع، وأنهم سيقفون معي!
ولكن، على الرغم مما قد ينتاب بعضهم من زهو لسماع مثل هذا الكلام، إلا أنه، لا شك، زهو فارغ، فالسياسة، كما ذكرنا، تحتاج الى نوعية من الأشخاص ممن يتصفون بصفات خاصة وكبيرة، ولا أجد أنها تتوافر في شخصي المتواضع. كما لا أملك ما يملكه السياسي المحترف من إمكانات، وبالتالي أكتب هذا المقال لأقطع الطريق على نفسي، إن حدثتني يوما بأن أتراجع، واخضع لمغريات السلطة والجاه، لأنني أشعر بان «روما» التي أعيش فيها تحت الشجرة، بكل ما فيها من بساطة عيش، أفضل بكثير من بهورة «روما» من على كرسي النفوذ والسلطة، أيا كان لونه!
• ملاحظة: ذكرني تصريح الشيخ المهري بأنه سيعطي صوته للأصلح، سواء كان سنيا، شيعيا، أو ليبراليا، بتغريدة لزياد الرحباني قال فيها، تعليقا على أحداث سوريا وتأثيرها في لبنان: السنة لهم أميركا، والشيعة لهم روسيا، والكفرة لهم.. الله.

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

تطرف الشباب… من يغذيه؟

 

بتشاؤم، وربما هم على حق إلى حد كبير، يرى الكثير من الباحثين العرب بأن ظاهرة التطرف بين أوساط الشباب، لاسيما في الوطن العربي، ستأخذ منحى تصاعدياً خطيراً في المستقبل، وليس السبب في ذلك يعود إلى انتشار الخطاب الديني المتطرف شديد الخطورة ذي الشكل الدموي في غالبه، بل يعود أيضاً إلى إصرار الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي على انتهاج سياسات قمعية، حتى في دول الثورات، بالإضافة إلى التأثير الخطير، المدعوم من بعض تلك الحكومات، للإعلام المشجّع لخطاب التحريض والطائفية والكراهية.

الباحث في العلوم السياسية والمتخصّص في قضايا الإرهاب بجامعة محمد الخامس يونس زكور، يرى أن التطرف يرتبط بمعتقدات وأفكار بعيدة عمّا هو معتاد ومتعارف عليه سياسياً واجتماعياً ودينياً، دون أن ترتبط تلك المعتقدات والأفكار بسلوكيات مادية عنيفة في مواجهة المجتمع أو الدولة؛ أما إذا ارتبط التطرف بالعنف المادي أو التهديد بالعنف، فإنه يتحول إلى إرهاب. فالتطرف دائماً في دائرة الفكر، أما عندما يتحوّل الفكر المتطرف إلى أنماط عنيفة من السلوك من اعتداءات على الحريات أو الممتلكات أو الأرواح أو تشكيل التنظيمات المسلحة التي تستخدم في مواجهة المجتمع والدولة فهو عندئذ يتحوّل إلى إرهاب. وطبقاً لذلك، يعتقد أن التطرف لا يعاقب عليه القانون ولا يعتبره جريمة، بينما الإرهاب جريمةٌ يعاقب عليها القانون، فالتطرف هو حركة اتجاه القاعدة الاجتماعية والقانونية ومن ثم يصعب تجريمه، فتطرف الفكر لا يعاقب عليه القانون باعتبار هذا الأخير لا يعاقب على النوايا والأفكار، في حين أن السلوك الإرهابي المجرم هو حركة عكس القاعدة القانونية ومن ثم يتم تجريمه.

على مستوى الوطن العربي، فإن الحكومات، إن لم تبادر بمسئولية وحرص وإدراك وحزم، لتحسين الواقع الشبابي، سواءً على مستوى التربية والتعليم والعمل والشباب والرياضة، فإننا سنكون، حسب ظني المتواضع، أمام عقدين من الزمان قادمين، نواجه فيهما جيلاً متطرفاً بشدة، في الكثير من الأفكار والسلوكيات.. وحينها، لن تنفع الحلول الاجتماعية ولا الحلول الإستراتيجية ولا الأمنية ولا يحزنون. بل لن تتمكن، لا الدولة ولا حتى قادة الرأي، من رموز دينية كانت أم سياسية أم شبابية، من تطويق حركة تشبه التمرد على واقع الشباب.

ومن المهم الاستدراك هنا للإشارة إلى أنني لا أقصد أن يتطرف الشباب لمجرد القول أنهم محرومون من حقوقهم، وبذلك، نستسيغ التصرفات الطائشة التي تبدأ بترك مقاعد الدراسة في مختلف مراحلها، ثم التسبب بمشاكل لأنفسهم ولذويهم ثم لمجتمعهم. صحيحٌ أن الكثير من الشباب في مجتمعنا يعانون من مشكلات تحول دون تحقيق طموحاتهم، وبعضهم يحمل الهموم الوطنية، السياسية، الاجتماعية، الديمقراطية، لكن هذا لا يعني أن كلهم بلا استثناء يملكون الإدراك والقدرة للتعاطي مع قضايا المجتمع.

واستناداً إلى دراسة خليجية، فإن غياب الوعي الديني لدى الشباب يمثل المرتبة الأول في أسباب ظاهرة التطرف بنسبة 72.7 بالمئة، مقابل 4.8 بالمئة من العينة عارضت ذلك، ووافقت 42.5 في المئة من إجمالي عينة الدراسة موافقة تامة على أن بعض وسائل الإعلام شجعت أفكار وأطروحات التطرف والمتطرفين، بالإضافة إلى 36.7 في المئة وافقت على ذلك و لكن في خانة (إلى حدٍ ما). وحول الاعتداءات الظالمة على بعض الشعوب الإسلامية من خلال بعض وسائل الإعلام، بلغت نسبة المؤكدين على أن تلك الاعتداءات تعد سبباً من أسباب بروز ظاهرة التطرف وبلغت نسبتهم 59.9 في المئة.

حتى المعالجات التي يطرحها المهتمون، تصطدم بواقع أشد سطوة! فدعاة الوسطية في العالم العربي والإسلامي، لا يمتلكون ذات القوة والنفوذ الذي يمتلكه دعاة التطرف! ولعل مؤسس ورئيس المركز العالمي للوسطية في الكويت عادل عبدالله الفلاح، واحد من أبرز الشخصيات التي وضعت خطوطاً عريضةً لمواجهة التطرف والغلو والإرهاب، لكنه كان ولا يزال يشدد على ضرورة أن يساهم العلماء في حماية وتحصين المسلمين من مخاطر الانزلاق إلى مجاهل تلك الأفكار، وتوضيح مبادئ الإسلام لغير المسلمين. وهو يرى أن فكر الوسطية في المفهوم العصري يستند إلى أربعة ركائز أساسية، وهي: الحوار، وقبول الرأي الآخر، واحترام الرأي الآخر في حال عدم قبوله، والتعايش السلمي مع الآخرين، ففي ذلك حماية لوحدة المجتمعات. لكن مع الأسف، من اليسير جداً معرفة دور من يسمون أنفسهم علماء ومشايخ وهم أحرص على… تدمير المجتمعات.