محمد الوشيحي

من أبناء الصباحية إلى الأميركان

الصباحية من المدن التي حماها الله وأنجاها من كل الحملات، ولن تجد كتاباً يذكر أن الصباحية سقطت تحت احتلال أو حصار غزاة، أياً كان هؤلاء الغزاة، بدءاً من تيمور لنك الذي أحرق بغداد والبصرة وحلب (أحرق حلب مرتين) وطرابلس ودمشق وغيرها من المدن، وليس انتهاء بالإنكليز الذين استوطنوا الأحمدي والعاصمة الكويت ووارة وغيرها من المدن الهشة.
الصباحية عصية أبية، وهذا ليس بمحض المصادفة، بل لبطولات أبنائها وتضحياتهم، وكنا نجتمع أيام الصبا المبكر نتدارس أحوال العالم خلف فرع الجمعية بالقرب من "مسجد المحنّا"، نتقاسم السيجارة التي لا يستغني عنها الثوار، كالزميل المعلم الكبير غيفارا، ملهمنا ومسهرنا… واكتشفنا أن أميركا تكرهنا، واختلفنا، هل تكره "قبيلة العجمان" أكثر من بقية الطوائف والدول والشعوب، أم تكره "مطير"، أم هي تكره "العوازم"، أم تكره "آل مرة"…؟ الأكيد أنها لا تكره الحضر، ليش؟ لأن الحضر يسافرون إلى أميركا، على ذمة أحد الأصدقاء الذي أقسم لنا على صدق معلومته، والأكيد أيضاً أن كرهها محصور في إحدى القبائل المذكورة، لا شك، وتعد العدة للقضاء عليها… وبالطبع لم يُطرح اسم قبيلة "الظفير"، وبعض القبائل الأخرى، لعدم وجود "ممثل" لها في الاجتماع خلف مسجد المحنّا، لذلك عاشت قبائلهم في مأمن من هجوم الأميركان وخبث رونالد ريغان وحرب النجوم.
كبرنا وتذكرنا أحاديثنا فضحكنا، واليوم اكتشفنا أننا كنا على حق، وأن الأميركان، أبناء الشيطان، كانوا يحاربوننا فعلاً ويريدون قتلنا لكن باستخدام السم لا الصواريخ ولا القنابل! اكتشفنا أن الأميركان يضمرون العداء لنا كلنا، بقبائلنا وعوائلنا، البدو والحضر، الذي يسافر منا إلى أميركا في الصيف، والذي يقضي إجازته في وادي العجمان… والدليل على حرب الأميركان ضدنا أنهم عطلوا التنمية في البلد، وأعاقوا بناء المرافق العامة، ومنعونا من تطوير "الطاقات البديلة" والاستفادة منها، حتى وصلنا إلى أن تستنزف الكهرباء خُمس إنتاجنا النفطي، وعرقلوا مشروع "الحكومة الإلكترونية"، ونشروا الفساد في كل شوارع الكويت وحواريها، ولولا حكمة حكومتنا وحنكتها لانتشر الفساد حتى في الأزقة (لهذا السبب تخلو الكويت من الأزقة ولله الحمد)، وعطل الأميركان تطوير "مؤسسة الكويتية"، وحالوا دون تحسين خدمات "مقبرة صبحان" و"مقبرة الجهراء"، وحرموا أقسام الشرطة من أجهزة الكمبيوتر، بل ورفضوا تحديث أثاث مكاتب ضباط الشرطة، فبدت كما هي عليه الآن، ووقفوا بشدة في وجه حكومتنا التي تطارد تجار اللحوم الفاسدة، ووو، وتهلهلت الدولة، وفقد الناس الثقة بها وبأقربائها… وسيستمرون في حربهم التي تهدف إلى إنهاك الصباحية وإضعافها إلى أن تسقط.
وأقول للأميركان: ارجعوا إلى كتب التاريخ، فإن وجدتم كتاباً واحداً أو حتى صفحة واحدة تذكر أن الصباحية سقطت تحت أقدام الغزاة، لكم منا، نحن أبناء الصباحية وحماة أسوارها، أن نسلمكم مفاتيحها بلا حصار ولا منجنيق.

سامي النصف

الطائرات وأرباح الهمبورغر

عقدت قبل أيام في «كيب تاون» بجنوب أفريقيا ندوة إعلامية أدارها مذيع محطة CNN الأشهر شارلز كريست طرح خلالها دور رؤساء ومديري شركات الطيران في حال وقوع الكوارث، وكانت لنا مداخلة ذكرنا له فيها أن البحث عن الأرباح الصعبة في عالم الطيران جعل ذلك القطاع يدار في كثير من الاحيان من قيادات لا تملك ادنى فكرة عن مبادئ الطيران أو علوم السلامة فيه، لذا فهي غير مؤهلة للحديث مع وسائل الإعلام عند وقوع الطوارئ، بل ان البعض من هؤلاء المديرين وصل لقناعة بأن الحل الأمثل لمشاكل شركات الطيران هو.. بطرد كل الطيارين وبيع كل الطيارات!

* * *

وما دمنا في ربحية شركات الطيران فقد اظهرت الاحصائيات ان شركات الطيران نقلت العام الماضي 12 مليار راكب، وكان مجموع ارباحها 2.5 مليار دولار اغلبيتها المطلقة من السوق الاميركي، وبعملية حسابية بسيطة نكتشف ان معدل الربحية للراكب في قطاع الطيران هي 4 دولارات لكل مسافر تم نقله في العام الواحد، اي ما يقل عن قيمة شطيرة همبورغر، وكان تعقيبي على تلك المعلومة بأن على «الاياتا» ان تضغط كي تصدر الأمم المتحدة قرارا تحت البند السابع يفرض على الدول دعم ـ لا محاربة ـ شركات طيرانها بعد ان يتم تصنيفها بأنها من.. المخلوقات الضعيفة المتجهة للانقراض!

* * *

وبلغت خسائر الطيران الأوروبي للعام الماضي 1.5 مليار دولار، وتعرضت 50% من المطارات الاوروبية الرئيسية لخسائر مالية فادحة، وفي المنطقة العربية والخليجية تعرضت اغلب شركات طيرانها لخسائر بمليارات الدولارات بسبب ارتفاع اسعار الوقود الذي يقارب 42% من كلفة التشغيل إضافة الى الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة العربية وإيران والتي اضيفت اليها مؤخرا تركيا، بالطبع بعض الدول التي اختارت ان تصبح مراكز مالية عالمية في المنطقة لا تمانع تلك الخسائر، وإن كانت لا ترغب بها، كونها تربح في النهاية المليارات مما يصرفه المستثمرون والسائحون في بلدانها.

* * *

في الخلاصة، كان من الأفضل في الكويت ان يكون قطاع الطيران «آخر» من يتم خصخصته لا «الأول» لصعوبته، وفي هذا السياق تمتلك جميع الدول الخليجية والعربية ودون استثناء شركات طيران وطنية «بالكامل» رغم خصخصتها عشرات ومئات القطاعات الأخرى، وذلك بهدف خدمة الأهداف الاستراتيجية للدول كحال التحول لمشروع المركز المالي، ان المهم ان تدار جميع القطاعات بالدولة بكفاءة وأمانة والحرص على الحفاظ على المال العام وتغطية المصاريف والتحول للربحية كي لا تصبح القطاعات مكلفة على الدولة ان بقيت ضمن ملكيتها اختيارا او اضطرارا او لتسهيل عملية بيعها عندما ترغب الدولة في ذلك، فلا توجد تجربة واحدة تظهر ان المستثمرين يشترون الشركات المثقلة بالخسائر والعمالة الفائضة والأساطيل القديمة.

* * *

آخر محطة: (1) بقيت «الكويتية» معروضة للبيع منذ عام 2008 دون ان يتقدم احد لشراء الحصة فيها رغم ان خسائرها وعمر طائراتها آنذاك كان اقل كثيرا من الحال التي تسلمناها فيها قبل اشهر قليلة ماضية.

(2) لا يوجد بديل على الإطلاق عن عملية تحديث أساطيل «الكويتية» المستحقة منذ سنوات طويلة ماضية، والمسؤولية جسيمة على من يحارب هذا التحديث، فحالنا كحال جميع شركات الطيران في المنطقة وخارجها التي تجدد اساطيلها كل سنوات قليلة دون اعتراض وبقصد الربحية.

(3) القسم الدستوري ينص على الحفاظ على الأموال العامة، لذا لا تصح معه الدعوة لشراء الطائرات الأعلى ثمنا في الشراء والتأجير والتشغيل والأقدم عمرا، والتي تعاني من اشكالات فنية لا تعاني منها منافستها!

حسن العيسى

لم يكن بحاجة إلى بهرجة الإعلام

لم يكن هناك ما يبهج، ولا ما يبشر بالخير مشاهدة برنامج "تو الليل" لقناة الوطن، وهو يعرض صور متهمين محشورين في أقفاص "النظارة" بجرائم مرورية، لم تصدر بحق أي منهم أحكام قضائية بالإدانة، ولم يكن هناك، كذلك، أي مبرر لمشاهدة صور التوسل والتذلل والتزلف المحزنة لعدد من المتهمين، ينتظرون دورهم للمثول أمام المدير العام للمرور اللواء عبدالفتاح العلي، كي يرحمهم من الغرامة أو الإبعاد، ثم نلاحق بقية الحكاية بمشاهد تلفزيونية تبعث على التقزز، حين يقف البشر بطوابير ممتدة، ينتظرون القرار النهائي من اللواء في مخالفاتهم، ويصبح اللواء عبدالفتاح هو سلطة الاتهام والقاضي في الوقت ذاته! فطالما ارتكب أي من هؤلاء مخالفة ما يتعين أن يسلك القانون مجراه، وفق الإجراءات التي يحددها القانون، ولا يصح أن تتدخل "شخصية" المسؤول أياً كان موقعه في أعمال العقوبة أو الإعفاء منها، ففي دولة المؤسسات لا توجد أسماء أفراد متضخمة بأكثر من المناصب التي يشغلونها، ولا يصح أن تكترث الدولة لـ"صفات" ومواصفات "هذا أو ذاك المسؤول، فهناك أطر وقواعد إجرائية يتعين على المسؤول الذي يشغل المنصب أن يتبعها، كما يفترض أن تلك القواعد ملزمة للسلطة في اختيارها للمسؤول وتحديد مهامه وسلطاته التقديرية، التي بدورها يجب أن تكون محددة سلفاً ومعروفة للكافة، حسب الإجراء القانوني المفروض، وبغير ذلك فلا توجد دولة قانون ولا دولة مؤسسات، وإنما تجمعات عشائرية طفيلية ومحسوبيات تحل مكان اليقين والاطمئنان القانونيين.
يكثر الحديث اليوم عن شخصية عبدالفتاح العلي ودوره لإصلاح ما يمكن إصلاحه من كارثة المرور في هذه الدولة التائهة بين حكم القانون وفوضى مزاج وأهواء السلطة، ويبدو، حتى الآن أن مدير المرور يحمل في داخله روحاً جادة لرتق الكثير من الثقوب التي تملأ الثوب المروري، فالمرور ووزارة الداخلية كلها يكونان المرآة الصادقة لوضع الدولة على سلم حكم القانون، وضمان حريات الأفراد وحقوقهم، وتعهد اللواء عبدالفتاح باستئصال "ورم الواسطة" من الجسد المروري يفرض الاحترام لشخصه متى وفى بوعده، وحتى الآن تبدو أن بصمة اللواء في تعديل الكثير من الاعوجاج بإدارة المرور ظاهرة، وهو على ذلك ليس بحاجة إلى أي نوع من البهرجة الإعلامية، ولا إظهار مدى جديته في إعمال القانون، فالناس ستشهد له أو "عليه" يوماً ما، وما يهم الآن أن يخلق في الدولة واقعاً اسمه "مؤسسة" القانون، التي هي كفكرة تفرض اختيار أشخاصها المناسبين، وتبعد عن دائرتها المتزلفين والوصوليين، الذين تعج بهم معظم هيئات الدولة، فالمطلوب ألا يرتبط أي تقدم أو إنجاز باسم فرد، أو موظف عام قام بواجبه، وإنما بالمؤسسة المعنية، فالأفراد يبقون لفترة في مناصبهم ثم يزولون، والمهم أن يظل وجود المؤسسة القانونية العادلة باقياً، دون النظر إلى أشخاص من يشغلها، وستذكر الناس في نهاية المطاف، حتماً، دور ذلك المسؤول الذي شرف عمله، ورفع من شأن هذه أو تلك المؤسسة، وتركها لتستمر من بعده وفق حكم القانون والعدل دون ظلم للناس أو تهاون بأمنهم، في آن واحد.

احمد الصراف

الدكتوراه المثقوبة

توجد أكبر نسبة من حملة الشهادات الجامعية وشهادات الدكتوراه، الصحيحة والمزورة، في الدول الخليجية، النفطية، مقارنة بغيرها من الدول العربية، وسبب ذلك يعود للمزايا التي تمنحها هذه الدول الثرية بالمال لحاملي هذه المؤهلات العلمية، ولوجود المادة لدى افراد هذه المجتمعات للصرف على ما يتطلبه الحصول عليها، أو ما يتكلفه شراؤها، من منازلهم! وقد تمكن عدد كبير من حملة هذه الشهادات الجامعية والدكتوراه، وما بينهما، من كسب الاعتراف المبكر بشهاداتهم «اللاجامعية» الصادرة من جهات غير معترف بها، أو من «لا جهات»، في وقت لم تكن فيه الوزارة تدقق كثيرا في صحة مثل هذه الشهادات لقلة حملتها، أو بسبب «غض النظر» أو «النأي بالنفس»! ولا انسى منظر ذلك النائب الذي دار بشهادته الوهمية على كل مسؤولي الدولة، وأخذ الصور التذكارية معهم بمناسبة نجاحه في دفع مبلغ 1500 دولار ثمنا لشهادته! وهذا طبعا شجّع غيره للقيام بالمثل.
والغريب في دولة العجائب ان يقوم أصحاب الشهادات الوهمية، أو غير المعترف بها، بالدعوة للاجتماع والاحتجاج والتظاهر وتكوين من يمثلهم والظهور في وسائل الإعلام دون حياء أو خجل، لمطالبة الحكومة بالاعتراف بما قاموا به من احتيال وتوظيفهم، أو ترقيتهم إن كانوا موظفين بناء على شهادات أقل درجة، فكيف يحدث ذلك ولا احد يحرك اصبعا في وجه هؤلاء؟ ولو قام مجموعة من الأفاقين واللصوص بالتظاهر مطالبين الحكومة بإلغاء «سوابقهم»، فهل سيتم السكوت عنهم مثلا؟
الغريب في الأمر، كما سبق ان اشار الزميل عبدالله النجار، في مقال له في «الوطن»، ان الكثير من حملة شهادات الدكتوراه الوهمية، العاملين في الحكومة بشهاداتهم الجامعية، يوقعون مراسلات الجهات التي يقومون بالإشراف عليها أو إدارتها، بصفتهم من حملة شهادة «دكتور»! ومعروف أن هذا مخالف للحقيقة. كما يقوم آخرون بطبع رسائل خاصة بهم وبطاقات زيارة تحمل اسمهم وصفتهم الوهمية، كدكتور، وهذا لا يعد خداعا للآخر بل نوعا من النصب الفاضح الواضح. كما يقوم عدد من العاملين في المجال الديني، وخاصة لجان جمع الأموال، باستخدام لقب الدال، الذي قد يكون وهميا، في استدراج التبرعات على أساس انهم من كبار «العلماء»!
وحيث ان ليس من السهولة إصدار قانون من المجلس يمنع الأفراد من استخدام أي ألقاب مهنية أو علمية عالية بصورة غير قانونية، فإن كل وزير بإمكانه إصدار تعميم يمنع موظفي وزارته من استخدام اي ألقاب من هذا النوع دون حصولهم على شهادة معترف بها تثبت ذلك، ويصبح الأمر مدعاة للاحراج لو كان الموظف يعمل في جهة رقابية أو قانونية أو استشارية، أو بالذات في لجنة تحقيق أو تحكيم! وهذا حدث في أكثر من حالة، فلدينا مهندسون كان ولا يزال لهم دور سياسي وتحكيمي بارز، ومعروف عنهم أن شهاداتهم مضروبة أو صادرة من جامعات فاشلة وغير معترف بها، قاموا بعد وصولهم لمراكز القرار بالسعي للحصول على الاعتراف بها من وزارة التربية. وقصة الكلية البحرية(!!) معروفة ومستوى خريجيها معروف! ومع هذا اعترفت بها الوزارة «كرمال عيون بوعدله»!
الموضوع ذو شجون ومؤلم، وهو ما يجعل من موضوع انحدار الأخلاق مسألة غاية في الأهمية، ولكن متى كان انتحال الصفات أو حمل الشهادات الوهمية من الكبائر في دولة «العادات والتقاليد»؟

***
ملاحظة: ورد في الصفحة الأولى من جريدة إماراتية أن استقصاء رأي جرى في إسرائيل أظهر أن %20 من الإسرائيليين يتمنون الموت للعرب! والهدف هنا اظهار اليهود كشريرين ودمويين، وسنقبل ذلك! ولكن لو أجري الاستقصاء نفسه بيننا، فالنتيجة ستكون كارثية، فسيصوت %50 بتمني الفناء لليهود، و%50 بتمني الفناء لبعضنا البعض، والأحداث التي نعيشها خير شاهد!

أحمد الصراف