محمد الوشيحي

المزدوج الأكبر… رسَت فدقّ لها

عزاؤنا لعشاقه المصريين ومريديه الكويتيين ومحبيه العرب قبل أن نعزي أسرته الصغيرة، وما أكثر عشاقه ومريديه ومحبيه، وما أكثر من احتضنهم ورعاهم وسقى نبتهم وأعطاهم من شمسه إلى أن ضربت جذورهم في باطن الأرض، وأزهروا وطرحوا ثمارهم… وأشهر من تبناهم كان "الفاجومي" الشاعر أحمد فؤاد نجم وصديقه المغني الشيخ إمام، ولن أكشف سراً إن قلت إنه هو من تكفل بهما مادياً، وغطى ظهريهما ليتفرغا للإبداع، وكان نافذتهما إلى المجتمع، بعد أن كانا محارَبين وممنوعَين من الظهور في وسائل الإعلام، إذ حوّل شقته في مصر إلى نادٍ أدبي يجتمع فيه مثقفو مصر والكويت على قصائد وألحان الفاجومي وإمام.
ارتحل صاحب أشهر عمود ساخر في الكويت في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وأكثر الكتّاب تأثيراً آنذاك، على أنه بخلاف من أطغتهم الشهرة فانتفخوا غروراً، كان وهو في عز شهرته يتبنى المبدعين الشبان ويرعاهم ويقدمهم إلى الفضاء، ومنهم الزميل حسين العتيبي مستشار رئيس تحرير هذه الجريدة، ومطلق مساعد العجمي، وعبد الله المحيلان، وآخرون كثر.
ما كان يخشى من أن يحظوا بنصيب من الشهرة والأضواء فينافسوه، ولا كان يخشى أن يجحده جاحد، ولا يمتلك مثل غيره دفاتر للربح والخسارة… كان يمشي في الحياة بمبدأ "مطرح ما ترسي دقّ لها" كما يقول المصريون.
قلبه منقسم بين الكويت ومصر. هو أكبر المزدوجين، عشقاً وولاءً، وأجملهم. هو الصعلوك الأبهى. هو عاشق مصر بأحواشها وأزقتها وحواريها وصالوناتها الأدبية وألحانها وفولكلورها. هو كاسر العادات والتقاليد التي لا تسمن. هو كاره الوحدة، إذ يستحيل أن تراه بمفرده، فإن زرته وجدته محاطاً بمريديه الشبان والشيبان، وإن زارك جاء وبصحبته ما لا يقل عن ثلاثة في أضعف الأحوال، ليبادرك بحماسته الطفولية: "هذا السمين الوسيم هو عم "عب فتاح" الفكهاني، وآخ لو تسمع صوته يا وشيحي، أحلى من فواكهه، وهذا عم هريدي حارس النادي، صاحب أجمل نفَس في الطبخ، وهذا د. يوسف أستاذ جامعي في النقد الأدبي"…
عاشق الحياة، الزميل الساخر سليمان الفهد، الذي كانت هذه الجريدة آخر محطات قلمه… ودع الحياة، ودع معشوقته، بعد أن رست سفينته فدقّ لها، وطوى شراعها، ولوح لنا بيده، وتوقفت دندناته وقفشاته، فأطرقنا حزناً وصمتاً وحباً وذكرى.

سامي النصف

حقاً كيف نمنع كارثة داو ثانية؟!

تصاحبت عملية خسارة شركة البتروكيماويات النفطية الحكومية مع خسارة لا تقل فداحة عنها لشركات مساهمة خاصة مرتبطة كذلك بالقطاع النفطي ويملكها بشكل مباشر عشرات آلاف المواطنين ممن تبخرت أمام أعينهم مدخرات عمرهم بين يوم وليلة وبعد أن هبطت أسعار تلك الشركات من دنانير كثيرة إلى فلوس قليلة لا تكفي لشراء.. علبة علكة تبعد الروائح الكريهة!

***

السبب الرئيسي لكارثة الداو والكوارث الأخرى التي صاحبتها آنذاك مثل مشاريع حقول الشمال والمصفاة الرابعة وتحديث أساطيل الكويتية.. الخ، والتي تجاوزت خسائرها مجتمعة وفرص أرباحها الفائتة ما يقارب المائة مليار دولار، هو تدخل غير المختصين في قضايا شديدة الاختصاص مثل البترول والطيران.. الخ، مستخدمين الشعارات الزائفة المعتادة مثل «محاربة الفساد» و«سرقة القرن» والتي اعتدنا على ان أكثر من يصدح بها هو.. الغارق فيها حتى النخاع!

***

وما دمنا في موضوع مكافحة الفساد والأجهزة المعنية به فنسأل: هل يجوز أن يستغل البعض موقعه لإعطاء موظفات يحضرهن معه للمسؤولين علاوات ومكافآت لا يستحققنها ومحاولا رفع العقاب عنهن، وإذا ما رفض المسؤولون المصلحون المحافظون على المال العام تلك الممارسات بدأوا بالتهديد والوعيد واستغلال المناصب العامة لإنجاز المصالح الخاصة حتى لو على حساب المال العام؟

***

آخر محطة: (1) هل يجوز ونحن بصدد مكافحة الفساد أن يتقدم أحد بعطاءات وهمية وكاذبة بقصد الحصول عن طريق الخداع والتحايل على مئات ملايين الدنانير؟!

(2) كيف لمن يحاول خداع الناس بمظاهر التدين من حديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم «أنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد».

(3) للعلم السجون مليئة بالصغار ممن تحايلوا للحصول على دنانير قليلة فكيف يمكن السكوت عن هؤلاء الكبار؟!..لست أدري.

احمد الصراف

غابة الكويت

الغابة مكان مناسب للكثيرين، فلا طرق ولا إشارات مرور ولا قوانين ولا شرطة ولا تفتيش، ولا انضباط ولا دوام، والبقاء فيها للأقوى! والكويت تحولت إلى ما يشبه الغابة، بفضل سيطرة قوى الصحوة الدينية المزيفة خلال الثلاثين سنة الماضية على مقدراتها، برضا السلطة أو بصمتها! فقد اكتشفنا فجأة أن هناك عشرات آلاف من مخالفي الإقامة، وسهل جدا القبض عليهم! كما فوجئنا بوجود المئات الذين يقودون مركباتهم من دون إجازة قيادة، وتم القبض عليهم بسهولة! واكتشفنا أن هناك مجرمين فارين من وجه العدالة وأصحاب سوابق بيننا، وهؤلاء أيضا القي القبض عليهم! كما اكتشفنا فجأة أن الجريمة منتشرة في البلد وأن الآلاف تم إنهاء إقاماتهم وترحيلهم إلى بلدانهم! واكتشفنا أن الآلاف يعملون في ورش مشاريع حكومية حيوية، من دون ان يكونوا على كفالة من يعملون لديهم، وتم شحنهم لمراكز الإيواء والإبعاد! يحدث ذلك وكأنها أمور مستجدة، ولم تصبح عرفا مفروغا منه! إننا لا نعترض على إجراءات الحكومة، بل نؤيدها، فوجود «خراب الصحوة» منذ سنوات لا يبرر السكوت عنه، ولكن هذا الخراب وجد بسبب فساد الجهاز الحكومي، وهو الذي يتطلب العلاج وليس الشارع! وبالتالي أتوقع ان تنتهي كل هذه الحملة إلى…. لا شيء! ففي نهاية الأمر سينجح صاحب الواسطة ودافع الرشوة في تعديل وضعه وإخراج عماله من السجن ووقف ترحيلهم والحصول على ما يريد من إقامات وغير ذلك، وعلى العاجز التوجه لجهة يتناول فيها «تبنا» ويسكت. لقد توقعنا هذه الموجة العاتية من الانفلات الأمني بسبب سياسات الأمن والتجنيس الفاشلة التي عجزت على مدى أكثر من 60 عاماً عن خلق استقرار «بشري»، فلا تزال مشكلة «البدون»، ومنذ عام 1965، تتفاقم وتكبر وتتضخم من دون ان تجد أي لجنة حلا لها، وكنا خلال الفترة نفسها ننجح دائما تقريبا في إيجاد الحلول لأعقد مشاكل الدول الشقيقة والصديقة، ولكننا نسينا انفسنا! ومنذ سنوات وبعض رجال الأمن يرتكبون الجرائم ولهم يد ورجل في تهريب كل مطلوب عبر الحدود، والاعتداء على الموقوفين في المخافر، والتستر على مخالفي الإقامات ومشاركتهم في أنشطة مشبوهة، والصحف تزخر يوميا بمخالفاتهم الجسيمة وجرائمهم، ولم يفكر وزير داخلية واحد في غير توقيع العقوبة على رجل الأمن المتورط، ربما إن لم تكن لديه واسطة، من دون التقدم خطوة والبحث عن جذور هذا التسيب داخل الجهاز الأمني الذي لا شك يزخر بالكثير من الشرفاء والمخلصين! لقد كنت ضحية غير مباشرة لأكثر من عملية سرقة وسلب تحت تهديد السلاح، ضمن محيط بيتي، خلال الفترة الماضية، والمعلومات متوافرة لدي، وهاتف مخفر المنطقة لا يرد، والذهاب له بهدلة لا ترضاها النفس الأبية! إننا حقا بحاجة ماسة لفلسفة أمن جديدة وفكر جديد، فلا يعقل بقاء كل هؤلاء الشباب من عديمي الجنسية معلقين من دون عمل في دولة بكل هذا الثراء النقدي، ولا يزال بعضهم ينتظر منذ نصف قرن تعديل وضعه. إن الحملة الأمنية الأخيرة كانت أمرا مستحقا منذ ثلاثين عاما، والخوف أن تكون بالونا مؤقتا سرعان ما سينتهي برشوة أو واسطة.

أحمد الصراف