سامي النصف

تكالبت علينا الرايات الخضراء!

ذكرنا في مقال سابق أسميناه «الخلاف الحقيقي هو بين الأحمر والأخضر» ان الخلاف الحقيقي في الكويت ليس بين الأزرق والبرتقالي بل بين أصحاب الرايات الحمراء ممن يرون ان المال العام وبقاء الكويت خطوط حمراء لا يقبل تجاوزها أو النقاش حولها، وبين حاملي الرايات الخضراء ممن يرون ان الكويت بلد زائل لا محالة وان النهج الصحيح هو ان تعبأ منه الجيوب وتملأ بالمال الحرام قبل الحلال، فكل «محتركة حلال» ومن صادها عشى عياله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

***

وذكرنا في حينه ان الفريق الأحمر يضم قوى من الموالاة ومن المعارضة، ومن المؤمنين بالصوت الواحد وبالأربعة أصوات، ومن الإسلاميين ومن الليبراليين، سنة وشيعة، حضرا وقبائل، يقابلهم حاملو الرايات الخضراء ممن يضم معسكرهم كذلك موالاة ومعارضة، أزرق وبرتقالي، اسلاميين وليبراليين، سنة وشيعة، حضرا وقبائل.. إلخ.

***

وما شجع أهل الرايات الخضراء على التمادي في تجاوزاتهم ومحاربة عمليات الإصلاح والمصلحين الا سكوت الشرفاء والمخلصين عنهم ومجاملتهم لهم في المجالس والدواوين، ولو حثوا التراب في وجوه من ينتوون سرقة أموالهم والمخاطرة بمستقبل بلدهم لتغير الحال ولرأيناهم مصفدين بالأغلال أو هاربين من البلد الى قصورهم المقامة من عرق وشقا البسطاء والفقراء من المواطنين.

***

آخر محطة:

1 ـ نهنئ البلد على تشكيل هيئة مكافحة الفساد الواعد، ونرجو ان تبدأ عملها سريعا حتى تتوقف المقولة التي تثير حنق الجموع وغضب الناس ومضمونها «نسمع بالسرقات ولا نرى أحدا خلف القضبان».

2 ـ نرجو ان يتم رفع الحصانة فور طلب هيئة مكافحة الفساد ذلك كونها خصما شريفا لا يجوز اتهامه بالكيدية وتعطيل إجراءاته.

احمد الصراف

الحاجة أمُّ التحليل

أحدثت إصلاحات مصطفى كمال أتاتورك الثورية وغير المسبوقة، هزة في دول إسلامية عدة، ومنها أفغانستان وإيران، والتي حاول ملكاها، كل على طريقته، اتباع ما قام به أتاتورك، ولكنهما فشلا، وبعدها بعقود أتت حركة طالبان وثورة الخميني لتعيد الدولتين قروناً إلى الوراء. والمشكلة التي تعصف اليوم بالكثير من الدول العربية والإسلامية هي ندرة القيادات ذات النظرة المستقبلية، والنقص الرهيب في الحريات السياسية، واعتماد الكثير من الأنظمة في شرعية بقائها على دعم رجل الدين، والذي قام بممارسة نفوذه من خلال إصدار الفتاوى، بطلب من الآخرين، أو بتبرع شخصي منه، لتبرير بقاء الحكام في الحكم أو تبرير تصرفاتهم! واعتقد رجال الدين هؤلاء بأن قاعدة ألا أحد يدوّن أو يبوب فتاواهم، وبالتالي بإمكانهم، إن شاؤوا ذلك، تغييرها وإصدار أخرى بدلاً منها، وحتى متناقضة معها، لاعتقادهم بأن الأولى ربما نسيت، أو مر زمن عليها وأصبحت غير صالحة، أو لا تنسجم مع مصالح المفتي التي تتغير، أحياناً، مع تغير عواطفه وأهوائه، والأهم من ذلك مصالحه الشخصية! ولكن التسارع في تكنولوجيا الاتصال التي أصبحنا نلهث وراءها، وهي تسبقنا، كشف حيل البعض من هؤلاء وزيفهم، وقلل من استعدادهم لتغيير آرائهم «الدينية» بسهولة، خصوصاًَ بعد أن قام مغردون خليجيون، من خلال «تويتر» بنشر مراجعة لفتاوى التحريم التي صدرت خلال الخمسين عاماً الأخيرة، والتي تراجع أصحابها عنها تالياً، كتحريم التلفزيون وتعليم البنات، واستخدام الهواتف النقالة التي تحتوي على كاميرات، وتحريم التصوير أو وضع الصور الشخصية، حتى للرجال، على بطاقات الهوية والجوازات واستخدام الدراجة والسيارة والمشاركة في الانتخابات وآلاف الأمور الأخرى، وهي جميعها لم تصبح فقط «حلالاً» بعيون هؤلاء الذين أفتوا بحرمتها، بل وأكثر من ذلك أصبحوا على رأس مقتنيها ومستخدميها، وبالتالي من الطبيعي الافتراض أن أموراً «منطقية» كثيرة تعتبر الآن في حكم المحرمات كقيادة المرأة للسيارة، والتي نتج عنها مساوئ ومشاكل اجتماعية جمة ليس أقلها زيادة عدد السائقين في الكثير من الأسر، سيتم التخلي عنها، وهذا يدفعها للتساؤل عن سبب التمسك بهذا المنع، طالما أن الوقت سيأتي وتصبح فيه كغيرها حلالاً؟ وقائمة الأشياء والأمور والتصرفات التي صدرت بها فتاوى تحريم، فقط خلال 50 عاماً وأصبحت من المحللات خير شاهد! ويذكر، كما ورد في الدراسة، وهذه حقيقة، أن الدراجة، التي كان بعض أهالي القرى يسمونها «حصان إبليس»، كانت ممنوعة، ثم خفف التحريم شريطة أن يحضر من يريد استخدامها شهادة تزكية من إمام مسجد الحي!
ويذكر أن التحريم طال في يوم من الأيام جهاز إرسال البرقيات والراديو والفيديو، وصحون استقبال القنوات. وكاد الملك عبدالعزيز بن سعود أن يفقد هيبته أمام الإخوان في بداية انتصاراته عندما أصر على استخدام التلفون. ويقال إنه لجأ إلى حيلة طريفة لكسب قبول الإخوان للجهاز، حيث ترك الرياض وذهب إلى منطقة بعيدة! وجاء آخر الشهر وتأخر صرف الرواتب، وقيل لهم إن الصرف لا يمكن أن يتم بغير موافقته، والوصول إليه والعودة بالموافقة سيستغرق بضعة أيام، ولكن يمكن تقصير الفترة بالاتصال به هاتفياً وأخذ موافقته، فاعترض البعض، ولكن الأكثرية أيّدت الاستعانة «بالهاتف الحرام»، وبالتالي تغلبت الحاجة على الفتوى ليصبح الهاتف حلالاً! ولو دخلنا بيوت كبار المفتين اليوم لوجدناها تمتلئ بكل ما كان محرما قبل سنوات!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

تهاون الحكومات… الخطير!

 

كلما ازدادت الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط سوءاً، لجأت الحكومات وأبواقها الإعلامية إلى الهروب من الواقع وما يتطلبه من حكمة في معالجة تلك الأوضاع. وبدلاً من اجتياز أي أزمة أو اضطراب داخلي، تسعى بعض الأطراف إلى التحذير من جلب أزمات هناك في المحيط الإقليمي، إلى المحيط الداخلي!

هو أمر مضحك للغاية، أن تتخذ الحكومات العربية والإسلامية مواقف تظهرها في مظهر «البوق المخيف» وهي تصرخ وتحذر من انتقال الصدام الطائفي المتحرك في بعض البلدان إلى «بيتها»! وهي حين تقف عاجزة عن أن يكون لها دور إقليمي، تكتفي بالتحذير من مغبة وصول الصدام والتناحر والاقتتال الطائفي إلى محيطها الداخلي، في حين تنسى كثيراً أنها هي ذاتها، لديها آلتها الإعلامية الرسمية ومحركاتها الدينية الموغلة في الطائفية والفتنة، تشحن وتدير وتدمر ليل نهار بخطابات وبيانات واجراءات وممارسات طائفية هي تعلم – قبل غيرها – أنها مجرد ألاعيب خطيرة ستنعكس عليها يوماً ما.

ومن المضحك أيضاً أن تدعي حكومات وشخصيات وساسة ورموز كأمين عام منظمة التضامن الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو الذي تحدث في حوار عبر قناة «الحرة» يوم الأربعاء الماضي مكثفاً مخاوفه من انتقال صور الصراع الطائفي المدعوم من الغرب ومن الشرق.. في سورية، لبنان، العراق، باكستان، ميانمار وبضع بؤر هنا وهناك.. تدعي تخوفها من اجتياح مد طائفي – وفقاً للصراعات الممولة والمشجعة والمدعومة من الغرب والشرق كما أشرت – فيما لا ينبس ببنت شفة عن ممارسات الكثير من الدول الإسلامية القائمة على تأجيج الصراع الطائفي إعلامياً.

ذلك التهاون من جانب الحكومات ليس أمراً طارئاً أو جاء على حين غفلة، بل هو ممنهج وفق خطة لكل دولة ترعى الطائفية. ولعلني تناولت بشكل متعمق «حملات الشحن الطائفي» في الإعلام العربي في أبريل/ نيسان 2009. وقتها اختلفت مع مجموعة من الإعلاميين الخليجيين والعرب في شأن أسلوب ومنهج وخطاب بعض القنوات الفضائية الدينية في منتدىً إلكتروني، فهم، وأنا أحترم وجهة نظرهم قطعاً، يعتبرون ازدياد تلك القنوات فائدة للأمة، أما أنا، فلا أرى في غالبها إلا منطلقاً لشن حملات العداء المشحونة بالكراهية، ورأيت أنه من الجيد أن أعيد بعض ما كتبته في هذا الشأن آنذاك، ومنه أنه ليس من الضرورة بمكان إجراء استطلاع ميداني لتثبيت الفكرة، فيكفي أن تقرأ لمدة ساعة زمن الشريط الذي يتحرك في أسفل الشاشة لتعلم أن هناك مشاركة فاعلة من قبل مجموعات من المتشددين، من الطائفتين، كل يدعي حاكميته على الأمة.

ذلك الخطاب هو الأسوأ على الإطلاق، ولعل الكثير من الناس لا يعلمون أن مثل هذه النزاعات تصبح أجمل وأروع عندما يزداد عدد المشاركين فيها عبر خدمة الرسائل التي تدر مالاً وفيراً يملأ بطون القائمين على القناة، ممن يدعون «صدق الدعوة لله والدفاع عن الدين الإسلامي»، واليوم اتسعت لتشمل وسائل التواصل الاجتماعي ووسائط الإعلام الجديد.

كثيرة هي الصور القاسية التي تسود المجتمعات الإسلامية اليوم، في مقدمتها الظلم والتخلف والأمراض السياسية والثقافية والاجتماعية، ونزعات التعصب الطائفي والعرقي المقيتة، وتطغى عليها مشاكل وصراعات متعددة في مختلف ميادينه ومجالاته بما في ذلك ميدان الثقافة والفنون، وتبرز صورها المؤسفة في التضييق على حرية الفكر والنشر ومحاصرة الثقافة ومصادرة الرأي الآخر، وشن الحملات العدائية المشحونة بالكراهية والحقد الطائفي.

لا يمكن أبداً التغاضي عن تهاون الحكومات، وفي أغلب حالات تلك التهاون، يظهر الاتهام واضحاً بلا تبطين في أن بعض الدول تغذي هذا النوع من الحملات لإشغال الناس، ولذلك، ليس عجيباً أن يتفرغ ذوو النزعات العدائية، سواءً كانوا مشايخ وعلماء أم برلمانيين أم وعاظ سلاطين، ومعهم أولياء نعمهم من المستبدين أرباب الرأي الواحد والنفوذ والمال، ليضيفوا إلى الأمراض الاجتماعية ما يسهم في مضاعفة الداء والمرض في جسد الأمة.

قلت عبارة وأكررها دائماً: «لا تنمو الطائفية ولا تكبر إلا في ظل دول وحكومات ترعاها… وتحافظ عليها».