محمد الوشيحي

أمن الدولة… خيط دخان

الدنيا مصطلحات وتسميات، وحدهم الهنود الحمر استبدلوا التسميات بالصفات، فيكبر المولود ويعيش بلا اسم إلى أن يجدوا له صفة تناسبه؛ "ذو المنخار الخنزيري"، و"ذات العروق النافرة" و"الثور الجالس"، و"ذات الصهيل"، وهكذا…
وجهاز أمن الدولة كنت أظن أنه يختص بـ"أمن الدولة"، وبحثت عنه وعن دوره في قضايا أمن الدولة، كما أفهمها، فلم أجده… بحثت عنه في قضايا تأخر المشاريع الحيوية في الدولة، وتأثير ذلك على نفسيات الشعب، فلم أجده، وبحثت عنه في قضية انتشار الرشاوى بهذه الصورة في البلد، فلم أجده، وبحثت عنه في موضوع التوتر الطائفي الداخلي، فلم أجده، وبحثت عنه في موضوع اختفاء أموال الشعب، بطريقة "فص الملح"، فلم أجده، وفتشت عنه في قضايا وقضايا، ولم أجد آثار أقدامه ولا بصمات أصابعه، ولا حتى بقايا سجائره وعصائره… وفتشت عنه في كل مكان، وسألت عنه موج البحر وفيروز الشطآن، و.. جُبتُ بحاراً وبحارا، وفاضت دموعي أنهارا، وكبر حزني حتى أصبح أشجاراً أشجارا، ولم أجد إلا خيط دخان.
والحقيقة أنني وجدته في الجهة الأخرى، وسمعت صوته هادراً في قضايا شبان الحراك الغاضبين من فساد السلطة، ورأيت يده قوية باطشة في مواضيع المسيرات والخطابات السياسية الغاضبة، وما شابه… وباستثناء "شبكة التجسس الإيرانية" – هذه أيضاً أظن أن فضل اكتشافها يعود إلى جهاز استخبارات الجيش – لا أعتقد أن اسم الجهاز يتناسب مع عمله.
ولو لم يولد الجهاز حاملاً اسمه "جهاز أمن الدولة"، لفعل الناس هنا كما فعل الهنود الحمر، ولأطلقوا عليه صفة تناسبه؛ "جهاز ناس وناس"، أو "جهاز ما له شغل"، أو "جهاز لا حبتك عيني"… الأكيد أن تسميته تحتاج إلى إعادة نظر.

حسن العيسى

أسود على المقيمين ومع النخاسين نعام

المغردة نوال ملا حسين انتقدت بمرارة حوادث دخول أفراد من الداخلية منازل مقيمين، بعد أن يتم تفتيشهم وسؤالهم عن أوراقهم الثبوتية، وما إذا كانت لديهم إقامة صالحة أم لا، وتتساءل نوال عن القانون الذي يمنع دخول المنازل من قبل الشرطة إلا بعد حصولهم على إذن بالدخول والتفتيش من جهات التحقيق!
طبعاً في قانون الإجراءات الجزائية هنالك من النصوص ما يفرض مثل هذا "الإذن المسبق"، ولم يظهر عبر الإعلام الكويتي المبتهج بسواد الوجه وتغطياته السيئة لزيادة التوزيع عند جماعات "بلاغة الشف" الكويتيين أن عمليات المداهمة التي تقوم بها وزارة الداخلية، وتفتيش "السكن الخاص" للمقيمين كان حسب القانون أم لا، أو إذا كان للشرطة "كارت بلانش" مسبق بالمداهمة وخرق حقوق المقيمين بالأمن والاستقرار النفسيين!
أياً كانت عليه الأمور، يظهر أن عمليات بطولات مداهمة الشقق والمساكن الخاصة، والتقاط صور لفلبينية "متقلقصة" داخل برميل قمامة خشية كشف جسدها، (أو عورتها كي يرضى بهذه التسمية بعض المشايخ الملهمين الذين يرون أن المرأة عورة من قمة رأسها إلى أخمص قدميها) أو ربما كانت مختبئة من المداهمة، تطوي الضعفاء والبؤساء بجلباب القانون، وهم دائماً الفقراء من المقيمين الذين لا يجدون سنداً ولا ظهراً يحميهم من العسف أو تجاوز حكم القانون، ولا تمتد يد القانون إلى أسود الدولة المواطنين من الذين استقدموا تلك العمالة، وتاجروا بها، وفرضوا الإتاوات التي يدفعها الأقنان الأجانب كل شهر لهم  "بسعر معلوم" باهظ الكلفة، يدفعها المقيم  للباشا المواطن المستمتع بمواطنته حين تدر عليه المقسوم من ريع الكفالة، أو من طلب تحويل الكفالة.
أضحى لدينا قانونان للعقوبات، واحد مخصص لطبقة أبناء البلد من تجار الفيز والإقامات وهو في حالة عطالة دائمة، وآخر للعمالة الهامشية وغير الهامشية يتحرك حياً متى عجز الوافد عن دفع مكوس الإقامة لرب العمل "شارلوك" الخليجي فألغى الأخير إقامة المكفول وتركه نهباً للملاحقة القانونية، فيقف القانون متسيداً بالمرصاد للمقيم، ويغض البصر دروشة عن "شارلوكات" الوطن.
حتى هذه اللحظة، ومع كل الثرثرة الرسمية والإعلامية عن تجار الإقامات، لم أسمع عن قضية واحدة منذ التحرير حتى اليوم تخبرنا عن مداهمة شركات النخاسة الكويتية ذات المسؤولية غير المحدودة، والمساهمة بالجرم العام، فكل ما تنقله صحافة "الإثارة" الفرحانة بوجبة اليوم من صيد وكر فساد جنسي، أو مداهمة شقة "بابو وغلام" ضبطا وهما يصنعان بها خموراً محلية، فلماذا تلك الازدواجية في بلاد الريع والحلال والحرام والكفالات ومراسيم الضرورة  بين المواطن وغير المواطن، ومرة ثانية لماذا هناك "ازدواجية" قانونية أخرى بين مواطن "ديلوكس" من حزب البارونات والواسطات لا يعرف دهاليز الضياع في إدارات الدولة، وتسير أموره piece of cake في معظم معاملاته، ومواطن مغلوب على أمره تفرض عليه المعاناة "والمرمطة" بإدارات "تعال باجر، ومعاملتك في إدارة أخرى بعيدة وعند مكان عنوانه جهنم".
ومرتبط بهذا الموضوع، نشاط اللواء النجم عبدالفتاح العلي، وهو في قمة حماسه الأمني لضبط اللامنضبط في المرور، فهل نظر اللواء في عمق وداخل إدارته المرورية وفي متاهات وزارة الداخلية (أي وزارة الأخ الأكبر يراقبك الاورويليه) لينظف زواياها، وما تراكم تحت سجادها السميك من طبقات الفساد واستغلال الوظيفة العامة بعون رئيسه وزير الداخلية، في هذا كتب الزميل د. ساجد العبدلي مقاله قبل يومين في "الجريدة"، وقد كفى ووفى.
وأعود إلى تغريدة نوال وتعقيب من المغرد المطيري عن سبب سكوت جمعيات النفع العام عن فضح التجاوزات لحقوق وكرامات المقيمين، وأتمنى أن تسمى تلك المؤسسات الأهلية بجمعيات "الصمت العام" التي ترضع من ضرع السلطة، فهذا أنسب لها.                                                                                

احمد الصراف

إسماعيل وإسحاق

ول.د الكاتب الأيرلندي جورج برناردشو توأماً. وقامت أمهما يوماً، وهما رضيعان، بتركهما في إناء كبير للعب فيه، فمات أحدهما غرقاً، ولم تستطع الأم تحديد من بقي، فقررت أنه «جورج»! ويقول برناردشو إنه عاش حياته وهو يتساءل دائماً: هل أنا جورج أم أنا أخي؟
* * *
سيحل علينا عيد الفطر قريباً، وسيتبعه بعد 40 يوماً تقريباً عيد الأضحى، وفي نهايته سيتم «التضحية» بملايين الخراف، أغلب لحومها سيضيع تحت التراب، ويذهب ثمنها سدى! ولا أدري كيف لا تستطيع أمة كان فيها عمر بن الخطاب، الذي نجح قبل 14 قرناً وقف العمل بنصوص دينية، من وقف دفع «الخمس» لفئة المؤلفة قلوبهم، إلى معارضة قطع يد السارق في عام الرمادة، وغيرها، كيف لا تستطيع هذه الأمة أن تتفق على قيام «أمير حج» أي عام بذبح «كبش» واحد فقط نيابة عن كل حجاج البيت وأهاليهم، والمسلمين أجمع، بدل نحر كل هذه الثروة الحيوانية كل عام، وصرف ما كان سيدفع فيها على تنمية مدن وشعوب بحاجة إلى كل شيء، من طعام مستمر وماء متدفق ودواء متوافر، هذا غير المساكن والمدارس والمستشفيات، ولن نقول المسارح والحدائق والشوارع، ولا حتى المجاري! ألا يبدو عجزنا عن القيام بذلك مثيراً للشفقة، أو ربما للغثيان؟ إن وضع العالم الإسلامي اليوم ليس كوضعه قبل ألف عام، فقد تضاعف الناس فيه آلاف المرات، وأصبحت احتياجاتهم أكثر تعقيداً، وأصبح هناك عجز رهيب في الغذاء، والمجاعة تضرب سنوياً دولاً عدة، وستضطر الدول الإسلامية، أو تجبر إنسانياً، على وقف عمليات النحر الجماعية، فلمَ ننتظر ذلك اليوم ولا نبادر به من الآن؟ 
يقول الكاتب المصري حسين أمين إن أغلبية أعياد العالم ترمز إلى السلام والمحبة، وشكر الرب على عطاياه، وطلب المغفرة، والعناية بالآخر المحتاج، أياً كان! ولو تمعنا في هذا القول، لوجدنا أننا نفتقد شيئا من هذا القبيل، فأعيادنا في غالبها صارمة ومتشددة في وقارها، ولا تتضمن فرحاً وضحكاً، ومقتصرة علينا فقط! ومنذ 14 قرناً والمسلمون يؤمنون بأن المقصود بابن النبي إبراهيم هو إسماعيل، بينما يؤمن النصف الآخر من أصحاب الكتب السماوية، من يهود ومسيحيين، بأن الابن المقصود، كما ورد في نصوصهم، هو إسحاق! فكيف يمكن تسوية هذا الاختلاف؟ وهل يعقل أن المسلمين يحتفلون بالتضحية من أجل ابن، يعتقد الجانب الآخر بأنه أخ له وليس هو؟ وليس سهلاً طبعاً الوصول إلى حل هنا، لأن كل طرف يرى أن ما ورد في كتبه أكثر دقة، وبالتالي سيستمر الصراع بين الجميع، ونتقاتل ونكفّر ونحرق ونشتت ونرمّل، وابتسامة «الموناليزا» ترتسم على وجه بقية العالم وهو ينظر إلينا باستغراب، ثم يمضي في طريقه، غير مكترث بما نوقعه ببعضنا من دمار!
ملاحظة: صرّح «بطل» بأنه تم البدء في تجهيز 12 ألف مجاهد من جزيرة العرب بالسلاح لمحاربة «حزب الله»! وهذا طبعاً كلام فارغ تماماً! كما طالب بأن يقبضوا على 10 من أفراده، ليتمتع بنحرهم!
نشر هذا الهذيان والسكوت عنه يعنيان أنه لا علاج لوضعنا، والنهاية قريبة!

أحمد الصراف