احمد الصراف

عبدالحسين زوربا

كتب اليوناني نيكوس كازانتزاكس Nikos Kazantzakis رواية «زوربا الإغريقي أو اليوناني» قبل نصف قرن، وهي الرواية الأشهر في التاريخ اليوناني الحديث، وترجمت بعدها بسبع سنوات للإنكليزية وغيرها، قبل أن تتحول لفيلم شهير ولمسرحية موسيقية ناجحة. ولو سألت الملايين حول العالم عما يخطر على بالهم عند الحديث عن اليونان لقال الغالبية بأنها تعني لهم أشياء كثيرة ولربما كان على رأسها موسيقى رقصة فيلم زوربا، Zorba, The Greece! فاليونان، لدى الغالبية ليست الحكومة ولا الحضارة الإغريقية، ولا حتى افلاطون أو ارسطو أو مباني الاكروبول، بل شخصية زوربا القرن العشرين السيريالية الساحرة التي جسدها الفنان الراحل أنطوني كوين وموسيقى الفيلم، والمشهد الخالد لزوربا، على رمال شاطئ البحر، وهو يفرد ذراعيه استعدادا لأداء رقصة تبدأ بإيقاعها الموسيقي البطيء والهادئ لتتحول تدريجيا لثورة لحن صاخب أبدي لا ينسى، تنصهر فيه شخصية بوهيمية شبه ثائرة وفوضوية ومحبة للحياة حتى الثمالة، مع وطن غارق في التاريخ البشري، فنا وفلسفة وبناء وبشرا وحجرا، لتعطينا شيئا سيبقى خالدا وجزءا من اليونان الوطن، وكل ذلك من خلال ثلاثية الرواية والممثل واللحن الرائع!
وفي كويت الثمانينات، كويت الإبداع والنهضة الواعدة، كنت كلما سألت صديقا يعيش في الخارج عما يريده من الكويت، كان الغالبية يطلبون مني أن أشتري لهم اشرطة فيديو «بيتاماكس» وVHS التي تحتوي على مسرحيات كويتية شهيرة كــ«درب الزلق» و«باي باي لندن»، و«عزوبي السالمية» و«حامي الديار». وكانت اسماء من مثلوا في هذه المسرحيات كفيلة بجذب آلاف المشاهدين لها، وهي التي خلقت كويت الإبداع والثقافة، وكانت عنوان انفتاح الكويت ودرجة تمتعها بحرياتها السياسية والفكرية والثقافية، والتي ضاعت جميعها، لدينا ولدى غيرنا، مع قدوم جراد التخلف العقائدي. ولو سألت عن أكثر شخصية فنية ادخلت السرور على قلوب الغالبية وأضحكتهم حتى البكاء، وأوجعت خواصرهم لتبادرت للذهن أسماء شخصيات كبيرة كالمرحوم خالد النفيسي وسعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا، الذين ارتبطت اسماؤهم بجزء حيوي ومهم من تاريخ الكويت الحديث واصبحوا في مرحلة هم الكويت، وليست كويت آبار النفط والثراء النقدي، فقد امتلك غيرنا النفط والثراء ومع هذا لم يكن لديهم لعقود طويلة حتى كومبارس يقف على المسرح رافعا علما مهلهلا.
نعم سعد وخالد وعبدالحسين جزء من تاريخ مشرف ويستحق أن نفتخر به، فمن أبكونا في التاريخ وأدخلوا الحزن على قلوبنا والأسى لنفوسنا كثيرون، ولكن من جعلونا نبتسم ونضحك من القلب قلة تكفي أصابع اليد الواحدة لعدهم. وكما ارتبط تاريخ مصر الحديث بشخصية أم كلثوم ولبنان بفيروز فإن تاريخ الكويت، شاء الجهلة والمنغلقون أم أبوا، ارتبط في جزء منه، ولا يزال، بشخصية عبدالحسين الذي أعطى أداؤه الفني الرائع طراوة طالما افتقدتها قطعة أرضنا الجافة والخشنة. ومن أجل الوفاء بجزء مما تكدس علينا من دين نفسي لهذه الشخصية التي وضعت اسم الكويت على كل شفة ولسان، والتي تجاوز تأثيرها عمل عشرات السفارات والملحقيات الثقافية والسياحية، فإنني أطلب منكم، كمبادرة وفاء، ان تضعوا مشاغلكم جانبا لدقائق قليلة، وتشاركوني اليوم أو غدا في تقديم واجب العزاء، في حسينية معرفي القديمة، لعبدالحسين عبدالرضا في حفيده يوسف الذي توفي بعيدا عن وطنه!

أحمد الصراف
[email protected]
www.kalamanas.com

سعيد محمد سعيد

بحثاً عن «أصدقاء فلسطين»!

 

هذا العالم الذي نعيش فيه رائع للغاية، وأروع ما فيه، أن الغرب – قبل العرب والمسلمين – هب بقوة لإنقاذ الشعب السوري الشقيق! هنا، مجموعة من الدول شكلت «أصدقاء سورية»، وهنا وهناك، فتاوى للجهاد وحملات تبرع لا نظير لها، وبين كل هذه الانتفاضة الرائعة الصادقة الأمينة، سارعت العديد من الدول العربية والإسلامية إلى اللحاق بركب الأصدقاء… جميل جداً! لكن يا تُرى، ألم يكن بالإمكان إطلاقاً، وطوال ستة عقود، أن يخرج من هذا الرحم العالمي الرائع، ما يمكن أن يطلق عليه «أصدقاء فلسطين» أو «أصدقاء غزة»؟.

ربما يصبح الحديث عن قضية العرب والمسلمين الأولى (فلسطين) اليوم، نوعاً من أنواع الأحاديث المملة القديمة! ومع الإيمان التام بحق الشعب السوري، وسائر الشعوب العربية، في أن تعيش معززةً مكرمةً بلا ظلم ولا قمع ولا سفك دماء ولا مذابح من أنظمة قمعية أو جماعات مسلحة ممولة من كل حدب وصوب، أو تآمر دولي لتدمير الأوطان العربية والإسلامية وإشعال فتيل فتنة وتناحر وصراع دموي بين الطوائف والمكونات والتيارات… مع حق كل الشعوب في كل ذلك، يبدو في غاية الاستغراب ألا يحظى الشعب الفلسطيني ببضع أصدقاء يدافعون عنه ويتبرعون ويبكون في الفضائيات على مجازره ويهددون ويتوعدون الكيان الصهيوني، ويخاطبون الأمة بالتركيز على عدو حقيقي بدلاً من تركه وحيداً يطعنه القريب قبل الغريب.

بحثت طويلاً عن حملات «تجهيز غاز»، بالمال والسلاح والعتاد والخطب النارية والفضائيات ونماذج من أصحاب اللحى الذين يبكون بحرارة وإعلان الجهاد في فلسطين، فلم أجد إلا قائمة من القصائد والأناشيد الحماسية والخطب التي كانت، ولايزال بعضها، يكرر ويقول بخداع: «فلسطين سوف تعود إلى العروبة والإسلام»! بل وجدت من ينصح الأمة نصحاً شديداً صادقاً مخلصاً بدموع حرّى وقبضات مشهرة، بأن عدو الأمة الأشد والأخطر عليها، ليس هو الكيان الصهيوني! لا… بل نحن أبناء الأمة الإسلامية، بكل طوائفنا. نحن هم العدو الحقيقي، لذلك، يتوجب أن يُعلن الجهاد لسفك دماء بعضنا البعض، وبعد ذلك، حين نتخلص من أنفسنا، نتجه لمواجهة العدو الصهيوني! حتى بتنا نسمع من سياسيين عرب كبار ومشايخ طين وإعلاميين من قبيلة (طمبورها) كلاماً مؤثراً جداً، يريدون من خلاله إقناع الأمة بأن الهرولة للاستسلام والانبطاح للسياسات الأميركية والصهيونية لتفتيت الأمة من الداخل عبر خطة «الفوضى الخلاقة»، أفضل بكثير من أن نجعل قضية فلسطين حاضرة في وجدان أبناء الأمة جيلاًً بعد جيل. هنيئاً للصهاينة وأتباعهم من (النفر المهطعين) للخنوع، نخب الانتصار على أمتهم… لكن غيرهم من الأحرار، لن يكونوا «نعاجاً» أبداً مهما تكالبت عليهم أنياب سلالة بن غوريون.

لا يبدو من الأساس، أن هناك بقعة عربية إسلامية تحتاج، كما هي سورية، إلى مجموعة أصدقاء. ولعل السؤال المثير للدهشة حقاً: «هل يتحرك ضمير الأعراب تلقائياً حينما يتأثر ضمير الغرب؟ أم أن هذا الضمير، فعلياً، هو مسيّر وفق هوى القوى الإقليمية وما تخطط له في منطقة الشرق الأوسط؟». الإجابة الأقرب للدقة، هي أن ما تريده أميركا لضمان أمن «إسرائيل»، هو المحرّك الرئيسي وإن تباكى الأعراب!

سأضم صوتي إلى صوت مؤلف كتاب «إبعاد الفلسطينيين عن وطنهم… 1967 – 1993» لمؤلفه لبيب عبد السلام قدسية، لأطالب بتشكيل مجموعة أصدقاء فلسطين، وخصوصاً حينما قال انه ومنذ الإعلان عن قرار التقسيم رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، كان يسكن في المناطق التابعة للدولة اليهودية – بحسب قرار التقسيم – ما يزيد عن 243 ألف عربي في 219 قرية وأربع مدن هي حيفا وطبريا وصفد وبيسان، وقد هجر من هذه المناطق – في الفترة الواقعة بين قرار التقسيم حتى شهر يونيو/ حزيران 1948 – ما يزيد عن 239 ألف عربي، وأخليت ودمرت 180 قرية عربية تماماً! كما هجر سكان ثلاث مدن كبرى كلياً هي صفد وطبريا وبيسان، بينما بقي في حيفا 1950 فلسطينياً، وبالمقابل قامت المنظمات العسكرية الصهيونية بتهجير ما يقارب 122 ألف عربي من المناطق التابعة للدولة الفلسطينية، وأخليت ودمرت 70 قرية تماماً، وهُجّر سكان يافا وعكا بشكل كلي تقريباً، كما تم تهجير جزء كبير جداً من سكان مدينتي اللد والرملة. مهلاً، لم تنتهِ المأساة، فهي مستمرة في غزة حتى اليوم، لكن، واأسفاه، مات شعار: «أنقذوا غزة»… هيا يا جماعة وبادروا لتشكيل أصدقاء فلسطين.

وأجزم للجميع، بأن هناك من سيشتري آلاف البشوت بآلاف الدنانير، ولن تكون مرثيات الجهاد وإعلان النفير مسرحيات هزلية مضحكة على الفضائيات للضحك على عقول أبناء الأمة.