يعتمد العقد الاجتماعي غير المكتوب بين شعوب بعض دول الخليج والأسر الحاكمة فيها، والتي تفتقد دساتير واضحة، على مسؤولية الأسر الحاكمة عن توفير الماء والكهرباء والتعليم والأمان وبقية الخدمات الأخرى مجانا تقريبا «للشعب»، مقابل ولاء الشعوب لهذه الأسر. ولكن لم يتساءل أحد علناً عما سيحدث عندما لا يكون بمقدور الأسر الوفاء بمسؤولياتها، أي عندما تصبح كلفة الدعم فوق طاقتها؟ كان هذا محور سؤال تقدّم به Bill Law مراسل الـ «بي.بي.سي» للباحث جيم كرين، من جامعة كيمبريدج، الذي لاحظ أن الحكومة الكويتية مثلا قامت عام 1966 بتخفيض تعرفة كيلووات الكهرباء من 27 فلسا إلى فلسين، وأبقتها لـ46 عاما على الحال نفسها، بالرغم من أن الكلفة الحقيقية تضاعفت منذ يومها كثيرا! كما يوجد في الكويت أكثر نظام غرابة في العالم خاص بدعم أسعار الوقود، حسب قول المحلل. وفي تقرير لوحدة الاستخبارات الاقتصادية فإن سكان دول مجلس التعاون، إضافة الى اليمن، سيصل عددهم خلال 8 سنوات لقرابة 53 مليونا، غالبيتهم من دون سن الـ25، ولهؤلاء توقعات وتطلعات كبيرة وستصارع حكوماتهم لتلبيتها، وسيصعب عليها ذلك، في ظل إصرارها على تقديم الخدمات بصورة شبه مجانية. كما أن سعر الوقود المحلي المنخفض لدرجة غريبة سيدفع هذه الحكومات لخفض ما تقوم بتصديره من نفط لتغطية حاجة السوق المحلي منه، وهذا يعني دخلا أقل وكلفة محلية أكثر، نتيجة زيادة الاستهلاك وزيادة الدعم، وهكذا ستستمر الأمور في حلقة جهنمية لا تنتهي، في ظل غياب تام لأي تصرّف رشيد. ويقول خبير اقتصادي من بنك «دوتشه» الألماني أن حكومات، أو أسر، الدول النفطية الحاكمة تصرف 80 دولارا من قيمة كل برميل نفط تبيعه لكي يكون بإمكانها الاحتفاظ بما يرتبه عليها العقد الاجتماعي من متطلبات. ويقول إن هذه الحكومات تواجه مشكلة صعبة، فهي غير قادرة على وقف الدعم، والتسبب في إثارة شعوبها، وليس أمامها مفر من فتح خزائنها والصرف لإخماد لهيب «الربيع العربي»، وإقرار زيادات رواتب خيالية، وفتح أبواب التوظيف للكل تقريبا، ففي سلطة عمان مثلا، قامت الحكومة بخلق 50 ألف وظيفة في القطاع العام، من دون أن تنشئ مشروعا حيويا واحدا، وتوظيف هؤلاء سيكلف قرابة ثلاثة مليارات دولار! ويقول الخبير إن هذه الإجراءات، وما يماثلها دليل آخر على أن هذه الدول تأكل من لحومها الحية، وأنها في مصيدة من صنع يدها! ولكن مع إيمان الكثيرين، حتى أقرب مستشاري بعض الحكام، بصحة مثل هذه التحاليل، إلا أن من الواضح أن لا أحد يود أن يتحرّك بصورة جدية. ولا أحد يود التفكير في الاقتداء بدبي التي توفر الخدمات بأجور عالية نسبيا، كما لا أحد يودّ التفكير في الطاقة البديلة، كالسولار.
نختم مقالنا بأننا لسنا فقط بحاجة لصرف النظر عن إسقاط أي قروض أو فوائدها، بل والتفكير جديا في وقف الدعم وترشيد الإنفاق، وخلق مجتمع أكثر إحساسا بالمسؤولية، فما يدفع من دعم غالبه غير مُجدٍ، سيكون له تأثير سلبي رهيب مستقبلا، فمن مثلا استفاد يوما، وعلى مدى أكثر من 30 عاما على الأقل، من دعم أعلاف الماشية، غير المتاجرين بها؟ وما فائدة تخصيص كل هذه الأراضي الزراعية والزرائب؟ وهل تساهم حقا في الأمن الغذائي؟ إن الكارثة قادمة، ونحن تعبنا من دق ناقوس الخطر، ولسنا ضد أحد ولا نكنّ كراهية لجهة، ولكننا بحاجة إلى مستوى معيشة أفضل، وليس لنقد أكثر في أيدينا، فكل وفوراتنا المالية ستستنفد خلال سنوات قليلة، إن استمرت طريقة الهدر الحالية!
***
• ملاحظة: بيّن محافظ البنك المركزي وجود أكثر من 340 ألف مقترض في الكويت، يعني أكثر من نصف السكان، في حال استبعاد غير البالغين، وهذا يعني أن غالبية المقترضين لم يكونوا بحاجة إلى الاقتراض، بل ربما البعض منهم هدفوا إلى سرقة المال العام!
أحمد الصراف
www.kalama nas.com