يخطئ صديقك في حقك ويخون الثقة التي تجمعكما، فتكون أبسط مطالبك أن يقرّ بالخطأ ويعتذر منك كي تسامح، ومع هذا قد تحتاج المسألة إلى مدة طويلة كي تبنى جسور الثقة مجدداً فيما بينكما رغم صداقتكما الممتدة. تلك هي طبيعة العلاقات الإنسانية في أضيق نطاق لها وبين الأصدقاء المقربين: خطأ فإقرار فاعتذار وإعادة بناء العلاقة مجددا. "حدس" و"الشعبي" و"الأغلبية" و"اتحاد الطلبة" وآخرون شكلوا ائتلافا للمعارضة بمطالب ثلاثة واضحة هي: حكومة برلمانية منتخبة، وحل المجلس القائم والدعوة إلى انتخابات بنظام الدوائر الخمس وأربعة أصوات، والمطلب الثالث المتمثل بـ"إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها". شخصيا أنا سعيد، بعيداً عن قناعة ائتلاف المعارضة بما كتبوا من عدمه، لكني سعيد جدا بأن ما كنا ننادي به من إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها أصبح مطلبا مكتوباً وموثقاً من قوى كانت تصف كل من يدعو إلى إطلاق الحريات بالمنحل والتغريبي والمتعدي على ثوابت الأمة، وغيرها من "خرابيط"، فها هم اليوم ينضمون إلى مطالبنا وبيان الائتلاف ورقة ستستخدم طويلا ضد بعض المتآلفين لإدانتهم حينما يتعدون على الحريات قريبا جدا. لكن لنفرض واهمين أن المتآلفين وتحديداً قوى الإسلام السياسي "حدس" وتوابعها من اتحاد الطلبة والسلف وغيرهم، لنفرض أنهم مقتنعون فعلا بضرورة إطلاق الحريات العامة ورفض التضييق عليها، أفلا يتعين عليهم أولا أن يقروا بالخطأ الذي تأسسوا عليه أصلا من كبت للحريات وتعدٍّ على الخصوصيات، والأمثلة عديدة لا تحصى بمقال واحد، ولنا في مجلس فبراير المثال الأقرب، حشمة ومنع معرض فني، وملتقى، وإلغاء حفلات وغيرها من انتهاكات للحرية والدستور. وبعد الإقرار لا بد من اعتذار على كل تعدياتهم وانتهاكاتهم لحريات الكويت حتى تحولت بجهودهم مع الحكومات إلى "تابوت" كبير لا متسع فيه للفرح أبدا. المسألة ليست مجرد كلمات تملأ الأوراق، بل هي أبعد من ذلك بكثير، فلماذا يطلب منا أن نصدقهم وأفعالهم تكذب ما يكتبون، فنحن لسنا بمغفلين وإن رغب البعض بأن يستغفل بإرادته، فهذا شأنه ولكن بالتأكيد لن يكون هذا موقفي، ولن أقبل بأن أقرأ بعض السطور فأقتنع رغم مشاهدتي لأفعالهم المنافية للدستور والحرية في كل يوم. إقرار فاعتذار ومن ثم مدة زمنية لإعادة بناء جسور الثقة تلك هي أساسيات العلاقات الإنسانية في أضيق نطاق وبين الأصدقاء، ورغم أني لا أعتبر قوى الإسلام السياسي أصدقاء لكن يجمعنا وطن واحد، فلا بد أن يلتزموا بهذه الأساسيات كحد أدنى، ومن ثم من الممكن القبول بما خطته أيديهم في بيان ائتلاف المعارضة. ضمن نطاق التغطية: أسطوانة "مو وقته" وتوحيد الجهود ضد فساد الحكومات لا تجدي نفعاً، ولن تصلح الحال أبداً، فتجاوز وفساد وتعديات المعارضة بحجة محاربة فاسد آخر لن تنتج شيئاً إن نجحت إلا استبدال ظلم بظلم آخر قد يكون أخطر وذا مناعة أكبر، ولنا في مصر درس.
الشهر: مارس 2013
بطل عربي أم خائن كردي؟
صدر قبل مدة قصيرة للدكتور عبدالرحمن عزام كتاب توثيقي عن القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي حاول من خلاله التفريق بين الحقيقة والخيال في سيرة تلك الشخصية الأسطورية الفذة والذي قيل ذات مرة في حقه ان انتصاره على الصليبيين في موقعة حطين جعله بطلا عربيا وأنه لو هزم في تلك المعركة لاتهموه بأنه.. خائن كردي!
***
تُظهر سيرة صلاح الدين الأيوبي أنه ولد عام 1137م في تكريت بالعراق وأن أول أعماله كان تقلده منصب قائد شرطة في دمشق وهو لم يتجاوز الـ 28 من عمره، وأولى معاركه تمت بعدها بعامين عندما هزم أمالريك الأول ملك بيت المقدس، ليتولى بعدها حكم مدينة الإسكندرية ثم يخلف عمه أسد الدين شيركوه في ولاية مصر إبان حكم الفاطميين، وبذا أصبح ـ كما يذكر الكاتب ـ كرديا في زمن الاتراك وأيوبيا في زمن الزنكيين وسنيا في عصر الإسماعيليين.
***
وتوفي القائد نور الدين محمود في دمشق ليصبح صلاح الدين حاكما لها وتنضم الموصل لإماراته، وبذا تتوحد العراق وسورية ومصر بمسميات الدول القطرية هذه الأيام وليتوجه صلاح الدين لمواجهة جيوش الصليبيين عام 1187 وهو في سن الـ 52 وينتصر عليهم في معركة حطين ويدخل بيت المقدس محررا، وتلقى أمامه خطبة الجمعة، إلا أنه يهزم بعدها بـ 5 سنوات أمام ريتشارد قلب الأسد ملك إنجلترا في معركة إرسوف.
***
ويتطرق الباحث إلى كثير مما قيل في حق القائد بعد وفاته، ومنها أنه اعتنق المسيحية وأن والدته ذات أصول إنجليزية ويعتقد أن ترويج الغربيين لمثل تلك الأقوال بسبب إعجابهم به حيث عرف بالشجاعة والكرم وعدم الغدر أو الخداع والتواضع وحب العلم، ويكشف عزام عن حقيقة مذهلة وهي أن ذلك البطل بلغ حد كرمه وعطفه على الفقراء أنه عند وفاته في 4/3/1193 عن عمر لا يتجاوز الـ 55 عاما لم يترك خلفه مالا أو حتى بيتا وكان مدقع الفقر حتى انه لم يتوافر من ماله ما يكفي لسداد تكاليف جنازته أو حتى شراء كفنه.
***
آخر محطة:
إن كان هناك من يكرر أن القائد الفرنسي هنري غورو قد زار قبر صلاح الدين الأيوبي بعد سقوط دمشق إبان الحرب العالمية الأولى وأنه قال «ها قد عدنا يا صلاح الدين»، فيكشف المؤلف أن القيصر الألماني فيلهيلم الثاني زار مرقد صلاح الدين الأيوبي في دمشق عام 1898 وتأثر بالحالة المزرية للمرقد فأمر بترميمه على نفقته الخاصة وأن توضع لوحة مضاءة فوق رأسه بها سيرته العطرة.
طار الطير حط الطير
هكذا، من دون تخطيط ولا ترتيب، كالكثير من قرارات الحكومة، صدرت «أوامر» قبل بضع سنوات لبناء مبنى «تيرمينال» طيران جديد، أطلق عليه اسم «مبنى الشيخ سعد»! وقيل انه سيخصص لركاب الطائرات الخاصة والصغيرة، وهكذا أصبحنا، مثل بقية دول العالم «الكبرى» لدينا اكثر من تيرمينال. ثم قامت بعدها الشركة «الوطنية» للطيران، باستخدام ذلك المبنى في رحلاتها! وقد قلت وقتها لنفسي انها لا يمكن ان تستمر طويلا في استخدام ذلك المطار بكلفة تشغيله العالية، باسعار تذاكرها التنافسية، وهكذا لم يطل الأمر كثيرا ليرفع الجماعة أيديهم وارجلهم مستسلمين للقدر، وليتبخر حلم المبنى الثاني بسرعة بنائه نفسها، وليبقى خاويا وشاهدا على نوعية قراراتنا الخاطئة!
فان كنا بمثل هذا العجز والتخبط في التخطيط لبناء وادارة مبنى ركاب ثان متواضع الحجم والامكانات، فهل هناك عاقل يصدق أن بامكان هذه الادارة الحكومية الضعيفة التي ينخر الفساد في مفاصل الكثير من دوائرها، وبمجلس أمة لا ندري كيف نصفه، ادارة مشاريع قادمة بـ125 مليار دولار؟ هذا ان وجدت المشاريع او الخطة او النية او العزيمة أو القرار أو الرغبة أو الارادة أو أي شيء آخر يتعلق بحقيقة هذا المبلغ، الذي يعرف من صرح أنه لا يستند الى أي ارقام حقيقية فقد سبق ان صرحت وزيرة التخطيط نفسها أن الحكومة أنفقت ما يعادل 25 مليار دولار على المشاريع التنموية منذ اقرار خطة السنوات الخمس قبل أكثر من 3 سنوات، وحيث اننا لم نر شيئا على أرض الواقع على مدى أكثر من 3 سنوات فلن نرى شيئاً فيما تبقى من عمر الخطة، وبذلك تكون الـ7 مليارات قد تبخرت في مرحلة ما!
أما عن مطار الكويت الجديد، الذي يخطط لافتتاحه سنة 2020، وهي سنة سنلحق عليها عمريا، فلن يكون قد أصبح جاهزا طبعا، فهذا كلام آخر لا معنى له! والى ان يبت في مشروع بناء المطار العتيد الجديد، وترسيته من دون قيل وقال واعتراضات واتهامات برشى وعمولات، فستجري مياه فاسدة كثيرة تحت الجسور، وسيمر وقت طويل وستمر علينا احداث جسام، وفي النهاية ربما سيصبح مثل جسر الصبية (جابر) الذي حلمنا أو سمعنا به على مدى 15 عاما قبل أن تتم ترسيته على شركة كورية بكلفة تزيد على ثلاثة اضعاف تقديراته الأولية، ولنسمع بعدها من جهة أخرى أن لجانا برلمانية وربما قضائية تحقق في مدى صحة ترسية الجسر! أما عن جامعة الشدادية، التي ستمر سبع سنوات عجاف قبل ان تطأ مبناها قدم طالب وطالبة، وليتجه كل ذكر لمبناه الذكري، وكل انثى لمبناها الأنثوي، فتلك قصة اخرى وبلوى من البلاوي التي ان انتهت مبانيها فستكون الأغلى من نوعها في تاريخ البشر الحديث!
***
• ملاحظة: اطلقت ايران سراح المفكر احمد القبانجي وسلمته لحكومته، ولا يعرف ما سيواجهه من مصير، ولكن نتمنى ان يعود لمحبيه والمعجبين بأفكاره سالما! وللعلم فقط، سنغيب عن الوطن لفترة قد تطول، ولكن المقالات، كالعادة ستستمر.
أحمد الصراف
دبي.. هبة الطيران!
لا أزور دبي كثيرا، إلا أنني كلما زرتها ذهلت مما أرى، فدبي بنظري الخاص على الاقل هي معجزة إنسانية فريدة مازالت في طور الخلق، لذا لا نشعر بعظمتها بدرجة كافية حالنا كحال من عاش زمن بناء الأهرامات أو سور الصين وغيرهما من عجائب الدنيا السبع، حيث لا يقدّر أحد من أنجز عظمة الإنجاز في حينه.
***
وقد تتفوق أعجوبة دبي في نهاية تكوينها على العجائب التاريخية السبع والتي هي في مجملها عمران وبناء حجر يعكس حضارة بشر، حيث لا يمكن فصل الاثنين ولا يمكن تصديق ما يقوله بعض الحاسدين والحاقدين من أن الانجاز الخليجي قام على العمران لا على الإنسان وبيد الآخرين لا الخليجيين، وهو مقياس لم يستخدم مثله تجاه الحضارات الانسانية الأخرى التي لم يسأل عن جنسية من قام بالبناء فيها، وما إذا كانوا من الشعوب التي نسبت لها الحضارة أم بيد العبيد والأسرى الذين تم إحضارهم من البلدان الاخرى.
***
ومن مزايا المعجزة العمرانية الخليجية المتمثلة في دبي انها وبعكس عجائب الدنيا الأخرى قد وضعت لخدمة الانسانية جمعاء بينما اقتصرت المباني السبعة على خدمة أعداد محددة من الأفراد إما كمعابد أو كقبور لهم في الأغلب، الأمر الآخر هو أن العجائب الأخرى قامت ضمن بلدان تملك مقومات الحياة من أنهر وأمطار وأراض زراعية شاسعة وشعوب مستقرة بينما قامت معجزة دبي على مساحة صحراوية محدودة شديدة الحرارة والرطوبة لا زرع ولا ضرع ولا بترول أو ذهب فيها، لذا فالتحدي أكبر والإنجاز أوفر.
***
وإذا كانت مصر الخالدة هي هبة النيل، فدبي هي هبة علوم الطيران الحديثة، فلولا شركة طيرانها التي تحضر الملايين من المستثمرين والزائرين والسائحين لما تحققت وتوسعت المعجزة الاقتصادية والعمرانية والانسانية، وفي هذا السياق أثلج صدري ما سمعته من مختصين أوروبيين وأميركيين أخيرا من أن دبي وبعض دول الخليج قد سبقتهم بتحويل علوم الطيران الى جزء مهم من التنمية الاقتصادية عبر خلق شركات طيران عملاقة وإنشاء البنى التحتية اللازمة لخدمتها مثل المطارات المتطورة ذات السعات الضخمة والمترو والفنادق والمطاعم… إلخ، ومنا للقائمين على خطة التنمية في الكويت!
***
آخر محطة: من يعتقد أن دبي خيرها لغيرها مخطئ حتى النخاع، فعمليات التعليم «الذكي» والتدريب «المتواصل» وبرامج تنمية «الكفاءات» للمواطنين قائمة على قدم وساق كي تتم عملية إحلال «نوعي» ذي قيمة مضافة للبلد والاقتصاد لا «كمي» مدمر للبلد والاقتصاد.
مكابرة ضد الزمن
استيقظ روبرت لويس ستيفنسون من نومه بشعور غامر من النشاط والطاقة المتفجرة، على غير حالته العادية، وهو الذي كان يعاني دائما الخمول والإعياء الملازمين لجسده الضعيف، وأمسك ستيفنسون بالقلم والأوراق، وأخذ يكتب عشرات ومئات الصفحات دون تعب أو كلل، وحين انتهى قدّم مسودة رواية "الحالة الغريبة لدكتور جيكل ومستر هايد" لزوجته فامتعضت منها، عندها ألقى الكاتب بالمسودة في نار المدفأة، وبدأ يعيد كتابة الرواية من جديد وانتهى من رائعته في ثلاثة أيام! ما سر تلك القوة الملهمة التي هبطت على الروائي ستيفنسون بعد حلم ربما كان كابوساً ترجمه الكاتب إلى عمل فني أصبح منذ عام 1886 نموذجاً ومثالاً حياً عند علماء النفس في سبر أغوار مرض ازدواج الشخصية النفسي!
في كتاب "تحولات منتصف العمر في الأدب والأفلام" (لم يترجم) يستعرض الباحث ستيفن ووكر حالات التغيرات التي تحدث للبشر عند منتصف العمر بمنظار العالمين النفسيين كارل يونغ وإريك أريكسون، فكارل يونغ تلميذ فرويد بداية، ثم خصمه في ما بعد، يرى أن الإنسان في مرحلة منتصف العمر يمر عادة بلحظات توهج روحي، تلهمه وتغير من شخصيته (هذا ما حدث مع كاتب د. جيكل ومستر هايد)، في تلك المرحلة يبدأ الفرد يرى الأمور بمنظار روحي متسام للبشرية والنفس الإنسانية، فهو قد تخلص من نزق مرحلة الشباب والتمحور حول الذات التي تصاحبها عادة، وقد يشرع ذلك الشاب وهو في طريقه إلى الشيخوخة بعشق جديد وولادة جديدة تهز في وجدانه روح الشباب وجنوحها وعنفوانها الإجرامي، أوليس جنون وفوران شخصية "مستر هايد" هو الوجه الآخر المخفي لركود وتؤدة الدكتور جيكل؟! وألم يكن الروائي ستيفنسون بكتابة الرواية بعد حلمه كان يترجم ذاته وروحه بعد أن بلغ منتصف العمر؟!
ويمضي "ووكر" في عرض الأعمال الأدبية والفنية الكبرى في التاريخ، وكيف كان أبطالها يولدون من جديد في منتصف أعمارهم "بتجديد" يقرع أجراس مرحلة الشيخوخة والأفول… هنا يذكرنا الباحث بعبارة يونج الشهيرة بأننا لا نستطيع أن نحيا فترة ما بعد الظهيرة بعقل فترة الصباح.
في مسرح سوفوكليس، نرى أوديب الشاب المغامر الذي قتل الوحش سفينكس عند أبواب طيبة، يدخل منتصراً ليقتل الملك ويتزوج امرأته وينجب منها، ليعرف في ما بعد أنه قتل أباه وأنه تزوج أمه وخلف منها دون أن يدري… فيفقأ عينيه ويهيم كالمجنون في المدينة، أوديب الشاب وصل إلى مرحلة منتصف العمر فيداهمه الأسى والحزن على صنيعة قدره البائس وينهش من روحه ذلك الضمير البائس (حكمة الشيخوخة) وتلك مرحلة عمر تعدت فورة الشباب كي تدق أجراس النهاية.
الأمر لا يختلف، في "أوديسة" هوميروس وحكايات بطلها "أوديسوس"… فهناك غيوم منتصف العمر حين تغطي ألوانها الداكنة شمس الشباب ويلج اليأس الحكيم في عقل الإنسان.
أما العالم النفسي الذي قسم الحياة وأطوارها المختلفة إريك اريكسون (عالم نفس من غير شهادة طبية) فهو يرى أنه ليس بالضرورة أن تتوهج الروح لفترات في مرحلة منتصف العمر وبداية الشيخوخة، فهناك من البشر من يرفض التأقلم مع واقع الحال، ويرفض مكابرة سنة التغيير والتبديل، عند هؤلاء تنطوي الروح على ذاتها، ويصيب التحجر والجمود أصحابها، وكأنني أقرأ هنا رواية أوسكار وايلد "صورة دوريان غري" فالصورة تشيخ وتهرم، أما صاحبها دوريان فيظل على شبابه وجماله، حتى اللحظات الأخيرة من عمره يدرك الحقيقة المقلوبة، فروحه هي التي كانت تشيخ وتذوي، بينما الصورة كجماد هي على حالها كانعكاس لجمال الشباب في زمن مضى.
هل كان دوريان وحيدا في ذلك القرن (التاسع عشر) أم مازالت نماذجه تحكم عالمنا العربي وتضج شوارعنا ومؤسساتنا بصور دوريان غري العربي الذي يرفض التغيير والتبديل وسنن الكون؟… لنفكر قليلاً.
عندما غاص «الإخوان» في الوحل
كنا، ولا نزال، من «أشد» مؤيدي وصول أحزاب الإخوان المسلمين، التابعين للتنظيم السري العالمي، للحكم في الدول العربية التي لا يزال فيها من يعتقد أن في نواصي هؤلاء يكمن الخير! وسبب تأييدنا نابع من أنه يصعب إقناع اي متحمس من هؤلاء او جاهل بحقيقتهم بعدم صلاح أي فكر ديني أو مذهبي، في زمننا المعقد المتعدد الديانات والمذاهب، لحكم اي دولة، وتجربة إيران مع الحكم الديني خير مثال! وحيث اننا أمة لا تقرأ التاريخ، ولا تتعظ حتى، فكان لا بد من دفع ثمن غال وإتاحة الفرصة للإخوان للوصول للحكم ليعرف الناس خيرهم من شرهم، وتسليمهم الحكم هو الأسلوب الأمثل لإظهار خواء ما يتصفون به من فكر تآمري وفراغ مذهبي، وعدم قدرة على إدارة دولة، سواء بسبب منطلقاتهم «الدينية» الضيقة، أو لاضطرارهم لحصر السلطة بايديهم من دون اعتبار لغيرهم. وقد جاء زلزال اغتيال النقابي التونسي، صديق صدام القديم، شكري بلعيد، ليهز اركان حكم الإخوان في تونس، ويدفعهم لعزل رئيس الوزراء الإخواني والإتيان بآخر غيره، وقبول المرشد الغنوشي التخلي عن جميع الوزارات السيادية في الحكومة الجديدة لغير الإخوان! كما أن قبول تولي الإخوان حكم دولة بمثل حجم وتعقيد مصر لم يكن سهلا، حيث كان من الضروري قيام دولة ما بدفع ثمن التجربة لينكشف هؤلاء! ووضعهم هنا يشبه وضع ذلك الأب الذي كان ابنه المراهق، البسيط الذكاء، يلح عليه في السماح له بقيادة مركبته، وبأنه يعرف القيادة جيدا. وبالرغم من كل جهود والده لإقناعه بأنه لم يبلغ السن القانونية وسيصاب حتما بحادث وسيعرض السيارة للتلف، وسيسبب الخطر المميت لغيره إلا ان الابن كان مصرا على موقفه، وبالتالي لم يكن امام الأب من خيار، خوفا من قيامه بقيادة السيارة دون علمه، والتسبب في كارثة، من قبول طلب ابنه، مع يقينه بأن هذا سيتسبب حتما في وقوع حادث لهما، ولكن أي شيء أهون من فقد الابن كليا، فالتجربة كانت ضرورية ليعرف الابن، البسيط الذكاء، وابناء الحي المتحمسون لفكرته، بأنه غير كفؤ لقيادة مركبة لا في ذلك اليوم ولا في أي يوم آخر، بسبب قلة خبرته وقصوره العقلي!
وبالتالي لم يكن غريبا انهيار تحالف الإخوان مع الحزب الديني الآخر، حزب النور، ووقوع الطلاق السياسي بينهما، بعد أن كشف رئيس «النور» تراجع مرسي عن الاتفاق الذي تم بينهما، والذي نص على قيام الأخير بطرح مبادرتهم على جلسات الحوار الوطني، ولكن ذلك لم يتحقق لأن تعليمات وردت من مكتب إرشاد الإخوان منعت ذلك! ثم جاء أخيرا حكم محكمة القضاء الإداري، الذي أوقف تنفيذ قرار الرئيس المصري المتعلق بإجراء انتخابات مجلس النواب في 22 ابريل المقبل ليشكل ضربة أخرى للإخوان ودليلاً آخر على تخبطهم. فقد شكل هذا الحكم، وسلسلة التراجعات والانتكاسات الرئاسية الدليل رقم 100 بعد الألف على عدم قدرتهم على الإمساك بزمام الأمور. ولا نود هنا الشماتة بأولئك الذين سبق أن ضربوا الدفوف وزغردوا لوصول الإخوان للحكم، فيكفيهم ما أصيبوا به من «فشلة»، لا ندري كيف لم يتوقعوها!
أحمد الصراف
د. حاكم نريد بالمكث… ما تريد بالحث
استمعت الى المحاضرة القيمة التي ألقاها الدكتور حاكم عبيسان رئيس حزب الامة يوم الخميس الماضي والتي برر فيها اسباب رفضهم الدخول مع ائتلاف المعارضة الجديد. ومن يستمع الى حديث الدكتور حاكم وتنظيره للقضايا والمواقف من ناحية شرعية وربطها بواقع الحال الذي نعيشه اليوم، لايملك الا ان يكبر في هذا الرجل سعة افقه وعلمه في الجوانب الشرعية والتأصيل الشرعي. ولقد بين الدكتور في خطابه ان السبب الرئيسي في رفض المشاركة بالائتلاف هو ان منهج الائتلاف يدعو الى الرجوع الى النظام السياسي السابق اي العمل بدستور 62، وهذا مرفوض لأنه عودة الى الوراء وتراجع عن المكتسبات التي حققها الحراك السياسي حتى الآن والمدعومة بتداعيات الربيع العربي!
أنا اعتقد ان كلام الدكتور حاكم سليم في توجهه العام باعتبار ان المفروض بعد كل هذه التضحيات ان يتمخض الحراك عن ديناصور وليس فأراً! ولكن ألا تعتقد يا دكتور ان المفاهيم الشرعية التي ذكرتها تحتاج الى وقت لتهيئة الناس وتقبلهم لها؟ ألا يمكن ان نصل الى المفاهيم التي ذكرتها وطالبت بها من خلال التطبيق السليم لدستور 62؟! خذ مثلا مفهوم «نرفض ان تكون السلطة اقوى من الشعب ووصية عليه»، الا يدعو الدستور الحالي الى هذا المفهوم «الامة مصدر السلطات – مادة 6؟!»، خذ مثالا لمفهوم آخر بعد ان ذكرت رفضك للدستور الحالي بحجة انه «يشترط موافقة الامير لتعديله»، الا تعتقد ان الدستور الحالي يعطي للشعب سلطة اقوى من سلطة الامير نفسه؟ من الذي يختار الامير؟ أليس هو الشعب الذي يشتAرط الدستور موافقة ممثليه على تعيينه ولياً للعهد؟! واذا اقر نواب الشعب قانونا ورفضه الامير، الا يملك ممثلو الشعب ان يمرروه باغلبية خاصة دون موافقة الامير؟! وفي حالة عدم توافر هذه الاغلبية الخاصة أليس في وسع المجلس ان يصبر عدة اشهر ثم يمرر القانون بأغلبية بسيطة ويصبح القانون نافذا منذ التصويت عليه دون الحاجة الى موافقة الامير؟!
عزيزي الدكتور حاكم، المشكلة ليست في الدستور، المشكلة في من يطبق الدستور! وانا اعتقد باننا نستطيع ان نحقق كل ما نريد من خلال هذا الدستور ان اردنا وعرفنا الطريق الى تحقيقه، حتى تطبيق الشريعة نستطيع ان نتمكن من الوصول الى حالة الكمال فيها ان اردنا! فالدستور يقول: «دين الدولة الاسلام والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، ومعنى رئيسي اي لا أذهب الى المصادر الثانوية الا ان تعذر علي الحصول على حكم بالمصدر الرئيسي! ثم لنفرض ان الشعب من خلال ممثليه بالمجلس قرر اصدار قانون اسلامي او تعديل قانون غير اسلامي، من يستطيع ان يمنعه؟! اثبتنا ان الدستور يعطي المجلس صلاحيات اقرار ما يريد حتى لو رفضت السلطة ذلك، اذن اين الخلل؟!
الخلل يا دكتور في قانون الانتخاب الذي يفصل بطريقة تتمكن فيه الحكومة من السيطرة على الاغلبية داخل مجلس الامة! لذلك الاولوية يجب ان تكون في تغيير هذا القانون حتى يصل الى المجلس من يمثل الشعب حقيقة وليس من يمثل عليه!! ولهذا السبب استماتت السلطة كي يأتي مجلس بوصوت واحد من خلال تغيير آلية التصويت في قانون الانتخاب.
دكتور حاكم.. المعركة المقبلة بين تيارين: تيار يريد ان يلغي هذا الدستور، الذي يعطي للشعب صلاحيات اقوى من السلطة، ويأتي بدستور مقلم الاظافر يجعل السلطة صاحبة الكلمة الاخيرة تحت قبة عبدالله السالم! وتيار آخر يريد ما تريده انت، يريد تطوير العمل البرلماني والسياسي من خلال المحافظة على وجود اغلبية واعية تحقق هذا الهدف! لكن اليوم اصبح الهدف ليس التطوير بل اولا المحافظة على الموجود الذي من خلاله اطور واقفز للامام. لذلك اعتقد ان خروج حزب الامة من الائتلاف سيضعفه ويضعف الائتلاف! وسيؤخر تحقيق الهدف الذي تريده انت بالحث والعجلة ويريده الائتلاف بالمكث والتأني! ارجع الى الجماعة ومن داخلها، حاول ان تقنع الآخرين بافكارك فهم اقرب الناس للتوافق معك وان عجزت عن اقناعهم فلن تتمكن من اقناع غيرهم، فاصبر واحتسب فلعل في رأيهم الحق الذي لم يظهر لك بعد! انا اعلم ان الدستور الحالي ليس هو الطموح الذي ننشد، لكن الظروف اليوم تستلزم علينا المحافظة عليه باعتباره الحد الادنى المقبول.
نفر… كبير!
تُرى، ما الذي يمكن أن يحصل حينما تتحدث الشخصيات البحرينية من تجار وعلماء دين وأساتذة جامعات وإعلاميين وكتّاب وينقلون إلى كبار المسئولين في الدولة حقيقة الأوضاع في البلد؟ وما الذي يريده المسئولون؟ هل يريدون الإصغاء فقط لكلمات الترحيب والمديح والإطراء، وأن كل شيء على ما يرام مصحوباً بقائمة مملة متعبة مجوّفة من العبارات المكرّرة ذات الطابع النفاقي؟ أم يريدون من أولئك أن يكونوا على مستوى المسئولية الوطنية وأن يتحدثوا بصراحة، وينقلوا هموم الناس ومعاناتهم وشئونهم دون استخدام مفردات التملق السيئة؟
ثم، ما الذي يمكن أن يصيبهم فعلاًً إذا فعلوا ذلك لوجه الله ومن أجل الوطن والمواطن؟ وهل من المعقول أن كبار المسئولين لا يستمعون فقط إلا لكلام دغدغة العواطف؟
وإذا قال قائل: «المناصحة في السر»، من قال له إن الناصح بإمكانه الوصول «بالسر» والجلوس مع كبار المسئولين «بالسر» ومناصحتهم «بالسر»؟ وكيف أيقن أن الأبواب مفتوحة فعلاً وليست مجرد تصريحات صحافية؟.
بصراحة، وأرجو من الجميع أن يمعنوا النظر فيما سأقول، هو أننا في المجتمع البحريني، ومع شديد الأسف، وجدنا في «بعض» الشخصيات البحرينية سلبيةً لا مثيل لها، وقلّما.. أقول قلّما.. تجد واحداً منهم، حين يلتقي بكبار المسئولين في الدولة، ينقل الحقائق ويتحدّث عمّا يصلح العباد والبلاد؟
«كلش كلش.. يراكض على روحه وعلى ربعه!» وهذا فعل شائن قبيح وقد انتشر بشكل كبير، وأصبح المواطنون، من الطائفتين الكريمتين ومن كل الطبقات، يشعرون بأن هناك مداً متوالداً هو ذاته، يصل إلى المسئولين، وبدلاً من الكلام النافع، يكتفي بالتطبيل!
ألا تحتاج البلد، ويحتاج كبار المسئولين، إلى من يكون صادقاً في ولائه لهذه البلاد العزيزة ويسعى لخيرها وخير أهلها جميعاً، ويمتلك الشجاعة لوجه الله، لكي يقول الحقائق التي «تُعمّر» ويترك النفاق والتملق الذي «يُدمّر»؟ أليس من الخطأ الجسيم أن يشجع بعض المسئولين نماذج التمصّلح وذوي الولاءات الوطنية التجارية الذين لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية ومصلحة من يلف لفهم؟
يبدو المشهد في غاية «الوجع»، حين تجد شخصيات بحرينية لها مكانتها، تجلس في حضرة مسئول كبير ولا ينطق لسانهم إلا بما يرون أن فيه «السلامة»!
فإذا غضب المسئول، حسب ظنهم، فعليهم السلام؟! يا جماعة، ليس بالضرورة أن تتقيد شخصيات عليها مسئولية شرعية ودينية ووطنية بفكرة أن هذا المسئول قد يذيقهم الويل إن قالوا قولاً صريحاً عن أوضاع الناس.
أصلاً المسئول الصادق الحريص على الوطن يهمه أن يستمع بكل صراحة إلى الحقيقة، لا إلى النفاق والتلوين والحرص على تحقيق مكسب شخصي، والمسئول الذي يقرب أولئك النفر إنما يشجّع شكلاًً من أشكال الفساد.
نصيحتي لهذا النوع من المسئولين:
شخصيات النفاق… أقصى ما تستطيع فعله هو أنها «تكشخ وتتزقرت ليك… وتقص عليك).
***
يستطيع بعضهم أن يتحدّث عن الأوضاع السيئة جداً في «هونولولو»، ويخطب آخر على منبره ويبكي على الأوضاع في «الواق واق»، ويقتحم أحدهم، وبكل شجاعة أوكار الدعارة في لاس فيغاس، ويزبد رابع في الصحافة وفي المجالس عن معاناة الناس في «كنفاشاريا»، ويبكي خامس على الفساد في «باتستونا»، لكنه «ما عمره» تحدّث عن معاناة أهل بلده؟ وصدق صاحب الأهزوجة الشعبية :»راحت رجالٍ ترفع الدروازة.. جتنا رجال المطنزة والعازة.. راحت نساءٍ همها في عيشتها.. وجتنا نساءٍ همها في كشتتها».
***
أما المستشارون في الوطن العربي، وعموم الدول الإسلامية، فهم في غالبهم، بعيدون عما يمليه عليهم دورهم الحقيقي!
بالمناسبة، قرأت للكاتب غسان شربل مقالاً جميلاً بعنوان: «مستشار حليف الإعصار»، ولعل القارئ الكريم يتلقى الفكرة بكل دلالاتها من فقرة واحدة كتبها شربل تقول: «ليتنا نعرف ما قال المستشارون للحكام الذين دهمهم الإعصار.. ليتنا نعرف ما دبّجه قادة الأجهزة قبل وصوله! سألت السيد المستشار إنْ كان نَصَحَ الحاكم، فأجاب مبتسماً: كنت أحاول أن أمرّر إشارات خجولة وبعيدة لكنها لم تستوقفه، والحقيقة أنه اختارني لأمدحه لا لأنصحه. أشعرني منذ اللحظة الأولى بأنه يعرف ما لا أعرف، وبأنه جائع دائماً إلى المزيد من المدائح.
يخطئ الحاكم حين ينام على حرير التقارير ومدائح المتملقين. الطمأنينة المفرطة تعني انتظار الانهيار. والمستشار الذي أعماه الولاء الكامل…
حليفٌ للإعصار».
جمعية الرفق بـ .. شركات الطيران!
حضرت في دبي قبل أمس مؤتمر «قمة اقتصاديات النقل الجوي العربي»الذي حضره مديرو منظمات الطيران المدني العربي ورؤساء شركات الطيران العربية التقليدية وذات التكلفة المنخفضة، وممثلون عن مفوضية الاتحاد الأوروبي، للحديث عن أمور عدة أهمها التحديات التي تواجهها شركات الطيران العربية والخليجية في الاتحاد الأوروبي وما قد يصدر عن مفوضيته من قرارات ضد ما يسمى بالدعم الحكومي لشركات الطيران الخليجية والعربية وضرورة خلق أجواء «منافسة عادلة»، التي يرى البعض ان المقصود بها هو الشركات الخليجية الثلاث الكبرى التي تشهد عمليات نمو سنوية تفوق 12% بينما تدنى نمو شركات طيران الاتحاد الأوروبي (الحكومية والخاصة وذات التكاليف المنخفضة) الى ما يقارب الصفر بالمائة، مع حقيقة ان القرارات العقابية ان صدرت فستشمل الجميع وليس فقط تلك الشركات الثلاث التي قد تكون هي المتضرر الأقل كونها حصلت منذ وقت مبكر على الدعم حيث حدثت أساطيلها وتوسعت أعمالها.
***
وقد رد السيد عبدالوهاب تفاحة الأمين العام لاتحاد النقل العربي على دعاوى الاتحاد الأوروبي بالتساؤل عن حقوق «المستهلك الأوروبي» في الاختيار الحر بين الشركات والذي ستحد التشريعات الأوروبية القادمة منه، كما تساءل السيد حسين دباس نائب الرئيس الإقليمي لمنظمة «الأياتا» عن السبب في حصر وقصر التشريعات العقابية الأوروبية على قطاع النقل الجوي فقط بينما لا يوجد مثلها تجاه قطاعات النقل الأخرى كالقطارات والباصات وحتى السفن حيث تم الاكتفاء قبل فترة قصيرة بإرجاع قيمة تذاكر السفر للركاب بعد ان غرقت رحلة «كروز» المليئة بالمسافرين على احد الشواطئ الأوروبية.
***
وكانت لنا مداخلة تساءلنا فيها عما اذا كانت هناك حقيقة «منافسة عادلة» وعدم وجود أي «دعم حكومي» في ظل الدعم الحكومي الذي حظيت به شركات الطيران الأوروبية بعد أحداث سبتمبر 2001 وإبان البركان الآيسلندي، والشركات الأميركية بشكل عام بعد انهيارات عام 2008 واستمرار العمل بقانون الحماية من الإفلاس (شابتر 11) الذي تمنحه «الحكومة الأميركية» لشركات الطيران وغيرها من شركات مهددة بالإفلاس، ولا يوجد مثله في المنطقة العربية، وأضفت أن الأجواء الزرقاء المفتوحة التي يدعى لها هي أشبه بالبحار والمحيطات الزرقاء المفتوحة التي تساعد على ان تتغذى ـ بحرية تامة ودون رحمة ـ الأسماك الكبيرة على الأسماك الصغيرة، ولا مجال للمنافسة والبقاء بين شركات أوروبية عملاقة وافرة الموارد وكثيرة المحطات والسكان، وشركات طيران عربية وخليجية صغيرة يراد لها ان تحرم في النهاية من أدنى عناصر ومستلزمات البقاء.
***
آخر محطة: شركات الطيران بشكل عام وهي تقدم خدمة للإنسانية كأفضل وأسرع وسيلة نقل، وللاقتصاد وللثقافة والفكر عبر تسهيل تقارب وتمازج الحضارات تحتاج الى تشريعات داعمة ـ لا محاربة ـ من قبل السلطات الثلاث في الدول، و«الكويتية» في موروثها الصعب القائم تحتاج الى ان يلتف الجميع حولها خاصة انها كانت وستبقى ملكا للشعب الكويتي قاطبة حتى لو بيع جزء منها كما نص على ذلك قانون خصخصتها.
حلم الموت في جزيرة
بعد أن نجح علماء الغرب في فك الشفرة الوراثية، وتحديد والدي الجنين من خلال فحص الـ«DNA»، والقدرة على التحكم في الإنجاب، إن سلباً من خلال حبوب منع الحمل، أو إيجاباً بالإخصاب، وبعد أن نجحوا في تحديد جنس الجنين، والتحكم مسبقاً في مواصفاته من طول وذكاء ولون عيون، إلى غير ذلك من مكتشفات طبية عظيمة، أصبح الآن بالإمكان، ومن خلال اختبار دم يكلف 700 دولار، معرفة، أو تحديد السن الذي سينتهي فيه العمر! فمن خلال قياس نهائيات الكروموسومات، التي تسمى بال (Telomeres) التيلومرز، يمكن معرفة ما تبقى من عمر شخص ما. فكلما كانت التيلومرز قصيرة كلما كان العمر أقصر، علما بأن حجم التيلومرز لا يمكن، ضمن المعطيات الطبية الحالية، إطالته لكي يطول العمر. والتيلومرز هي أطرف الكروموسومات، أو مقاطعها التي تحميها من التآكل أو الاندماج مع بعضها البعض.
سيتسبب هذا الإنجاز الطبي، أن أصبح شائعا، أو إجباريا، في تعقيدات كثيرة، ليس فقط بالنسبة لصاحب العلاقة، بل وأيضا للجهات التي يتعامل معها كشركات التأمين والضمان الاجتماعي والصحي، فجميعها تعتمد في عملها على إحصاءات وجداول اكتوارية، ومعرفتها بموعد الوفاة قد يغير كثيرا من قراراتها. كما أن أي شركة سوف تتردد كثيرا في تشغيل من ترى أنه لن يعيش طويلا لينتج أكثر ويغطي ما صرف عليه من تدريب، والأمر ذاته سيسري على الجيوش وربما الجماعات الإرهابية التي يمكن أن تحصل على من هم على استعداد للقيام بتفجير أنفسهم في أهداف محددة والفوز بالحور العين مثلا، ان تبين لهم أن العمر لن يطول بهم! كما يصبح الأمر مدعاة للحرج في عقود الزواج، حيث سيتحول الاهتمام من قصر أو طول أعضاء معينة، لقصر أو طول التيلومرز!
ولا شك أن لهذا الاكتشاف حسناته الطبية العظيمة، وسيفتح الباب لإيجاد علاج لأمراض مستعصية كثيرة، ولكن ردود الفعل عليه متباينة، وبسؤال البعض عن رأيهم في هذا الكشف الطبي الخطير قالوا إنهم يفضلون ألا يعرفوا متى سيموتون، وأنهم يودون عيش حياتهم كما هي دون هواجس. وقال آخرون إنهم يودون معرفة متى سيموتون، أما أنا فإنني سأدفع مبلغ الـ700 دولار، وأعرف متى سأموت، دون أن أهتم بمتى سأبعث حيا! والسبب أنني ميت ميت، فلم لا أعرف متى، حيث سيسهل علي ذلك ترتيب أمور حياتي وعلاقاتي مع الآخرين وغير ذلك، بحيث لا يفاجأ أحد باختفائي. وربما سأختار العيش فيها ما تبقى لي من عمر في جزيرة جميلة نائية معتدلة المناخ، لأموت وحيدا، وأنا أسير على شاطئ البحر، وبالتالي أتجنب الدفن في حفرة تحت شمس لاهبة، ولا أتعب أحداً بمراسم عزائي!
معذرة لهذه النهاية الغريبة، وأرجو ألا تكون قد خربت استمتاعكم بتناول فنجان قهوة الصباح، مع تمنياتي لكم بعمر مدييييييد!
أحمد الصراف