سامي النصف

الخارطة الزرقاء لـ.. المركز المالي!

أوضاعنا ومنذ سنوات عدة مختلفة عما يجري في العالم أجمع، وقد يكون اختلافنا عن العالم هو سبب تخلفنا الذي يشتكي منه الجميع ويشارك به ـ يا للعجب ـ الجميع، فإن قرر العالم ان بناء المباني يبدأ من الأسفل، قررنا ان هذا لا ينطبق علينا «لخصوصيتنا الكويتية» وان على مبانينا ان تبنى من أعلى دون ان نعطى مبررا لهذا الاستفراد، وهل يعني اختلافنا عن باقي الخلق ان نأكل على سبيل المثال من أنوفنا ونتنفس من أعيننا؟!

***

علم الآباء المؤسسون للكويت القديمة بذكائهم وحكمتهم ـ لا بشهاداتهم المضروبة ـ ان كويت المركز المالي هي الوسيلة الوحيدة للعيش والبقاء، حيث لا زرع ولا ضرع ولا أنهار ولا أمطار في الكويت، بل صحراء جافة قاحلة تعتبر الأكثر سخونة في العالم، بينما تتمتع الدول المجاورة لها بالأنهار واعتدال الطقس والزراعة وكان مفترضا طبقا لذلك المعطى ان يهاجر الكويتيون لدول الجوار لا العكس.

***

لقد استوعب الآباء المؤسسون حكاما ومحكومين حقيقة متطلبات واستحقاقات المركز المالي للكويت ومنها:

(1) وجود الحريات الاجتماعية والسياسية وانعدام التعصب والانفتاح الإيجابي على الحضارات والديانات المختلفة، لذا ارتحل المقموعون من الدول الثرية المجاورة للكويت وليس العكس، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

(2) عدم وجود ضرائب باهظة على السكان او البضائع في وقت فرضت فيه الدولتان العثمانية والصفوية ومثلهما باقي إمبراطوريات العالم الضرائب الباهظة على شعوبهم لتمويل حروبهم.

(3) الاهتمام بخلق أحد أكبر «أساطيل النقل» في المنطقة، حيث كان أسطول السفن الكويتية الذي كانت أعداده تتجاوز عشرات الآلاف من السفن الصغيرة والكبيرة، قصيرة وطويلة المدى، هو الركيزة الأساسية للمركز المالي الكويتي الذي عاشت على إيراداته الكويت لقرون عدة، ولولا ذلك الأسطول الذي يتم تجديده وتحديثه تباعا لانقرضت الكويت وضمت لإحدى دول الجوار.

***

تلك الركائز والحقائق والبديهيات التي علم بها الآباء المؤسسون قبل 4 قرون وسبقوا بها سنغافورة وهونغ كونغ ولوكسمبورغ والبهاما وباقي دول الخليج، أصبحت لاحقا هي ركيزة جميع المراكز المالية الناجحة في المنطقة وخارجها من تسامح وتقبل الثقافات المختلفة وخفض الضرائب وخلق أساطيل ضخمة تتمثل في طائرات متعددة الأحجام لخدمة تلك المراكز، وتلك المعطيات التي صدرناها للعالم نسينا ان نستوردها لاحقا منهم، كي نعلم ان حلم المركز المالي لن يتحقق دونها ولا فائدة من فوائض أموال تعتمد على مداخيل النفط الناضب والمورد الوحيد للدولة.

***

آخر محطة: (1) بديهية أقرب لشروق الشمس من الشرق، لا مركز ماليا دون شركة طيران كويتية عملاقة كحال الجيران، تمتلك طائرات حديثة تنقل المواطنين والمستثمرين والسائحين والمقيمين والزائرين والبضائع لمشارق الأرض ومغاربها، ودون ذلك سترجع الكويت صحراء قاحلة متى ما اختفت او انخفضت مداخيل النفط في وضع أسوأ مما بدأنا به قبل 4 قرون من الزمن.

(2) بديهية أخرى أقرب لغروب الشمس من الغرب، لا شركة طيران كويتية تسعد الشعب الكويتي وتخدم المركز المالي، حلم القيادة السياسية والبديل الوحيد للنفط، دون تسابق حكومي ـ نيابي لدعم متميز للشركة في حلتها الجديدة، ومن غير ذلك ستعلن وفاة «الكويتية» بـ «السكتة المالية» التي قتلت كثيرا من الشركات قبلها!

 

حسن العيسى

ماذا سيخسر الليبراليون أكثر؟

من مقال "الانتفاضة العربية وأوهام الدولة الدينية" للأستاذ مسعود الظاهر في جريدة النهار اللبنانية قبل أكثر من عام، ختم الكاتب مقالته بهذه الفقرة: "لاتزال العصبيات الدينية والقبلية حاضرة بقوة في المجتمعات العربية، ولاتزال الدولة الديمقراطية مفهوماً ضبابياً في عالم عربي محكوم بالذهنية الدينية والقبلية، ومع إصرار القوى السياسية الحاكمة في دول عربية منتفضة على تطبيق الشريعة الإسلامية تراجعت مفاهيم الحرية، والوطن والمواطنة، والسيادة، وحقوق الإنسان العربي الفرد، وباتت مؤسسات الدولة العصرية مهددة بالزوال، وعاجزة عن ممارسة الديمقراطية دون مشاركة الديمقراطيين في معركة شرسة لحماية أنفسهم ووطنهم، فانتشار الوعي الديمقراطي لم يخفف من الوعي الديني بل زاده صلابة في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الدول العربية المنتفضة، وهي قوى إسلاموية سلطوية لا تستطيع إقامة التعارض مع السلطة الدينية، وتحديداً مع سلطة المرشد الديني أو سلطة ولاية الفقيه، فالمؤسسة السياسية في الدول العربية المنتفضة اليوم هي امتداد للسلطة الدينية التي تتمتع بصلاحيات واسعة للرقابة على الناس والكتب والفنون والمطبوعات والمسرح والأغاني والنوادي الفكرية، فهناك اليوم تصادم حاد وجذري بين قوى إسلاموية استغلت الانتفاضات الشبابية لتحاول بناء دولة إسلامية تتعارض جذرياً مع أهداف تلك الانتفاضات، وبين قوى ديمقراطية عريضة تواجه بصلابة المد الإسلاموي الذي يستخدم العنف السلطوي باسم الإسلام السياسي، وهي معركة مصيرية تطال حاضر العرب ومستقبلهم".
يشترك الكثير من المثقفين العرب مع الأستاذ مسعود الظاهر في قلقهم المشروع من المستقبل القادم للدول العربية، وكأن لسان حالهم يقول "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، الرمضاء هي صحارى النظم العربية الحاكمة (أو التي كانت حاكمة) والنار التي قد يستجيرون (أو استجاروا فعلاً) بها هي الأنظمة الثورية التي تلبس العباءة الدينية، إذن حسب هذا الرأي، تصبح قضية الحريات والديمقراطية ليست هي أزمات "أنظمة حكم" فقط، بل هي أزمة مجتمعات عربية يهيمن عليها بالأساس الهوية القبلية والنزعات الدينية الطائفية.
فحين يزول النظام السوري فرضاً، فالبديل هو جبهة النصرة وجند الشام، وهما صور متجددة للعرب الأفغان، فأين الحل بفرض عدم تفكك الدولة السورية إلى دويلات طائفية وعرقية؟! هل يتعين على الحالمين بالحريات والكرامة أن ينتظروا عشرات وربما "مئات" السنين حتى يتبلور الوعي بالانتماء للدولة وبهويتها الوطنية، أم عليهم أن يتجرعوا مرارة أنظمتهم الحاكمة لأن البديل أسوأ؟!
خطورة مثل هذا الرأي أنه يبرر ضمناً "شرعية" بقاء واستمرار الأنظمة العربية السائدة، ويبرر من جهة أخرى كل الإجراءات القمعية التي تتخذها هذه الأنظمة ضد المخالفين، هذا القمع لا يفرق بين صاحب لحية وحليق، وبين ليبرالي ويساري، وبين إسلامي معتدل وآخر متطرف، فهم على مسطرة واحدة عند الحاكم، عندها تصبح كل محاولة لنصح النظام الحاكم والدعوة إلى إصلاحه جريمة كبرى ضد أمن الدولة وهيبة الحكم.
لنقر بأن الحالة العربية ستمر بمخاض طويل، يختلط فيه الداخل بالخارج، مصالح الدول الكبرى وتفكك الداخل الذي لم يقم أساساً على مفهوم الدولة الأمة، وإنما كان مجرد ترتيبات حدودية رسمها المستعمر الإنكليزي– الفرنسي على رمال الصحراء سابقاً، وتصونها اليوم "الولايات المتحدة"، وأن الطريق أمام شعوب المنطقة بقبائلهم وطوائفهم للوصول إلى عالم متطور وحر مازال طويلاً وشاقاً، لكن لابد من بداية ما للتغيير، فهذه الأنظمة ترفض كل محاولات الإصلاح، وتصر على تقنين الجمود السياسي والفساد المالي، وما الذي يخشاه المثقفون الليبراليون في النهاية، فليس هناك أسوأ من جمود الانتظار.

مبارك الدويلة

الليبراليون في الكويت… ماذا يريدون؟

يبدي بعض الزملاء الليبراليين عندنا بين فترة واخرى امتعاضهم من مظاهر ضيقة الخلق في الكويت! والذي يعيش في الكويت ويشاهد طبيعة الحياة الاجتماعية يشعر بان هؤلاء الليبراليين يتحدثون عن مجتمع آخر وليس الكويت. ألا يشاهد هؤلاء الاختلاط المخجل في الشوارع والاسواق والاماكن العامة؟! الا يشاهدون التبرج الفاضح في لباس كثير من النساء في هذه الاماكن؟! الا يسمعون عن الحفلات الغنائية التي تعلن عنها الفنادق والمتنزهات بين الحين والآخر؟! الا يلاحظون غض الطرف عما يمارس في بعض الشاليهات والجواخير والمزارع من منكرات بحجة المحافظة على خصوصيات الناس؟! الا يشاهدون القنوات الفضائية بكل ما فيها من جميل وقبيح تدخل في كل بيت من دون رقيب او حسيب؟! الا… والا… والا….؟!! اذن ماذا يريد هؤلاء الليبراليون؟! انا شخصيا استمعت الى الاجابة من احدهم والذي دائما يفتخر بعلمانيته وليبراليته في مقالته قبل يومين، عندما ابدى استياءه من احتفالنا بالكويت بعيدي الاضحى والفطر، ولا نحتفل باعياد الهندوس والبوذيين والمجوس؟! هل يوجد اكثر من هذا التطرف في التفكير؟ ألم يكتف. صاحبنا الليبرالي باحتفالنا كل عام بعيد الحب وعيد الكريسمس وعيد رأس السنة وما يصاحب هذه الاحتفالات من خروج عن المألوف؟! احد هؤلاء طالب في احدى مقالاته بعدم التفرقة بين انتظار النساء وانتظار الرجال في المستوصفات، واعتبر هذا مظهرا من مظاهر التخلف! وين بيوصلونا الجماعة؟ تلاعبوا بقضية المرأة وزجوها في كل الميادين وحشروها حشرا مع الرجال بحجة انتزاع حقوق المرأة! وعندما تأتي الجمعيات النسائية الاسلامية تطالب بحقوق المرأة المدنية والاجتماعية يعترضون عليها، ويعتبرون هذه ردة وتخلفا وعودة بالمرأة الى العصور الوسطى!
ايها الليبراليون… قولوها ولا تختشوا (فاللي اختشوا ماتوا) نريدها سمردحه! لا حسيب ولا رقيب!
* * *
استقالة وزير التربية غريبة عجيبة…!
انا اعرف المسؤول يستقيل اذا شعر بانه يتحمل مسؤولية ما حدث، لكن جميع المؤشرات تقول ان الوفاة قضاء وقدر، وانها سكتة قلبية مفاجئة، اذن اين الشعور بالمسؤولية؟ واين الجانب السياسي بالموضوع؟!
رحم الله الفتاة وغفر لها واعان اهلها على الصبر والاحتساب.
* * *
• عندما يكتب الصحافي لفكره ومبدأ يؤمن به، فانه سيكون محترما ومقدرا عند قرائه، ولكن عندما يكتب وفقا لما يطلب منه، ووفقا للتدفقات النقدية فان «طقته ببيزه»!
اللهم لا شماتة ورحم الله بن شريم:
«كنك سراجن في اوسط الحوش شبوك
ولما قضى اللازم حدا الربع طفاك».

سعيد محمد سعيد

أدخلتم السرور على «إسرائيل»!

 

هكذا يبدو المشهد في العالم العربي والإسلامي… المسألة أكبر بكثير من صراع مذهبي بين سنة وشيعة… أو بين الإخوان المسلمين وسائر التيارات… أو بين تيارات سياسية في الوطن الواحد… فمهما تعددت الأسباب المعلنة وكبرت واتخذت عناوين فضفاضة؛ فإن ما يحدث في وطننا العربي، خلاف المطالبات المشروعة بالحقوق والعدالة والنضال من أجلها… كل ما يحدث غير ذلك، هو إدخال السرور على «إسرائيل» التي تشرب نخب فرحة الانتصار وهي تشاهد العرب يتقاتلون ويدمرون بلدانهم من أجل أمنها هي… استقرارها هي… سلامتها هي… هي ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية.

العرب، سواء من الحكومات الموالية لأميركا، أو المجاميع الشعبية التي تقودها جماعات وشخصيات ورموز موالية لإسرائيل وأميركا بخداع الشعارات والأموال والوعود الضخمة؛ يمرون بمرحلة غاية في الخطورة، وهي باختصار أخطر من خطورة عملية السلام والاستسلام! هي اليوم يمكن تسميتها بمرحلة الانبطاح لتدوس اميركا واسرائيل على بلاد العرب (أوطاني)… من الشام لبغدان، ومن نجد الى يمن الى مصر فتطوان!

من حق كل الشعوب العربية أن تطالب بحقها وتنتزعه انتزاعاً من الحكومات المستبدة، أيّاً يكن انتماء حكوماتها المذهبي، ومن حقها أيضاً أن تشارك في صنع القرار السياسي وفق مشاركة دستورية تضمن للجميع حقوقهم وتضمن في الوقت ذاته العدالة الاجتماعية والاستقرار والسلم الاجتماعي، لكن أن تتدخل دول وتضع قبضتها بقسوة فتحرك من تحرك وتصرف من الملايين ما تصرف وتسلح وتفتح الساحة لاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، وتنقل هذا الاقتتال لاحقاً الى دول جوارها، وتُطعم وتُسمن وتُسلِّح حملة السلاح من الإرهابيين والمرتزقة ومصاصي الدماء، فهذا دون شك، لا يمكن أن يكون حماية للدين الإسلامي ولأمة الإسلام! هي حالة من (حفلة زار) تُطرب اسرائيل والغرب في حرب بالنيابة عنهما وعن أميركا وعن مصالحها في المنطقة… هي حرب على الأمة بسفك دماء أبنائها بيد بعضهم بعضاً وليست حرباً ضد الكيان الصهيوني.

ما يحدث في منطقة الخليج العربي، وفي العراق وسورية والسودان ولبنان واليمن ومصر وبلاد المغرب العربي، بل وفي باكستان والشيشان وإيران… أضف الى كل ذلك (دولاً قابلة للضم)، هي عملية استغلال لحركة الشعوب العربية المطالبة بحقوقها ضمن موجة (ربيع المطالبة بالحقوق وبناء الأوطان)، لتخرجها من مسارها الذي لا يعجب الغرب المتشدق بالديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والتقدم… فتلك أمور يهتم بها الغرب وأميركا تحديداً لشعوبهم فقط، لا لشعوب العالم العربي والإسلامي وليست ضمن دعواتها في دول العالم الثالث أصلاً… ولهذا، كان شيخ الأزهر أحمد الطيب محقّاً حين قرأ مبكراً في يناير/ كانون الثاني من العام 2011 الشرور التي ينويها الغرب! ففي لقائه مع وفد من مجلس الشئون الخارجية الأميركية بحضور 23 شخصية بارزة من أعضاء المجلس برئاسة الأميركي هاورد كوكس، صرح بشكل مباشر، بأن هناك مخططاً صهيونيّاً يهدف الى تمزيق العالم العربي (حتى تصبح إسرائيل هى الدولة الكبرى والمتحكمة فى المنطقة).

وبالتأكيد؛ هناك دول في المنطقة اتخذت قرارها بأن تكون عوناً للأميركان في سبيل ضمان أن تقوى الدولة الصهيونية وتتقدم، وتتمزق الأمة العربية وتتهاوى! فلم نجد من تلك الدول أية مواقف واضحة ضد الحملات الغربية المستمرة التي بدأت بالإساءة الى الدين الإسلامي ولنبي الأمة محمد «ص» برسوم كارتونية وأفلام وكتب، فيما كان دورهم مرضياً لأميركا ولإسرائيل بإشعال الفتن والاقتتال الدموي بين أبناء الأمة! ولم يكن لتلك الدول دور حقيقي تجاه القضية الفلسطينية ومجازر غزة وتهويد القدس وانقسام السودان، لكنها قوية جدّاً وجاهزة لتقسيم المنطقة العربية وتنفيذ المخططات الأميركية لصالح اسرائيل.

الدول العربية والإسلامية عليها مسئولية تاريخية اليوم، وهي أن تتحدى أعداءها الذين جعلتهم أصدقاء لها واستسلمت لهم! وليس أفضل من أن تقترب من شعوبها وتحقق مطالبها الدستورية المشروعة التي تصب لصالح الأوطان والمواطنين لا لصالح أميركا واسرائيل، ولا أدري، هل سيتمكن شيخ الأزهر من تحقيق أفكار طرحها مع الأميركيين أو سيسمحون له بتنفيذها أم هي مجرد حبر على ورق حالها حال كيان الجامعة العربية! فكما قال الطيب، فإن الأزهر الشريف يعمل جاهداً على دعم الوحدة الوطنية وتحقيق التقارب بين المذاهب الإسلامية ومد جسور التفاهم والتلاقي بين الإنسانية… وهي كلمات لها وقع طيب في نفوس المخلصين للأمة، وبلا ريب، هي لا تعجب أعداءها الذين يهمهم أن تكتمل الفصول لكي يضاعفوا نخب الانتصار حين، لا سمح الله، يتمكنون من تنفيذ مخططهم الخبيث بتمزيق الأمة بشكل نهائي.

احمد الصراف

الطب والخلق المفقود

يقول نص مرسوم بالقانون رقم 25، بشأن مهنة مزاولة الطب البشري وطب الأسنان والمهن المعادلة لها، وفي المادة 2 منه، بأن على كل مزاول للمهنة تسخير كل معلوماته وضميره وما تقتضيه آداب المهنة لبلوغ هذا الهدف (وهذا ما لا يحدث دائماً)! وأن تقوم العلاقة بين أعضاء المهنة على أساس الاحترام المتبادَل، وتجنب كل مزاحمة «غير مشروعة» (وهذا أيضا غير متوافر، فالمزاحمة غير الأخلاقية على أشدها بين مجموعة معينة من الأطباء، وخاصة من بين «الاستشاريين الكبار»، فهناك مزاحمة غير أخلاقية وغير مشروعة!). كما ورد في المادة 10 من القانون أنه لا يجوز للطبيب أن يقوم بالدعاية لنفسه بأي طريقة كانت (وهذا أيضا غير مطبق من الكثيرين!)، كما لا يجوز للطبيب الذي يمارس المهنة أن يروج لمنتجات أو مؤسسات طبية معينة بدافع المصلحة الشخصية المباشرة أو غير المباشرة (وهنا أيضا لا يوجد تطبيق للقانون ولا تمسك بالقواعد ولا بأخلاقيات المهنة المقدسة!). فلو قمنا بتصفح جرائدنا لوجدنا أن صفحات كثيرة منها تمتلئ بالإعلانات اليومية التي تتكرر طوال العام دون توقف، والتي تتعلق بـ«نحت» الجسم بأحدث طريقة، والمساعدة على الإنجاب، وزرع الشعر الطبيعي، والقضاء على خشونة الركبة، ومعالجة هشاشة العظام وتشخص التهاب الأوعية الدموية، ومتابعة حالات الروماتزم أثناء الحمل وبعد الولادة، ومعالجة دوالي الخصيتين بالمنظار وإزالة أكياس الشعر، والقيام بتقويمات أسنان ثابتة ومتحركة، ومعالجة عقم الرجال، والضعف الجنسي، وتجميل الجلد ومعالجة الانزلاق الغضروفي، وضمان الولادة الآمنة، وإزالة التليفات والأورام من الرحم، وتكميم المعدة، ومعالجة جراحات الفتق، والاهتمام بمسائل ضغط الدم والكوليسترول، وتخطيط التنفس والقضاء على الربو الشعبي، وشفط الدهون من تحت الذقن وإعادة رسم الوجه، وحتى رفع المؤخرة من دون جراحة، وحقن الدهون مع الخلايا الجذعية.. إلى آخر ذلك من إعلانات طبية تزخر بها صحفنا ومجلاتنا وحتى قنوات التلفزيون وأغلفة الكتب والمجلات، الفنية الرخيصة بالذات! كما نجد هذه الإعلانات تغطي مداخل العيادات والمستوصفات وحتى الأسواق المركزية والجمعيات التعاونية وصالونات الحلاقة، ويظهر في بعضها صور لأطباء مشهورين، كان بعضهم يشغل مناصب سياسية عالية، وهم يبتسمون لأنهم ربما يعلمون بأنهم يتحايلون على القانون. كما نجد صورا أخرى لغيرهم بأرديتهم الطبية البيضاء والسماعات الطبية تتدلى على أكتافهم أو يقفون ضمن طاقمهم الطبي والابتسامات «الكاذبة» تظهر على شفاه الجميع.
إن هذه التصرفات أصبحت مؤلمة وغريبة وغير أخلاقية، والدليل على ذلك رفض الكثير من الأطباء الذين يحترمون مهنتهم اتباعها، والترويج اليومي لمهنهم، فما يحدث مسيء للمهنة، ولشرف الزمالة وللقانون، فهل يتدخل وزير الصحة ليوقف هذا التسيب؟ وهل بإمكان الجمعية الطبية القيام بشيء لوقف هذا الخراب؟

أحمد الصراف