علي محمود خاجه

طريق واحد

أُسَلِّم وأقبل دون قناعة، طبعاً، بأننا أخطأنا… ومن شاركوا في الانتخابات الأخيرة كانوا على صواب تحت شعار التنمية والقضاء على التأزيم وديمقراطية أكبر وحياة أفضل وكويت أجمل. وها هو عمر مجلس ديسمبر يبلغ السن المساوية لمجلس فبراير (٤ أشهر) ويكاد يطابقه في أفعاله مع اختلاف الوجوه فقط، فالتأزيم مستمرٌّ، والتنمية وهمٌ، والديمقراطية تتراجع، استجوابات لا تتوقف وتعكس عدم التوافق بين السلطتين، ومنع الناس من حق التقاضي الدستوري بعدم رفع الحصانة عن بعض جبناء المجلس في قضايا لا تمتّ إلى الكيدية بصلة، واستيراد فاسدين من الخارج للعمل كمستشارين لمجلس الأمة، واقتراحات تقطر عنصرية للتمييز بين المواطن والمقيم، ومساع لتعديل قانون الانتخابات دون احترام لرغبة سمو الأمير بأن تكون المحكمة الدستورية هي الفيصل للبتّ في قضية مرسوم "الصوت الواحد". هذا بالطبع يتجاوز سلوك بعض أعضاء الحكومة ممن يتعاملون مع وزاراتهم كملكية خاصة من تعيين للأقارب واستغلال الطائرات الخاصة لرحلات الأهل وغيرها من ممارسات مخجلة. أنا هنا لا أقول إنها ممارسات جديدة علينا بعد مرسوم الصوت الواحد، بل هي استمرار لفساد المجالس والحكومات السابقة، ذلك الفساد الذي قسم الشعب إلى "سأقاطع" و"سأشارك"… وكلامي اليوم لكل من دفع بالمشاركة في انتخابات "الصوت الواحد" وحث الناس عليها، أين أنتم؟ هل تحقق ما ادعيتم بأنه سيتحقق بابتعاد الأغلبية المبطلة؟ هل توقف التمييز؟ هل تطورت الديمقراطية؟ هل تمثلكم ممارسة نواب هذا المجلس؟ قلناها مراراً بأن "الصوت الواحد" أو "الألف صوت" لن يغير من الواقع شيئاً فلم تصدقونا، وفضلتم خوض التجربة، وها هي التجربة تزيد من ضياع البلد دون حل، فماذا تنتظرون؟! لقد كان من الممكن وما زال ممكناً أن نتخلص من معظم سلبيات المجالس والسلوكيات المشينة للأعضاء بالتعدي على الحريات من خلال إقرار قانون واحد فقط، بل هو تعديل بسيط يمنح الأفراد حق التقاضي المباشر أمام المحكمة الدستورية للتصدي لأي قانون سابق أو قادم يتجاوز الدستور ويتعدى على حقوقنا وواجباتنا الدستورية؛ ليكون بذلك صمام أمان لكل فرد مهما كانت تركيبة المجلس. لنتجه ولو لمرة إلى عناصر الخلل الحقيقية بعيداً عن إعجابنا من عدمه بهذا العضو أو ذاك الرئيس، فمساعي إقصاء من لا تعجبنا أطروحاتهم بطرق مؤقتة لن تنفع، وإن غابت بعض الوجوه فالخلل مستمر بوجوه وأشكال وأصوات أخرى. خارج نطاق التغطية: نحتفل بأعيادنا الوطنية بالسفر بعيداً عن هذا الوطن! وكأننا نحتفل بعيد الفطر بالصوم! اقتراح طرحه ابن عمي بأن تكون الأعياد الوطنية المقبلة فرصة لاستحضار ما حدث في عام 1990 من اعتماد المواطن الكويتي على نفسه، فيقوم بتسيير شؤون البلد في المجالات المختلفة خلال أيام الأعياد بمفرده، لتكون بذلك درساً سنوياً متجدداً للكويتيين يذكرهم بالمحنة وكيفية تعاطي أبناء الوطن معها، أعتقد أنه اقتراح جدير بالدراسة.

سامي النصف

حفظ الماضي هو حفظ للمستقبل!

إن كان هناك درس مهم يمكن تعلمه مما حدث عام 1990 فهو ان غياب التوثيق وعدم الاهتمام بالحفاظ على التراث الكويتي يفتح الباب واسعا لمن يريد ادعاء التبعية وتزييف وقائع التاريخ، ولو حرصنا قبل ذلك على الحفاظ على تراثنا وأظهرناه عبر وسائل إعلامنا لكل العالم وجعلناه مزارا لكل زائر للكويت لما تجرأ أحد على تكرار المطالبة الكاذبة بنا.

***

مع تفجر الخير في حقبة الخمسينيات عمدت الدولة وتبعها المواطنون إلى التبرؤ من كل شيء قديم يذكرهم بـ «أيام الفقر»، وهو أمر قد يكون مقبولا على مستوى الأفراد إلا انه مرفوض على مستوى الدول، فبدأت عملية هدم سور مدينة الكويت القديمة الذي كان بإمكانه ان يبقى وتبقى المدينة التاريخية داخله ويكون توسع المباني الحكومية والتجارية في المنطقة الممتدة من السور حتى الدائري الثالث أو الرابع تتلوها المناطق السكنية التي كان لها ان تمتد الى الجهراء شمالا والأحمدي جنوبا، فلا تصبح هناك مناطق داخلية وخارجية، وقد تلا ذلك هدم البيوت والأحياء والأسواق التي تم تثمينها، كما قام المواطنون بدورهم بالتسابق على رمي وحرق مقتنيات بيوتهم القديمة.. ويا لها من أيام!

***

منذ سنوات ومحب الكويت وتراثها السيد أنور الرفاعي يعمل جاهدا دون كلل ودون دعم بل عبر عمل تطوعي ترعاه الشيخة أمثال الأحمد وتدعمه شخصيات مثل سمو الشيخ ناصر المحمد، على الحفاظ على ذاكرة الكويت وتراثها عبر تحويل بيت المحسن الكبير المرحوم عبدالله عبداللطيف العثمان الى متحف تراثي رائع يستحق وبحق ان يزوره الزوار الرسميون للكويت وطلبة مدارسها ومواطنوها ومقيموها بعد افتتاحه رسميا نهاية هذا الشهر.

***

تتبقى الحاجة لأن يدعم ذلك الإبداع والعشق للكويت الذي تحول الى عمل يفخر به البلد وأهل الخليج كافة، حيث ان تراثنا واحد، بتخصيص وقف خيري لتوفير الموارد المالية اللازمة لاستمراره، كما يجب ان تضم اليه مبان تراثية أخرى مثل قصر الشيخ خزعل وديوانه والقصر الأحمر وجميعها تمثل تاريخا مهما من مراحل تاريخ الكويت الذي نسيه بسبب الإهمال الشديد الكويتيون، فما بالك بالآخرين؟!

***

آخر محطة:

(1) ضمن مقتنيات بيت العثمان كتاب بخط اليد مدون فيه أعمال الخير التي كان يقوم بها المحسن الكبير عبدالله العثمان، ونقرأ ضمنها تبرعات لمساجد وأعمال خير في مكة والمدينة ومثلها تبرعات لكنائس وأماكن عبادة في لبنان وغيرها، كما تعكس دعم المرحوم للثقافة والفكر والأدب عبر التبرع لكتّاب إسلاميين وليبراليين وعلمانيين ويساريين دون تمييز، فالمهم الإبداع والتنوع.

(2) نتمنى شراء مقتنيات هواة التراث الكويتي، جزاهم الله خيرا على عملهم الخير، ثم عرضها بعد ذلك في مبان تراثية مثل قصر الشيخ خزعل والقصر الأحمر وبيت ديكسن ودكان الشيخ مبارك في المباركية كي تعم الفائدة، بدلا من محدودية النفع من مقتنيات تراثية لا يراها إلا أصحابها وقد يفرط فيها أقرباؤهم بعد وفاتهم.

(3) وكويت المركز المالي الهادف لاجتذاب المستثمرين والسائحين في حاجة ماسة لخلق سوق للتراث يعشقه الخليجيون والعرب والأجانب، شبيه بسوق خان الخليلي المصري، يخصص لتجار التحف والتراث، أمثال الزميل أحمد شمس الدين وصحبه، بدلا من ترك تلك المحلات في سرداب إحدى العمارات التي لا يعلم بمكانها أحد.

 

احمد الصراف

مرحباً بسراييفو

عاد قبل ايام عدد من أقربائي الحميمين من رحلة علاج في البوسنة، وبالرغم من برودة الطقس هناك، وصعوبة اللغة، إلا أنهم عادوا بانطباعات جميلة وطيبة جدا عن مدينة سراييفو التاريخية، وقالوا إنهم سيعودون لها حتما فقد استفادوا من طرق العلاج فيها، الفيزيوثيرابي، وما تلقوه من أنواع التدليكات المفيدة والتمارين الخاصة بتقوية الركب والمفاصل، وان كل شيء كان افضل مما توقعوا. وقد ساعد في تقليل المشقة عليهم وجود خط طيران مباشر بين الكويت والعاصمة البوسنية، حيث ساهم ذلك في جعل الرحلة أقل إرهاقا لكبار السن منهم ممن يعانون من صعوبة في السير، أو حتى الحركة البسيطة في المطارات الكبيرة. وجدير بالذكر أن الفضل، كما قيل لي، يعود للسفير النشط في البوسنة، السيد محمد خلف، في الإسراع في تدشين خط الطيران المباشر، وهنا نتمنى على الخطوط الكويتية، بإدارتها الجديدة، دراسة جدوى فتح خط مباشر لسراييفو، فعدد المسافرين لتلك المنطقة النظيفة بطقسها والغنية بتاريخها القديم والحديث، في ازدياد مطرد، إن كان للعلاج، الاستشفاء او السياحة، خاصة مع ارتفاع أسعار الخدمات والفنادق في الدول المجاورة، وخاصة تركيا.
دفعني هذا الاهتمام للبحث أكثر في تاريخ البوسنة فوجدتها تمتاز بالكثير، ففي زاوية من عاصمتها، سراييفو، انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى، عندما اقدم متطرف صربي على اغتيال ولي عهد الامبراطورية النمساوية الهنغارية. كما تحتضن المدينة مواقع اساسية لثلاث ديانات رئيسية: «الإسلام»، و«الارثوذكسية، الكاثوليكية» و«اليهودية»، ولكل واحدة منها جذورها الضاربة في عمق التاريخ. والغريب أن مدافن أتباع هذه الديانات تقع في غالبيتها ضمن سياج واحد. وكان تقبل العزاء للجميع، قبل الحرب الأهلية، يتم في مكان واحد. كما شارك ابناء الديانات الثلاث، خلال الحرب العالمية الثانية، في إخفاء كتاب يهودي تاريخي مقدس عن عيون رجال هتلر الذين حضروا خصيصا لمصادرته، والمخطوط معروض الآن في أحد متاحف مدينة سراييفو العديدة. كما أن التسامح بين اتباع الديانات كان السمة السائدة لقرون، ولم تتأثر العلاقة سلبا إلا في العقود القليلة الأخيرة بعاملي الطموح الصربي، والتخوف من التطرف الإسلامي، وكالعادة كان للمتاجرين بالتشدد الديني، من الطرفين، حصتهم في الإثارة والإجرام! ويذكر أن سراييفو كانت المدينة «الشيوعية» الوحيدة التي استضافت دورة ألعاب أولمبية شتوية عام 1984، من خارج الاتحاد السوفيتي. وقد دخل الإسلام سراييفو عن طريق الغزو العثماني للمنطقة في القرن الخامس عشر، وجاء اليهود للعيش فيها بعد ذلك بمائة عام.

أحمد الصراف