سعيد محمد سعيد

نفر… كبير!

 

تُرى، ما الذي يمكن أن يحصل حينما تتحدث الشخصيات البحرينية من تجار وعلماء دين وأساتذة جامعات وإعلاميين وكتّاب وينقلون إلى كبار المسئولين في الدولة حقيقة الأوضاع في البلد؟ وما الذي يريده المسئولون؟ هل يريدون الإصغاء فقط لكلمات الترحيب والمديح والإطراء، وأن كل شيء على ما يرام مصحوباً بقائمة مملة متعبة مجوّفة من العبارات المكرّرة ذات الطابع النفاقي؟ أم يريدون من أولئك أن يكونوا على مستوى المسئولية الوطنية وأن يتحدثوا بصراحة، وينقلوا هموم الناس ومعاناتهم وشئونهم دون استخدام مفردات التملق السيئة؟

ثم، ما الذي يمكن أن يصيبهم فعلاًً إذا فعلوا ذلك لوجه الله ومن أجل الوطن والمواطن؟ وهل من المعقول أن كبار المسئولين لا يستمعون فقط إلا لكلام دغدغة العواطف؟

وإذا قال قائل: «المناصحة في السر»، من قال له إن الناصح بإمكانه الوصول «بالسر» والجلوس مع كبار المسئولين «بالسر» ومناصحتهم «بالسر»؟ وكيف أيقن أن الأبواب مفتوحة فعلاً وليست مجرد تصريحات صحافية؟.

بصراحة، وأرجو من الجميع أن يمعنوا النظر فيما سأقول، هو أننا في المجتمع البحريني، ومع شديد الأسف، وجدنا في «بعض» الشخصيات البحرينية سلبيةً لا مثيل لها، وقلّما.. أقول قلّما.. تجد واحداً منهم، حين يلتقي بكبار المسئولين في الدولة، ينقل الحقائق ويتحدّث عمّا يصلح العباد والبلاد؟

«كلش كلش.. يراكض على روحه وعلى ربعه!» وهذا فعل شائن قبيح وقد انتشر بشكل كبير، وأصبح المواطنون، من الطائفتين الكريمتين ومن كل الطبقات، يشعرون بأن هناك مداً متوالداً هو ذاته، يصل إلى المسئولين، وبدلاً من الكلام النافع، يكتفي بالتطبيل!

ألا تحتاج البلد، ويحتاج كبار المسئولين، إلى من يكون صادقاً في ولائه لهذه البلاد العزيزة ويسعى لخيرها وخير أهلها جميعاً، ويمتلك الشجاعة لوجه الله، لكي يقول الحقائق التي «تُعمّر» ويترك النفاق والتملق الذي «يُدمّر»؟ أليس من الخطأ الجسيم أن يشجع بعض المسئولين نماذج التمصّلح وذوي الولاءات الوطنية التجارية الذين لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية ومصلحة من يلف لفهم؟

يبدو المشهد في غاية «الوجع»، حين تجد شخصيات بحرينية لها مكانتها، تجلس في حضرة مسئول كبير ولا ينطق لسانهم إلا بما يرون أن فيه «السلامة»!

فإذا غضب المسئول، حسب ظنهم، فعليهم السلام؟! يا جماعة، ليس بالضرورة أن تتقيد شخصيات عليها مسئولية شرعية ودينية ووطنية بفكرة أن هذا المسئول قد يذيقهم الويل إن قالوا قولاً صريحاً عن أوضاع الناس.

أصلاً المسئول الصادق الحريص على الوطن يهمه أن يستمع بكل صراحة إلى الحقيقة، لا إلى النفاق والتلوين والحرص على تحقيق مكسب شخصي، والمسئول الذي يقرب أولئك النفر إنما يشجّع شكلاًً من أشكال الفساد.

نصيحتي لهذا النوع من المسئولين:

شخصيات النفاق… أقصى ما تستطيع فعله هو أنها «تكشخ وتتزقرت ليك… وتقص عليك).

***

يستطيع بعضهم أن يتحدّث عن الأوضاع السيئة جداً في «هونولولو»، ويخطب آخر على منبره ويبكي على الأوضاع في «الواق واق»، ويقتحم أحدهم، وبكل شجاعة أوكار الدعارة في لاس فيغاس، ويزبد رابع في الصحافة وفي المجالس عن معاناة الناس في «كنفاشاريا»، ويبكي خامس على الفساد في «باتستونا»، لكنه «ما عمره» تحدّث عن معاناة أهل بلده؟ وصدق صاحب الأهزوجة الشعبية :»راحت رجالٍ ترفع الدروازة.. جتنا رجال المطنزة والعازة.. راحت نساءٍ همها في عيشتها.. وجتنا نساءٍ همها في كشتتها».

***

أما المستشارون في الوطن العربي، وعموم الدول الإسلامية، فهم في غالبهم، بعيدون عما يمليه عليهم دورهم الحقيقي!

بالمناسبة، قرأت للكاتب غسان شربل مقالاً جميلاً بعنوان: «مستشار حليف الإعصار»، ولعل القارئ الكريم يتلقى الفكرة بكل دلالاتها من فقرة واحدة كتبها شربل تقول: «ليتنا نعرف ما قال المستشارون للحكام الذين دهمهم الإعصار.. ليتنا نعرف ما دبّجه قادة الأجهزة قبل وصوله! سألت السيد المستشار إنْ كان نَصَحَ الحاكم، فأجاب مبتسماً: كنت أحاول أن أمرّر إشارات خجولة وبعيدة لكنها لم تستوقفه، والحقيقة أنه اختارني لأمدحه لا لأنصحه. أشعرني منذ اللحظة الأولى بأنه يعرف ما لا أعرف، وبأنه جائع دائماً إلى المزيد من المدائح.

يخطئ الحاكم حين ينام على حرير التقارير ومدائح المتملقين. الطمأنينة المفرطة تعني انتظار الانهيار. والمستشار الذي أعماه الولاء الكامل…

حليفٌ للإعصار».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *