حسن العيسى

حصان طروادة من جديد

هل يتعين على التقدميين الذين عارضوا مجلس الصوت الواحد الاصطفاف مع اقتراح بعض النواب بإلغاء قانون رقم ٢٤ لسنة ٩٦ المحرِّم للاختلاط بين الطلاب والطالبات في التعليم العالي، لأن مثل هذا القانون كان تعدياً صارخاً على حرية الأفراد في اختيار نوع التعليم والحياة الاجتماعية بالجامعات، وأن ذلك القانون، صورة أخرى، وشاهد جديد على مشروع الدولة الدينية الثيوقراطية المضادة للحريات العامة والخاصة، والتي ستقذف بالفكر الإنساني والحداثة ألف عام للخلف، وغير ذلك من أسباب، مثل التكلفة الاقتصادية لذلك القانون وعجز الجامعة (والجامعات) عن تنفيذ القانون لبعض التخصصات والشعب الدراسية…؟
الزميل عبداللطيف الدعيج في "القبس" أمس يقدم الإجابة السريعة والحاسمة، بأن اقتراح النواب مقدمي المشروع، مسألة لا تحتمل التردد ويجب تأييدها، فهي قضية "وطنية بالدرجة الأولى"، أي قضية عليا لا يجوز الاختلاف عليها، وأنها يجب ألا "تخضع للحسابات الفئوية أو أن تكون عرضة للمزايدات…"، ويشعر الزميل بخيبة أمل لأن التقدميين (حسب مفهوم الزميل) آثروا مصالحهم وحسبوا "أرباح الغير قبل أن يراعوا المصلحة العامة…"، فكان صمتهم أو "تخاذلهم"، إن صح التعبير، في تأييد طرح الاقتراح.
بودي أن أصفق بحرارة لرأي عبداللطيف، وأن أوبخ التقدميين الصامتين المتخاذلين عن دعم مشروع إلغاء القانون، وأقول ليس قضيتنا "من" هم الأشخاص الذين تقدموا بالقانون في مجلس الصوت الواحد، وإنما "موضوعه" وأهدافه السامية التي لا يجوز الاختلاف عليها… ليتني أقدر أن أفعل الأمرين، لكن هذا غير ممكن.
فالنواب الذين وقفوا مع "حريات" الأفراد في التعليم المختلط، وهذه تعد من الحريات الفردية وحرية اختيار البشر لمصيرهم، وقف بعضهم بالأمس لتمديد عقوبة الحبس الاحترازي الذي قصر زمنه من قبل نواب المجلس المبطل… وأن بعض هؤلاء النواب من مقدمي المشروع رفعوا رايات الولاء للسلطة والعبودية لها بالتشديد بعقوبات الرأي بجرائم المساس بأمن الدولة أو الذات الأميرية، وما يحمل ذلك الاتجاه بالتوسع في تفسيرات الإدانة لأي عبارة أو جملة "تويتر" قفزت من يد مغرد…
مشروع قانون إلغاء منع الاختلاط يطرح اليوم، وعشرات النواب في المجلس المبطل يقفون أمام محاكم الجنايات في سيل من دعاوى محاولات تدجين الرأي المخالف وترويعه عبر تحريك القضايا الجزائية ضد من قالوا "لا" لمرسوم الصوت الواحد وللسلطة التي فرضته منفردة، وهناك نواب آخرون، مثل فيصل المسلم الذي تقف على رأسه عدة قضايا، ويتهدده السجن بأي لحظة، قالوا "لا" في قضايا الإيداعات المليونية لنواب الحكم التابعين… مشروع إلغاء قانون منع الاختلاط يطرح اليوم وعشرات من المغردين والناشطين السياسيين إما في السجون أو ينتظرون دورهم لاستكمال التحقيقات كمرحلة أولى، واستهلال جديد لدورات تنشيطية في السجن المركزي… أليست هذه وتلك من مسائل الحريات…؟! أليست هذه وتلك من قضايا الرأي وممارسة حق التعبير ونقد السلطات الحاكمة… مثلها مثل حرية الاختلاط، بل هي أسمى وأجل لأنها تمس وجود الفرد وكيانه!
هل نعد مخطئين، إن فسرنا الاقتراح لإلغاء قانون منع الاختلاط بأنه "حصان طروادة" لكسر مواقف المعارضين التقدميين، كما كان تصديق السلطة وعدم ردها لقانون منع التعليم المختلط بالجامعة عام ٩٦ بعهد وزير التربية التقدمي الراحل د. أحمد الربعي مسألة (وجود الراحل الربعي في الوزارة) يمكن اعتبارها هي الأخرى حصان طروادة…!! هي السلطة الحاكمة الواحدة مرة تحشر نفسها بجوف حصان خشبي مثلما كان يتم في التسعينيات، ومرات أخرى تدخل بالسيارات المصفحة للقوات الخاصة، أو عبر مشاريع قوانين كالذي يقدم اليوم… لكنها في كلتا الحالتين لم تملك في صفوفها فرساناً مثل "أخيل".

احمد الصراف

حياة الكاتب الشخصية

“>وردتني رسالة «واتس أب» نصها: عندما رأيتها قلت مبهورا ما شاء الله! وعندما استهويتها قلت: إن شاء الله! ولكن عندما عرفتها عن كثب قلت: أستغفر الله. ومع نهاية العلاقة تنهدت قائلا: الحمد لله!
التقيت بصديق في حفل كان يحضره بعض الكتّاب، فطلب مني أن أقدمه لكاتب معروف بمواقفه الشهيرة، فقلت له: لا تجعل كلماته تخدعك، فإن تعرفت عليه فستتغير حتما نظرتك له ولما يكتب، فشخصيته الحقيقية تختلف عن كتاباته، وهناك من تعجب بما يكتب، ولكنك لا تستطيع أن تحترم شخصه لما تعرفه عنه، وهذا يسري على كل الموجودين ضمن دائرة الضوء! فهؤلاء عادة يظهرون بالصورة التي يودون أن يراهم الآخرون عليها، وليس على حقيقتهم، وبالتالي نجدهم يتبنون آراء ويدعون لمواقف قد لا يكونون بالضرورة من المؤمنين بها! فمن المفترض مثلا أن يكون أشد الناس مطالبة بالالتزام بالقوانين هم رجال الأمن والمشرعون مثلا، ولكن الواقع يقول عكس ذلك تماما. وقد كانت الحياة الخاصة للمميزين من ممثلين ومطربين ورسامين وكتاب وموسيقيين وأعضاء الأسر المالكة ومشاهير الأغنياء، مثار اهتمام دائم من وسائل الإعلام، والبعض يطالب بمعرفة كل شيء عن حياتهم الخاصة، وأنها ليست ملكا لهم، بل لمحبيهم والمعجبين بهم! والبعض الآخر يقول إن لنا أعمال هؤلاء فقط وإبداعاتهم، ولهم أن يعيشوا حياتهم بالطريقة التي تلائمهم، مهما كانت غريبة أو شاذة! وبالرغم من إيماني بأن لكل فرد الحق في العيش بما يلائم طبيعته والتصرف بما يمليه عليه ضميره وعقله، فإن هذا لا يمكن قبوله بالمطلق، فمثلا للممثلين، او الفنانين عموما، الحق في الاحتفاظ بحياتهم الخاصة، التي قد لا تكون مثالية، ولنا إبداعاتهم وجميل فنهم، ولكن هذا لا يمكن قبوله ممن لهم دور في التأثير في الرأي العام وتشكيل آرائه، كالسياسيين والكتّاب والمعلقين السياسيين مثلا، فكيف يمكن أن أعجب بما يكتبه كاتب أو يقوله معلق تلفزيوني على خبر ما، وأنا أعرف يقينا فساده وسوء خلقه، وأنه يقول كلاما دفعت جهة له ليقوله أو يكتب عنه؟ وهنا أتذكر ذلك الحكم القاسي الذي أصدره قاض بريطاني قبل عقود بحق ابن الأميرة مارغريت بسبب مخالفة مرور بسيطة، وبرر القاضي شدة الحكم بأن الأمير يمثل قدوة لغيره، ويجب بالتالي أن يكون عقابه أكبر من غيره. كما حكم مؤخرا على وزير بريطاني سابق ومطلقته بالسجن ثمانية أشهر لكل منهما بسبب «كذبهما» في مخالفة سرعة عندما قبلت الزوجة (حينها) أن تتحمّل مخالفة السرعة نيابة عن زوجها لكي لا يخسر حقه في القيادة. وبالتالي فإن من الصعب عليّ شخصيا الإعجاب بأي كاتب «كبير» إن لم يكن يتحلى بحد أدنى من الخلق الطيب، ونقول ذلك مع إيماننا بالمثل الإنكليزي It is easier said than done ومعناه أن من السهل الحديث في المثاليات، ولكن من الصعب التقيد بها، ولست بالشخص المثالي ولا قريبا منه! وهذا ما أفكر به كلما كتبت شيئا يتعلق بالأخلاق والمثل وأصول التعامل مع الآخر، والتصرف بمنطق وعقلانية والدعوة لاتباع القوانين، فإنني أغلق عيني وأنظر لذاتي وأتساءل: هل أنا حقا كذلك، واتبع ما أقول؟ وإن أجبت بنعم مثلا أستمر في التساؤل: هل بإمكاني الاستمرار في ذلك؟ وهل هذه طبيعتي، أم أنني أتجمل؟

أحمد الصراف