سامي النصف

فلسفة الخصخصة وسهمها الذهبي!

طغى على حقبتي الخمسينيات والستينيات في الدول المتقدمة والمتخلفة الاعتماد الشديد على القطاع العام وتملك الدول لوسائل الإنتاج للنهوض بالبلدان عبر تأسيس الصناعات الثقيلة والمزارع الجماعية والأسواق الاستهلاكية التي تبيع السلع المدعومة (كانت الجمعيات التعاونية تملأ بريطانيا)، في منتصف السبعينيات وما تلاها من عمليات تضخم أصابت العالم نتيجة لارتفاع أسعار المحروقات، بدأت الدول تشعر بكلفة القطاع العام وترهله وتسببه بالعجوزات في ميزان المدفوعات وتتجه لخصخصة القطاع العام، الغريب ان الكويت في تلك المرحلة (الخمسينيات والستينيات) كانت تشهد بعكس دول العالم دورا متعاظما للقطاع الخاص في تجربة شبيهة بما قام به طلعت حرب في مصر منتصف الثلاثينيات وما بعدها.

* * *

وجرت العادة أن يتم تكوين لجنة للتخصيص على مستوى الدول لاختيار القطاعات المراد خصخصتها، فتبدأ عادة بالأصغر والأكثر فرصة للنجاح تدرجا للأكبر والأكثر صعوبة، كما يتم اختيار طرق عدة للخصخصة بدءا من خصخصة الإدارة فقط الى البيع المباشر وعبر المزادات العلنية في أسواق المال وانتهاء بمنح كوبونات للجمهور كما حدث في أوروبا الشرقية منتصف التسعينيات.

وإحدى أساسيات عملية الخصخصة معرفة الهدف الرئيسي منها أي هل هو رفع الكفاءة الإنتاجية، أم حصد العوائد المالية، أم زيادة فرص العمل..الخ؟ حيث لا يجوز القيام بالخصخصة لأجل الخصخصة ذاتها على وزن الفن لأجل الفن، فقد ثبت عبر كثير من التجارب أن قطاعا عاما يدار بمهنية وكفاءة وأمانة أفضل من قطاع خاص يفتقد المهنية والكفاءة والأمانة.

* * *

ويجب أن يصاحب عمليات الخصخصة إنشاء هيئات قضائية للرقابة على عمليات التخصيص، والحرص على إصدار تشريعات للنزاهة والشفافية المطلقة في عمليات بيع الشركات، كما يجب تعزيز أدوار الجهات المعنية بحماية المستهلك وضمان المنافسة وجودة المنتج ومحاربة عمليات تثبيت الأسعار، ومن الضرورة ان تختلف نسبة التملك الأجنبي من مشروع الى مشروع بدلا من تحديد نسبة ثابتة للكل، فلا يوجد حجم واحد مناسب لجميع القطاعات المراد خصخصتها.

* * *

آخر محطة: عند خصخصة بعض القطاعات الاستراتيجية الهامة تحتفظ الحكومات أحيانا بما يسمى بـ «السهم الذهبي» الذي يعطيها حق الفيتو، ويستخدم ذلك السهم فقط عند الضرورات القصوى التي تتعلق بمصالح الدولة العليا ولا يجوز استخدامه بشكل يومي أمام كل مشكلة صغيرة، وإما تستخدمه أو أوقفك على المنصة وأستجوبك يا وزير..!

احمد الصراف

بداية سقوط المتاجرة بالدين

قام نائب سابق، ينتمي لسلف ما، قبل سنوات باستخدام نفوذه النيابي، كغيره من النواب، بالحصول على قطعة أرض كبيرة من الدولة في العارضية، مقابل إيجار رمزي، وسجل حق استغلالها باسم شركته الخاصة التي لم يزد رأسمالها على 250 ألف دينار. وتمكن، وأيضا بنفوذه السياسي والديني، من استخراج ترخيص بناء مجمع ضخم عليها يخصص لغرض وطني نبيل يتمثل في توفير ورش ومعارض لخريجي المعاهد التطبيقية! وبما أن الطبع يغلب التطبع، فقد قام النائب بتحويل شركته الخاصة لمساهمة عامة برأسمال 20 مليون دينار مدفوع منها نقدا 200 ألف دينار فقط، والباقي حصة عينية تمثلت في «حق الانتفاع» بمشروع المجمع الحرفي «الإنساني الوطني»! إلى هنا والأمر شبه عادي، مع التحفظ! ولكنه، وبكل نفوذه السياسي والديني وصلاته بالكبار، قام بتغيير الغرض من المبنى من مشروع وطني لخريجي المعاهد، إلى مجمع تجاري كبير! كما نجح بنفوذه، وخراب ذمم بعض كبار البلدية، وجهات حكومية أخرى، وهو الرجل الشديد التدين، كما يشي مظهره، بزيادة مساحة البناء الإجمالية من 111 ألف متر إلى 307 آلاف متر مربع، وهذا دفع الجهة الاستثمارية التي سوقت المشروع، الى تقدير قيمته بأكثر من 84 مليونا، والى بيع نصفه لمستثمرين آخرين! كما زادت قيمة المشروع مع قيام المستثمر بإضافة مبنى جديد له وزيادة عدد المحلات من 240 الى أكثر من 1500 محل، مخالفا بذلك كل شروط عقد الإيجار والتراخيص الأولية. كما استخدم نفوذه، مستغلا خراب الذمم، في تخفيض مواقف السيارات إلى 1090 موقفاً بدلا من 1740 المطلوبة من الدولة! ولم يتردد في إضافة مواقف لـ 784 سيارة أخرى خارج المشروع، وعلى أرض لا تخص المشروع أصلا!
كل هذه المخالفات المخيفة والمؤسفة وحتى الحقيرة لم توقف المشروع، الذي استمر شاقا طريقه محققا للمستثمر عوائد لم يكن يحلم بها، ولكن «شيئاً ما»، ربما له علاقة بـ«دهان السير» تسبب في سحب المشروع من المستثمر، فدخل هذا في نزاع قضائي مع هيئة الصناعة استمر لسنوات لينتهي أخيراً بصدور حكم التمييز بفسخ عقد المشروع ورفض الدعوى المقامة منه، وهنا حرم الرجل الوقور من تحقيق عشرات ملايين الدنانير من الربح السهل من المال العام، هذا غير انكشاف محاولته في استغلال حاجة الشباب لورش ومحلات، و«التكشيت» فيهم بعدها! وقد دفعت هذه الخسائر الكبيرة النائب السابق ليصبح معارضا شرسا للحكومة طوال سنوات نظر القضية، ممنيا النفس بأن الحكومة ستحاول كسب وده بتنازلها عن القضية، ولكن لم يحدث شيء من ذلك. ونحن بالرغم من كل انتقاداتنا للأداء الحكومي نشد على يدها في هذا الموقف، ونتمنى أن نرى موقفا يماثله يشمل كل المخالفات الكبيرة الأخرى، كمشروع اللجنة الأولمبية!

أحمد الصراف