سامي النصف

التجربة الخليجية أم العربية في الطيران؟!

بعكس العلوم الانسانية الاخرى من طب وهندسة وأدب وشعر وكيمياء وفيزياء مما تصنف بأنها علوم انسانية قديمة عمرها آلاف السنين وان تطورت تباعا مع الزمن، يبقى علم الطيران علماً حديثاً جدا لا يزيد عمره عن عقود قليلة، لذا لا يوجد الا قلة من المختصين فيه بالعالم ممن يستطيعون التعامل مع أموره الفنية والاقتصادية ..الخ.

****

وقد كان النظام التقليدي المتبع في شركات الطيران حتى بداية الثمانينيات هو الشركة المالكة لكل شيء فلديها هناغر للصيانة وشركات اغذية ومراكز تدريب واسواق حرة، واحيانا سلسلة فنادق وشركات تأجير سيارات، وبقي مثال الشركة الكبيرة موازيا لمثال الحكومة الكبيرة حتى وصلت الانسانية لحقبة الريغانية ـ التاتشرية المؤمنة بالحكومة الصغيرة وإلغاء القيود (DE-REGULATION) فتغير الحال وابتدأت تجربة تخصيص شركة الخطوط الجوية البريطانية على يد لورد كنغ التي قامت على فصل العمل الاساسي عن الاعمال المساندة وتحديث الاساطيل والتخلص من العمالة الزائدة وخلق مراكز ربح تدعم عملية «النقل الجوي» التي لا يزيد هامش الربح فيها بالعادة عن 1% وغيرها من امور عمل بها فيما بعد بالكثير من الشركات الاخرى.

****

وشهدت منطقتنا بعض تجارب التوجه للخصخصة الناجحة، وان لم يكتمل مسارها بالضرورة أي تسليمها للقطاع الخاص بل تم الاكتفاء بالتحول للربحية او حتى تحمل خسائر قليلة ومن الامثلة الناجحة تجربة «الملكية الاردنية» التي قام بإعادة هيكلتها فريق قاده سامر المجالي و«الميدل ايست» بقيادة محمد الحوت ومثلهما ما يقوم به الاخ مروان بودي في «الجزيرة»، حيث قام معطى الربحية على العمالة قليلة العدد وتأجير الخدمات بدلا من حيازتها والتشغيل بطائرات صغيرة على المحطات القريبة وهو ما ثبت نجاحه في وقت اختفت فيه شركات طيران عملاقة كانت تجوب العالم مثل «Twa» و«Panam» الاميركيتين وغيرهما.

****

في المقابل هناك تجربة «الاماراتية» و«القطرية» و«الاتحاد» التي تقوم على التركيز على خدمة بلدانهم وتسويقها كمراكز مالية في مشارق الارض ومغاربها أكثر من البحث عن الربحية السريعة، وان اعتمدوا على تشغيل كفؤ يقوم على طائرات حديثة قليلة استهلاك الوقود وعمالة قليلة، وان ما يتم فقده من ربح لدى النقل يعوضه ما يدفعه المستثمر او السائح في البلد وهذه بالطبع نظرية تتعارض وتتناقض مع نظريات الخصخصة السريعة حيث لا يقبل القطاع الخاص تقبل الخسائر الذاتية لاجل تربيح الدول.

****

آخر محطة:

1 – هناك قول لدى العرب يرى البعض انه حديث شريف والبعض الآخر انه قول مأثور نصه «خير الأمور أوسطها» أي ان الافضل ان تأخذ امرا بين الأمرين.

2 – وهناك قول لدى الانجليز نصه «Liberal Economy Is Good, But Ultra Liberal Economy Is bad» والترجمة المجازية لهذا القول هي ان الليبرالية الاقتصادية امر جيد، اما الليبرالية الاقتصادية المتوحشة التي لا قلب لها والتي لا تراعي الظروف السياسية والاجتماعية للبلدان فهي امر سيئ.. والله أعلم!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *