سامي النصف

خصخصة شركات الطيران.. للمبتدئين!

لو ذهبت لمهندس مدني وقلت له انني أنتوي بناء منازل لا قواعد ولا حيطان ولا اسمنت ولا حديد فيها لجاز له أن يكذبك وأن يطلب منك أن تصطحبه وتريه أي منزل في الدنيا تم بناؤه دون الخارطة الزرقاء المعتادة ودون توافر الأساسيات والاستحقاقات السالف ذكرها.

***

بالمثل لخصخصة شركات الطيران خارطة زرقاء ثابتة معمول بها في جميع شركات الطيران التي مرت بهذه التجربة منذ ما قام به لورد كنغ في الخطوط البريطانية أعوام 81 – 87 وصولا الى ما تم في الملكية الاردنية والميدل ايست ومصر للطيران و«جميع» شركات الطيران الاخرى عدا بالطبع ما تم في «الكويتية» في الفترة التي تلت صدور مرسوم خصخصتها عام 2008 والذي لم يشهد له عالم الطيران مثيلا، والغريب أن هناك من يطالب هذه الايام بالاستمرار في ذلك المسار.. المدمر!

***

من بديهيات العمل الاقتصادي ارتباط الخصخصة بالربحية، حيث لا يشتري المستثمرون الشركات الخاسرة (عدا الشركات التي تباع بدولار واحد)، كما ترتبط الربحية بقاعدة معروفة حتى للمبتدئ في عالم الاقتصاد وهي «تقليل المصروفات» و«زيادة الايرادات» التي ترجمت في تجارب خصخصة شركات الطيران الاخرى الى:

(1) التخلص الفوري من العمالة الفائضة، (2) البدء الفوري بتحديث الأساطيل وما يحتاجه من ضخ أموال مبدئية في الشركات، فالطائرة القديمة تزيد كلفة تشغيلها عما يحصل منها من أموال، (3) خلق مراكز دعم مالي (Profit Center) عبر إدخال مطورين وشركاء استراتيجيين في الأعمال المساندة التي تملكها شركة الطيران عبر إدخالهم كشركاء في شركات التموين الغذائي والهندسة وأعمال المناولة في المطارات والحجز والتدريب والأسواق الحرة… إلخ، وتتوقف بعض الشركات عن إدخال شركاء استراتيجيين في العمل الأساسي، أي النقل الجوي كونه يخدم أهدافا استراتيجية للدول قد لا يرضى بها الشريك الخاص الذي يبحث عن الربح السريع على استثماراته وقد لا يقبل بخطط التوسع أو خدمة استراتيجيات كبرى كالمركز المالي.

***

ولو أتينا لتجربة «الكويتية» لرأينا أنها قامت تماما بعكس المسار والمعتاد الصحيح للخصخصة، وذلك عبر: (1) إبقاء العمالة الفائضة لمدة 5 سنوات، أي من عام 2008 حتى نهاية عام 2012، (2) عدم تحديث الاساطيل والإصرار على إبقاء الاساطيل القديمة التي زادت قدما مع مرور السنين، (3) عدم خلق مراكز مالية داعمة لعمل الشركة الأم، بل تم في المقابل تعليق الحسابات الختامية لـ«الكويتية» وعدم تغطية خسائرها، مما جعلها تتجه منذ أوائل عام 2011 للسحب على المكشوف من البنوك حتى قارب السحب مبلغ 160 مليونا مع نهاية العام الماضي، (4) بدلا مما هو معتاد من التحول للربحية بعد 4 سنوات من بدء مشروع الخصخصة كما هو قائم في «جميع» التجارب المماثلة، تمت مضاعفة الخسائر بنسبة 1000% أي من 10 ملايين عام 2007 أي قبل إعلان الرغبة بالخصخصة الى 105 ملايين دينار مع نهاية العام الماضي.

***

آخر محطة: (1) دعوة صاحب السمو الأمير، حفظه الله، امس لخلق موارد اقتصادية بديلة للنفط تعني العمل على إحياء مشروع «كويت المركز المالي» الذي ركيزته الرئيسية كما تظهر تجارب الدول المجاورة والمراكز المالية العالمية مثل سنغافورة، هي شركة طيران عملاقة مزودة بأحدث الطائرات تجلب المستثمرين والسائحين والزائرين لذلك المركز، فهل في محاربة «الكويتية» تلبية وتحقيق لذلك المطلب السامي المهم؟!

(2) السبب الرئيسي لخسائر «الكويتية» الضخمة هو إلغاء خطة تحديث أسطولها عام 2007 وهو ما تسبب في استنزاف مئات الملايين من المال العام عبر السنين وقد كان سبب الإلغاء، كما أتى في بيان المؤسسة الصادر في 29/8/2007، هو إلغاء اللجنة المختصة بمجلس الأمة الاعتمادات المالية المخصصة لذلك التحديث.

(3) تصدى الخيرون من أهل الكويت لمخطط تدمير الكويت وحان الوقت للتصدي لمخطط تدمير.. «الكويتية»!

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *