إذا كان الكلام عن توجه السلطة الحاكمة إلى المصالحة مع المعارضة حقيقياً، فلتقدم عملاً ملموساً لتحقيق تلك المصالحة، فلا تكفي إشارات متباعدة من الوزير الشيخ محمد العبدالله "على ما أعتقد" كي تشي بذلك، كأن يحاور بعض الشباب الناشطين من صفوف المعارضة، فتلك خطوة صغيرة جداً لا تقدم دليلاً أكيداً على صدق النوايا في الحوار والمصالحة الحقيقيين.
رموز كبار من النواب المعارضين، مثل مسلم البراك وفيصل المسلم وغيرهما، أضحت دور المحاكم الجزائية ومكاتب وكلاء النيابة موطناً مستقراً لهم، من كثرة الدعاوى الجزائية التي أقيمت بحقهم، وليس من المستبعد أن تصبح السجون هي الموطن الآخر لهم بعد المحاكم ومنازل سكنهم، وأصبح من الأمور المعتادة، كشروق الشمس شرقاً وغيابها غرباً، عندي أن أقرأ كل يوم في صفحات "تويتر" عن مرافقة محامين لهؤلاء النواب السابقين في تحقيق معين عند النيابة العامة أو في قاعات المحاكم، كما أصبح عدد من شباب "تويتر"، أو من المتظاهرين ضد السلطة، توهموا مدى حرية التعبير، نزلاء دائمين للسجون ومخافر الدولة.
بذلك المنهج الذي تسير عليه السلطة بقمع الرأي المعارض بحجة دولة حكم القانون، وبتلك القوانين التي تناقض أبسط مبادئ حرية الضمير، وتتنافر مع مضمون دستور الدولة، يصبح كل الكلام عن الحوار والمصلحة هباءً منثوراً.
اليوم نتمنى أن تكون سلطة الحكم قد أدركت مغزى حكمة "عدو عاقل ولا صديق جاهل"، وهنا أستدرك متحفظاً ان المجلس المبطل لم يكن عدواً للسلطة، وإنما كان يحاول الإصلاح، وفي أكثر من مرة شط وتجاوز المعقول في طرحه أو في اقتراحات عدد من نوابه، وسكب الملح على جروح طائفية غائرة بعمق في اللاوعي الكويتي خاصة والعربي عامة، كان هناك شطط وتطرف مذهبي لم نكن بحاجة إليه، كما أن عدداً من نوابه أضحت قضية مصادرة الحريات الفردية هي قضيتهم الأولى والأخيرة، إلا أنه في الوقت ذاته كان الكثير من نواب المجلس المبطل ينشدون وضع حد لإمبراطورية الفساد في الدولة، وكانت إحدى تجلياتها المقيتة، كما نعرف، قضية الإيداعات، كما تسمى تأدباً، بينما هي، حقيقة، جرائم رشوة لبعض النواب، أما المجلس الحالي فهو ما يمكن اعتباره الصديق الجاهل، هو صديق للسلطة، إلا أن صداقته مضرة وليست نافعة، فقد شاهدنا الطرح الطائفي لبعض نوابه، ولمسنا باليد عنصرية بعضهم وتعاليهم على فئات كبيرة من الشعب الكويتي، ومزايداتهم الفجة في أن يكونوا ملوكاً أكثر من الملك.
تحيا الكويت هذه الأيام مناسبة مضي سبع سنوات على تولي صاحب السمو منصب الإمارة، كما ستمر بعد أيام مناسبة العيد الوطني وذكرى التحرير، فلم لا تكون أيامنا هذه مناسبة لإسقاط الدعاوى الكثيرة عن نواب الأمة المرتهنين في قاعات المحاكم، وأن تمنح الحرية للشباب المحبوسين في قضايا حرية الرأي! لن نجد أفضل من تلك المناسبة والمناسبات كي تظهر السلطة جدية ومصداقية كلامها عن المصالحة، ولتكن أيامنا هذه مناسبة للحوار الحقيقي، ستكون خطوة عملية في الطريق الصحيح، ويبقى هناك الكثير من الأمور العالقة على طريق الإصلاح، لكن لتشرع السلطة الآن في إظهار حسن النية، فماذا تنتظر؟!