ما الذي سيحدث لو جرت انتخابات جديدة في مصر؟ لا شك ان الإخوان سيفاجأون بمدى انحسار شعبيتهم بعد خفوت نور الهالة التي كانت فوق رؤوسهم، وبعد أن انكشف كذبهم ورياء بعض كبارهم قبل صغارهم، ولو لم يكن الفضل لـ «تنكات الزيت» وارغفة الخبز التي وزعوها على فقراء الأرياف استجداء لأصواتهم، لما حققوا نجاحا يذكر! وهنا يقول الكاتب السوداني حيدر علي: إن فترة السرية التي عمل من خلالها الإخوان اضفت عليهم قدرا من المجد والتقدير، الأمر الذي مكنهم من تكوين رأسمال رمزي حولوه لتأييد شعبي وأصوات أوصلتهم للسلطة. ولكن يبدو أن شمس العلنية والاحتكاك المباشر بالناس، أذابا وهجهم، فانحدر رصيدهم لدرك سحيق، وفقدوا كل مظاهر الاحترام والرهبة، ولم يعد هناك من يخشاهم، وهذه هي أكبر خسائرهم. فالسلطة لم تضف للإسلاميين هيبة، بل صاروا هدفا سهلا للنقد والسخرية من قبل حتى أكثر العناصر ترددا في مواجهتهم في الماضي. خصوصا ان دخولهم للمعترك السياسي جاء بالشعارات والنصوص، دون أي نموذج استرشادي لكيفية حكم دولة فقيرة وذات مشاكل كثيرة، مثل مصر، في القرن 21. فالفكر السياسي الإسلامي لم يقدم خلال 1400عام تجربة حكم لا تستند الى الاستبداد، حتى كاد أن يصبح الاستبداد طبيعة. وهكذا لم يشغل الإسلاميون العرب، والإخوان منهم، أنفسهم كثيرا بشؤون الفكر والتنظير، مفضلين الاهتمام بالحركية والتنظيم والعمل السياسي المباشر. وقد كان هذا الخيار نتيجة انتصار تفكير تيار الدولة والسلطة السياسية والحكم أولا، الذي مثله حسن الترابي وراشد الغنوشي و«حماس»، على تيار تربية المجتمع تمهيدا لقيام الدولة والسلطة، أو التيار الدعوي كما أعلنه في بداياته مؤسس الحركة! ووقعت الحركات الإسلامية بعد وصولها الى السلطة في حيرة وارتباك لغياب أي مرجعية إسلامية سياسية حديثة تستند اليها في الاستراتيجية والقرارات. ولكن معضلة الإسلاميين الحقيقية كانت في قبول مشاركة الآخرين لهم في إدارة شؤون البلاد، فقد سبق وأن قبلوا، تكتيكيا، مبدأ «السيادة للشعب»، ولكنهم ظلوا في داخلهم مؤمنين بــ«السيادة لله»! وسيتسبب هذا، برأي حيدر، في وقوع صراع مرير مع السلفيين الذين أصبحوا، للمفارقة، فزّاعة الإخوان في مصر، والنهضة في تونس، لأن السلفيين لا يرضون بالبراغماتية التي تغلب على ممارسات الإخوان. ويضيف أن المتأمل لكتابات الإخوان يلاحظ ترديدهم لمفهوم «التمكين» لتأصيل وصولهم الى السلطة، في تعارض مع مفهوم التفويض الشعبي، أو «تداول السلطة»! ويستند هذا الى نص الآية التي تقول: «والذين إن مكّناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور»! وهنا تكشف الآية وظائف الدولة الدينية بصراحة وبلا لبس، أي دولة التمكين، وهذه تمهد للتحول من الاستضعاف، الذي تعرضوا له، إلى أن يكونوا أئمة ووارثين للأرض، حسب منطوق آية من سورة القصاص تقول: «ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين». والآن هل هناك من لا يزال يثق بحسن نوايا الإخوان في الكويت؟
أحمد الصراف