ولد أحمد السقاف، الشاعر والأديب، عام 1919، في ضاحية عدنية، لأسرة معروفة بعلمها واتساع افقها وانتشارها في أكثر من دولة، ودفعت ظروف خاصة بعدها لأن يهاجر للكويت ويتزوج منها، ويتوفى في الوطن الذي احبه وأخلص له أكثر مما أخلص له الكثيرون ممن ولدوا فيه. كانت بدايته عام 1944 عندما عمل مدرسا في الشرقية، قبل أن يعمل لفترة قصيرة في المباركية. ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، واستقرار الأوضاع في الكويت أصدر مع المرحوم عبدالحميد الصانع مجلة «كاظمة»، والتي ربما كانت أول مطبوعة ثقافية أدبية تصدر في الكويت، ولكنها لم تستمر طويلا. أصبح في بداية الخمسينات ناظراً للشرقية، وانتقل منها عام 1956 لدائرة المطبوعات والنشر، وأشرف على مطابع الحكومة ودرّب عدداً من الكويتيين للعمل بها. وفي ديسمبر 1957 كلفه الشيخ صباح الأحمد، رئيس دائرة المطبوعات يومذاك، وأمير الكويت حاليا، بالسفر للتعاقد مع مختصين، بغية إصدار مجلة «العربي» وقد اختار لها رئيس تحرير وطاقما مميزا، ومن الشخصية الكبيرة نفسها، ليقوم بتولي مهمة شراء مطبعة خاصة بالمجلة، وأتذكر أن البعض من اصدقائي تركوا الدراسة حينها للعمل فيها، وكان له دور في تعيينهم، بعد تدريبهم ليصبحوا رؤساء أقسام. كما كان له دور في جمع وطباعة معجم «تاج العروس». وحدثت النقلة الكبيرة في حياته بتعيينه عضوا منتدبا للهيئة العامة للجنوب والخليج العربي، والتي اهتمت ببناء المدارس والمستشفيات في اليمنين، قبل الوحدة، ومشيخات الخليج المتصالح، دولة الإمارات لاحقا، والبحرين وعمان والسودان، ومن خلال ذلك كان له دور سياسي بارز في التقريب بين اليمنين ووأد الفتنة بينهما. كما كان السقاف أول كويتي غير مولود بها يتولى منصب وكيل وزارة، وتقاعد عن العمل عام 1995، وفارق الحياة عام 2010 متجاوزا التسعين، كان فيها منبرا ورائدا للنهضة. رثته الكاتبة نجمة ادريس في حينه بقولها ان السقاف جاء في عهد التبشير بصناعة مجتمع أكثر يقظة ووعياً، كان العمل منصباً فيه على تحقيق مشروع نهضوي غايته صناعة الإنسان والتبشير بمزيد من الحريات والحياة الديموقراطية، وكان ذلك عهد رجال لا يتكررون، عهد عبدالعزيز حسين وأحمد العدواني وغيرهما ممن كان لديهم الإيمان نفسه! وقد صدقت نجمة، فلو نظرنا اليوم حولنا لما رأينا من أمثال السقاف وعبدالعزيز حسين وأحمد العدواني الكثير، بعد أن أكل الفساد المادي والسياسي ما تبقى من أمل في قامات كانت واعدة، بعد نجاح الإعلام الفاسد في شراء ذمم وضمائر كثيرة بجزيل العطايا، وبغيابهم تشجعت السلطة وتحالفت مع قوى التخلف لوأد كل صوت حر.
مناسبة الحديث عن السقاف، الذي كان متطرفا في قوميته، وربما صدم بشدة لما فعله صدام «القومي» بوطنه في الثاني من أغسطس، هو موقفه الإيجابي من التكويت ومن المرأة بالذات، فقد كان نصيرا كبيرا لها، عندما عز النصير، وأعتقد أنه كان أول من أرسل كويتية لتعمل في الخارج، وذلك عندما ابتعث نورة العرفج للعمل ناظرة في مدرسة بتعز، وكان ذلك قبل 40 عاما تقريبا، ثم يأتي اليوم الكثيرون، ومنهم لجنة المرأة في مجلس الأمة، لكي يعودوا بالمرأة لعهود مضت، من خلال إغرائها بعطايا سخية لكي تبقى بالبيت ولا تعمل!
أحمد الصراف
www.kalama nas.com