يعاني الشرق الأوسط منذ عشرة قرون تقريباً، وقبل أن يصبح أدنى وأوسط، من مشكلات لا عد ولا حصر لها، وكان من الممكن أن تكون المنطقة على هامش التاريخ، لولا أن حفر قناة السويس في قلبها، واكتشاف النفط في غالبية دولها تالياً، وإنشاء دولة إسرائيل في وجدانها، وكل هذا جعلها تعاني أمراض الأمم مجتمعة، وأصبح حال المنطقة كحال فتاة رائعة الجمال، ضعيفة الحال، تفتقد العلم والمعرفة، والكل يريد بها وصلاً، وهي لا تستطيع رد أحد، فلا علم يقيها، ولا ثقافة تعصمها من الزلل! ويعتبر البريطاني باتريك سيل من أكثر الصحافيين الغربيين اهتماماً بقضايا الشرق الأوسط، وقد كتب مقالاً في 30 ديسمبر الماضي ضمنه توقعاته للمنطقة في عام 2013، وبالرغم من أنه يعرف الشرق الأوسط جيداً، ومتزوج من سيدة سورية، فإن ما كتبه لم يرق إلى مستوى مقالاته الأخرى. يقول سيل إن المنطقة، بالرغم من تخلصها من عدد من أشرس قادتها، فإنها لا تزال تواجه مشكلات عدة تتعلق بتطبيق الديموقراطية والحريات المدنية، وليس من المتوقع أن تستجيب الحكومات الجديدة لمطالب شعوبها بالمساواة والنزاهة وغير ذلك. وقال إن الضعف العربي أصبح واضحاً، ولا أحد يود سماع صوت العرب، فسوريا والعراق، الأكثر دفاعاً عن حقوق العرب والتحدث باسمهم (!!) أصبحتا غارقتين في مشكلاتهما وحروبهما الداخلية الدموية، وبالتالي لا يسمح لهما وضعهما بفعل شيء. أما مصر، التي كانت في القيادة دائماً، فإن احتمال ركوعها تعباً وإفلاساً أمر أكثر من وارد. كما أن هناك الصراع السني الشيعي الذي أصبح يفتك بأكثر من دولة ومجتمع عربي، وسيشكل استفحاله عنصر خطر كبير على علاقات دول المنطقة ببعضها، هذا غير تأثيره الداخلي في استقرار مجتمعات أخرى. وقال إنه لو كان في مكان دول الشرق الأوسط لاهتم في السنة الجديدة بالأمور التالية، أولاً: وقف الصراع المذهبي، والشيعي السني بالذات. ثانياً: تحقيق السلم في سوريا وإنهاء صراعها الأهلي أو الإقليمي. ثالثاً: المطالبة بتحقيق العدالة للقضية الفلسطينية، حتى لو تطلب الأمر قطع العلاقات مع الولايات المتحدة، والتخلص من قواعدها العسكرية في المنطقة. رابعاً: المباشرة بإجراء مباحثات تصالح مع حكومة طهران، فالعداوة بينها وبين الأقطار العربية خطأ قاتل للطرفين، والتعاون المشترك بينهما أمر أكثر من ضروري!
ذكرتني تمنيات السيد باتريك سيل بالوعود التي نقطعها على أنفسنا مع بداية كل عام، بأن نكون أقل عصبية أو أن نتوقف عن التدخين أو نخفض من أوزاننا أو نبدأ بممارسة الرياضة بانتظام، أو نتوقف عن البهورة والمبالغة والكذب، وغير ذلك من وعود عادة ما تتبخر مع نهاية الأسبوع الأول من الشهر الأول! فإذا كنا بكل هذا الضعف، على المستوى الشخصي، والقرار بيدنا، فكيف يمكن يا أخ سيل أن تتفق قيادات 22 دولة على ما طلبت من قرارات؟ وهل تعتقد أن الأمة العربية كتلة صماء، بحيث يمكن توجيه الحديث إليها وكأنها فريق واحد؟ وهل تعتقد أن من السهل وقف الصراع الشيعي السني بمجرد اتفاق عدد من القادة على ذلك؟! وهل تعتقد أن لا أحد فكر في هذه الأمور قبلك، أو أن الجامعة العربية، وبحضور كل أعضائها، قادرة على وقف الصراع في سوريا، وإعادة حقوق الفلسطينيين إليهم؟
أحمد الصراف