وفق قراءة الكثير من الباحثين المهتمين بشئون الخليج العربي، فإن «الغول الطائفي» يمثل واحداً من أكبر وأخطر التحديات الكارثية على حكومات وشعوب المنطقة حاضراً ومستقبلاً. وهذه المخاطر تزداد وتتضاعف يوماً بعد يوم في ظل تصاعد المد الطائفي في الإقليم قادماً من العراق وسورية ولبنان واليمن وتركيا، وفي الوقت ذاته، الغياب الواضح لمسار تعزيز قيم الوحدة الوطنية واعتماد مبدأ المواطنة والمساواة التزاماً بالدساتير والقوانين… أي تأثر مظلة الضمانات الأساسية حقوقاً وواجبات.
لا يمكن إطلاقاً إغفال المخاطر الكبيرة المحيطة بمنطقة الخليج العربي إثر التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط وانعكاساتها عليها، ولا يمكن التغاضي عن مجموعة من مثيرات الخطر التي تشهدها العديد من دول الخليج، إلا أنه بالإمكان السيطرة على هذه المخاطر والحد منها، حينما تتصدى الحكومات بالدرجة الأولى، وقبل غيرها، للجهات التي تلعب على الوتر الطائفي داخلياً أولاً. فمتى ما سلمت الساحة الداخلية من هذه المعاول وأوقفت عند حدها، وشعر كل مواطن بأن حقوقه مصانة، فإن هذه الجبهة تقوى وتستقر وتكون قادرة على صد أي اضطراب سلبي يهدد استقرار الوطن. كما أن هناك ظاهرة واضحة مبنية على المصالح الفئوية والشخصية، وهي تلك التي تنضوي تحت عنوان «الموالاة»، فمن الواضح أن هناك أطرافاً في منطقة الخليج تتلبس صفة الموالاة لتلعب على الوتر الطائفي وتثير المشاحنات والتناحر في وسائل الإعلام وفي سلوكياتها اليومية بهيئة لا يمكن أبداً أن يتم التغاضي والسكوت عنها، لكن هذا حاصل، ومع العلم اليقين بسوء ما يفعل هؤلاء، الا أنهم يسرحون ويمرحون في منهج تدميري سيئ للغاية.
تلك المسببات ذات درجة الخطر العالي، تساندها أيضاً قوى إقليمية من صالحها تغذية الطائفية في المنطقة ضمن توجهات وخطط مرسومة تستند على الطائفية كواحدة من أهم أركان تحقيق أهدافها، إلا أنه من الأهمية بمكان النظر إلى جانب مهم، وهو أن تتعامل كل الحكومات مع مواطنيها بوصفهم «مواطنين»، كما يرى الباحث ستيركوه ميكري في بحثه عن مخاطر الطائفية في الخليج، حيث يشدد على أنه من الخطأ الجسيم أن يتم التعامل مع المواطنين وفق انتمائهم القبلي أو المذهبي، بل لابد من أن تعالج تلك الآثار المترتبة على بقاء الانتماءات التقليدية باستخدام سياسة الجزرة والعصا (فسياسة الجزرة تتمحور في العطاء المالي الذي يضمن ولاء شيوخ القبائل وزعماء الطوائف، مع جهد لتسيّد طبقة معينة ذات ولاء ومصالح مشتركة مع الحكومات في الفضاءين القبلي والطائفي)، أما سياسة العصا فتظهر في السياسات والإجراءات الأمنية التي تستهدف إخماد أي صوت يطالب بإصلاح الأوضاع وبناء علاقة بين جميع المكونات على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات، وألا يتم إخضاع اي حركة مطلبية دستورية سلمية تحت العنوان الأمني.
اليوم، لا يمكن إغفال أدوار قوى إقليمية تسعى إلى تأجيج الطائفية في المنطقة تمهيداً لما تريد القيام به من سيطرة، ولعل أول أهداف هذه السيطرة ضمان أمن الكيان الصهيوني، وهذا يوجب قطعاً تنشيط الوعي الوطني، وقراءة الأوضاع بصورة حقيقية والتركيز على التعليم والإعلام، وهذه مسئولية الدولة، إلى جانب تنشيط مؤسسات المجتمع المدني والرموز السياسية والاجتماعية الذين سيكونون سداً منيعاً في وجه الطائفية وسلاحاً بإمكانه الحد من مخاطرها ومنع أي تحرك طائفي مستقبلاً… لكن هل هذا ممكن؟ بالطبع، في الإمكان تحقيق ذلك في صورة برامج عمل وطنية استراتيجية حقيقية وليست عناوين براقة للاستهلاك الإعلامي وحسب! ولعل الكاتب الصحافي محمد محفوظ قدم شرحاً مختصراً وعميقاً في مقال له بعنوان: «الخليج ومخاطر الفتنة الطائفية» نشره في النسخة الإلكترونية من صحيفة «الرياض»، تناول مجريات الأحداث وانعكاساتها على الداخل الخليجي على صعيد العلاقة بين المكونات المذهبية الموجودة في المجتمعات الخليجية، فهو يرى، ولا شك أن الجميع يتفق معه، أن الأوطان الخليجية ينبغي أن تسع جميع المواطنين بصرف النظر عن مذاهبهم وقبائلهم، وان أية محاولة لتضييق الوطن أو جعله بمقاس فئة أو شريحة دون الفئات والشرائح الأخرى، فإن هذه المحاولة تدشن لمرحلة من التوتر والتشظّي الاجتماعي والوطني. ولهذا فإننا بحاجة باستمرار لأن نعزز مفهوم الوطن الذي يستوعب جميع أبنائه، ويحتضن جميع مكوناته، ويحترم كل أطيافه وتعبيراته المجتمعية.
وبالفعل، يمكن رؤية الأتون الطائفي المقيت الذي سيأتي على منطقة الخليج بأسرها ما لم تبادر الحكومات إلى منع أسباب استمراره، كونه سيؤدي دون شك إلى خلخلة النسيج الاجتماعي والوطني في دولنا، فالغول الطائفي لن يتجاوز أحداً في هجومه بشراسة، ولن ينفع وقت هجومه التندم على خطابات مشايخ الفتنة وإعلام التدمير ومصالح الفئات ذات الوطنية الزائفة. فكلما امتد الزمن وازدادت الطائفية ضراوة، أصبح مجال التطويق والحل ضيقاً جداً جداً.