لطالما سخر صديق سوء وهو يشاهد قارئ النشرة الجوية المتحمس يفصّل: "درجات الحرارة في الأحمدي كذا وكذا، وفي الوفرة كيت وكيت، وفي النويصيب كذا وكيت" ويعلّق: "كلنا عيال قريّة، وكلنا نعرف أن الجالس في الوفرة يمكنه أن يلمس النويصيب بيده الكريمة، بشرط أن يكون طويلاً، والجالس في الأحمدي يمكنه أن يسمع أحاديث أهل الوفرة وضحكاتهم، فلماذا كل هذه الفشخرة؟ وماذا تركنا للولايات المتحدة الأميركية، ونيويورك وفلوريدا وكاليفورنيا، وساحلها الشرقي وساحلها الغربي، وولاياتها الشمالية وولاياتها الجنوبية؟" ويضيف: "ليس للكويت ولا لقطر ولا للبحرين أن تغوص في تفاصيل مناطقها، يكفيها القول إن درجة الحرارة في الدولة هي كذا، ونقطة".
ويضيف صديق سوء آخر، مؤيداً: "لو كانت الكويت مثل لبنان، حيث الجبل والسهل والوادي والنهر والغابة والساحل لما اعترض أحد على تفصيل النشرة الجوية، لكن الكويت كباطن كف الفتاة المترفة، ملساء من غير سوء… فشخرة مضحكة".
كنت أستمع لهما وأتمتم لنفسي: "الحمد لله أنهما لم يسمعا عن ترقيم كتائب الجيش، الكتيبة (51) دبابات، أي أن هناك بالتأكيد خمسين كتيبة دبابات أخرى أو أكثر، والكتيبة (82) إمداد وتموين، أي أن لدينا إحدى وثمانين كتيبة أخرى للإمداد والتموين، على الأقل، واللواء الخامس عشر، ووو، أرقام تجعلك تشفق على قوات حلف الناتو… ولا أدري بماذا سيعلّق الصديقان لو عرفا هذه الأرقام وهذه الفشخرة العسكرية؟".
كل هذه الأرقام، سواء للكتائب أو الألوية أو درجات الحرارة، تؤكد أن الكويت والولايات المتحدة الأميركية الكتف بالكتف والسن بالسن، وسيب وأنا أسيب.
وأمس الأول، ثبت بالقطع المبين أن الكويت كأميركا، قص ولصق، ففي أميركا لكل ولاية قوانينها الجنائية الخاصة بها، وفي الكويت كذلك لكل ولاية أو منطقة قوانينها الخاصة بها. ونخرج في مسيرة احتجاجية في منطقة قرطبة، فلا نعرف من أين تنفجر كل قنابل الغاز هذه، ومن أين تهوي كل هذه المطاعات (الهراوات) علينا، ولا ندري هل نعطس أم نسعل (نكُحّ) أم نئن أم نعرج ونحجل، فوضى مشاعر، وكنا نتساءل بعد كل مسيرة تتراقص فيها القنابل عن الميزانية المخصصة لها.
هذا ما حدث في قرطبة ومشرف وغيرهما من المناطق، في حين أن المسيرة في منطقة صباح الناصر لم يكن ينقصها إلا شاطئ بحر وفتاة حافية القدمين تمشي إلى جانبك، شعرها منثور مبلول، وعازف أوكورديون يستند إلى الجدار، وإنارة خافتة… كانت مسيرة رومانسية للغاية، تصلح لشهر العسل.
وكانت المطاعات تغني على ظهور شبان الصباحية، في حين كان شبان الجهراء، في التوقيت نفسه، يتبادلون الضحكات وفناجين القهوة مع القائد الميداني المسؤول.
يا صاحبي، لكل ولاية قوانينها لا شك. فأنت في الولايات المتحدة الكويتية.
اليوم: 15 يناير، 2013
تركي وراء القضبان
ورد في وسائل الإعلام أن السلطات السعودية ألقت القبض، قبل شهر تقريبا، على المفكر والروائي السعودي تركي الحمد، ولم يتم نفي الخبر حتى الآن، مما قد يعني صحته! ويقال ان السبب تعلق بتغريدة للمبدع تركي، فهمت من بعض الملالوة بأن بها مساساً بالرموز الدينية! ولكن لتركي تاريخا طويلا في نقد مختلف الأوضاع، ويكفي أنه مفكّر حرّ صدرت عنه آراء نقدية متعددة، إن من خلال ما ألف وكتب من روايات ومقالات، أو ما صرّح به في مقابلات. وكان نقده دائماً ساخراً في غالبيته، منتقداً أوضاعنا السيئة بطريقة متحفظة ومؤدبة! وينقل عنه قوله بأنه بينما ينشغل العالم بالتحديات والمخاطر الكبرى المحدقة به، ينشغل «علماؤنا» بشرف المرأة، وكيفية منعها من ألا تخرج من بيتها إلا إلى قبرها. كما دعا تركي دوما الى تحرير الفكر من أغلاله. كما دعا إلى وقف استبداد طال لأكثر من الف عام، والانفتاح على المستقبل والانتماء إليه، كما حذر من نازية جديدة يسعى المتأسلمون لفرضها علينا.
مؤلم أن يبات تركي الكبير في سجنه البارد، بينما ينعم أعداؤه الصغار، من متخلفي الأمة، بدفء فرشهم الوثيرة، فخلاص هذه الأمة يكمن بتبديل المكانين، وبتشجيع ودعم أمثال تركي الحمد، الذي دعا دوما إلى تحرير الفكر من أغلاله العتيقة، وتوسيع دائرة الحرية، فلا تقدم بغير حرية، قولا ونشرا، وإن كان تركي يشكل خطرا على الأمة، فما هو إذن شكل الخطر الذي تمثله الحركات الدينية المتطرفة، وأصحاب الفكر الهدام؟
نضم صوتنا لصوت كثيرين مطالبين باطلاق سراح تركي الحمد، فمخجل أن يُعتقل كاتب ومفكر بوزنه لم يرتكب جرما سوى ممارسة حقه كإنسان حر في إبداء رأيه، ودفع العقول إلى أن تفكر، وربما هنا كان مقتله، فنحن بمجملنا لا نشجع الآخر على ممارسه حقه الطبيعي في التفكير، إن كان خارج خط تفكيرنا التقليدي، المتزمت عادة. والمؤسف أن قضية حجز حرية المفكر تركي لم تجد من «المثقفين» العرب ما تستحقه من اهتمام، والسبب طبعا معروف، ولكن لا يعلم هؤلاء أن دورهم قادم لا محالة ان استمر سكوتهم.
نطالب بإطلاق سراح تركي الحمد، ليس من أجل إنسان لم يرتكب ذنبا يستحق عليه البقاء في سجنه من دون تهمة واضحة، بل ومن أجل كرامتنا جميعا!
أحمد الصراف
www.kalama nas.com