لن أطيل في مقال اليوم فالوضع السياسي القائم القاتم الممتد حتى للأمور الاجتماعية أبلغ من كل كلمة تُكتب، فقد وصلنا إلى درجة التربص حتى بمن يؤدي واجب العزاء، وتوضع الصور على الصفحات الأولى للصحف عن زيارة سياسي من هذا الفريق لعزاء سياسي من الفريق الآخر، بل إن البعض بات ينظر إلى هوية المقتول أو المحتجز كي يقيِّم موقفه من الأمور. الواضح أن هذا الوضع سيستمر، فالحكومة تتجاهل كل ما يدور وبقية الساسة يتناحرون في إثبات صواب موقفهم ويقصون الآخر حتى إن كان مصيباً. أعتقد أن هذا الوضع تجلى، وأقول تجلى ولم يبدأ، منذ "مجلس فبراير" الماضي حينما تعمّدت أغلبية ذلك المجلس إقصاء البقية وعقد الاجتماعات المنعزلة، بل طرد بعض الأعضاء من تلك الاجتماعات أحياناً عطفاً على انتقائيتهم في رفع الحصانة واستفرادهم حتى بتقديم الاستجوابات لدرجة أن نائب رئيس ذلك المجلس صرّح بأن أي استجواب لا يوافق عليه الأغلبية لن يؤَّيد حتى إن كانت القضية مستحقة! وها هو "مجلس ديسمبر" يستمر بهذا الأسلوب وكأنه يحاول الانتقام من ممارسات "فبراير" بشخصانية واضحة لدرجة وصلت إلى حرمان المواطن وليد الطبطبائي من حقه الدستوري بالتقاضي برفض "مجلس ديسمبر" رفع الحصانة عن أحد نوابه. المشكلة أن هذه العقدة والانقسام سيستمران في ظل فرح حكومي من حالة الانقسام تلك التي تمكن الحكومة بكل تأكيد من التحكم بمجريات الأمور بشكل سهل بمجرد تمكنها من السيطرة على جزء من المنقسمين يقف معها في الحق والباطل. شخصياً أعتقد أنه لا بد من الحوار الآن، وإلا فإننا سنصبح لبنانيين سياسياً قريباً جداً، فحالة الانقسام تلك لن تؤدي إلى الانفراج أبداً، ولأن الحوار مطلوب فلا بد من ناس يتقبلونه ونتقبلهم أيضاً، وعلى هذا الأساس فأنا أتمنى بل سأسعى إلى حوار شعبي مشترك للوصول إلى صيغة تعيد للوضع السياسي الكويتي نصابه السليم من خلال أطراف يمتلكون الحد الأدنى على الأقل من القبول لدى مخالفيهم، وأرشح لذلك السادة علي العمير وعدنان عبدالصمد ورياض العدساني وعادل الدمخي وعمار العجمي، ومن الشباب وهم الأهم بالنسبة إلي راكان النصف وبدر ششتري وفلاح الحشاش، وسأبدأ من اليوم في السعي إلى هذا الحوار، وكلي أمل أن يتحقق في المقام الأول وأن يثمر عن الأفضل للخروج من هذه العقدة الكريهة. خارج نطاق التغطية: أتابع في هذه الأيام أكثر الوجوه ظهوراً على الشاشة، وأعني الشيخ أحمد الفهد، ويؤسفني فعلاً الحال التي وصل إليها لدرجة بات يعتقد فيها أن كل ما يحصل في الكويت من أجله فقط، فإسقاط مجلس ٢٠٠٩ شعبياً كان من أجله، وتحقيق كأس الخليج الماضية في اليمن لأنها تحمل اسم والده، وتحديد رئاسة الاتحاد الآسيوي ستكون بسببه، حالته صعبة جداً جداً.
اليوم: 14 يناير، 2013
تموت أمة ليحيا فرد!
أبدع الزميلان صالح الشايجي وفيصل الزامل كعادتهما في مقاليهما السبت الماضي، فمما خطه الشايجي في مقاله الشائق «ما يجري تحت عنوان الحراك هو جعل الوطن في خدمة الفرد، بحيث يدفع الوطن الثمن حتى يعود فلان وعلان إلى مقاعدهما النيابية وإلا الفوضى والخراب وتشويه سمعة الديموقراطية الكويتية أمام العالم».
***
وضمن مقال الزميل الزامل في اليوم نفسه «لم يهضم الناس أن يطالب البعض بشيء في البحرين ويرفضه في الكويت» ويستطرد أبوقتيبة بالقول « توريط الشباب لمخالفة القانون لخدمة مشروع سياسي وصل إلى تقديم عدد كبير من هؤلاء الشباب «للمحاكم والسجون» لافتداء فرد وهذا استغلال بشع جدا لحماستهم».. انتهى.
***
إن الواقع المر يظهر أننا وبعد نصف قرن من الديموقراطية مازلنا نفتقد أول مبادئها أي الإيمان بالرأي والرأي الآخر والحلول القائمة على الالتقاء في منتصف الطريق، وقد أضفنا إلى هذا الفهم العقيم للديموقراطية كثيرا من ممارسات الأنظمة القمعية لإعطاء العصمة لبعض القيادات السياسية المعارضة فكل ما يقولونه صواب لا يحتمل الخطأ، وكل ما يفعلونه أمور منزلة لا يجوز نقاشها أو تفنيدها أو تخطئة قائلها مهما شطح وابتعد عن الحقيقة والحكمة، حتى لو أثبتت الأيام خطأ اجتهاده مرارا وتكرارا أو عدم صدق كلماته واتهاماته.
***
لقد قال عقلاء الأمم وحكماؤها «يموت فرد لتحيا الأمة»، بينما يؤمن بعض زعاماتنا بأن الغاية تبرر الوسيلة و«لتمت أمة كي يحيا الفرد ويجلس على مقعده الأخضر الوثير» وهو فهم يجب أن يوقفه الشباب الواعد عبر الدعوة إلى تجديد الدماء بدلا من القبول بالانقسامات والانشقاقات التي باتت تعاني منها المجاميع السياسية المعارضة هذه الأيام بسبب مرض التمسك بالكراسي وحب الزعامة والتسلط على الآخرين.
***
إن الأحداث تثبت تباعا أننا مازلنا نجلس على سواحل وشواطئ الديموقراطية الحقيقية ولم نمخر عباب بحورها العظيمة بعد، ومن ذلك انتظارنا لسطوع شمس الديموقراطية الحقيقية لا عبر الأخذ بخيارات الحزبية والحكومة الشعبية التي ستعزز مفاهيم الديكتاتورية السائدة لدى تلك القوى السياسية وستمنحها أنيابا ومخالب وتجعلها تنصب المشانق وتفتح أبواب المعتقلات وتدفع الناس للهجرة، كما حدث في عراق صدام وليبيا القذافي وغيرهما من طغاة لبسوا لبس الحملان عندما كانوا في مواقع المعارضة وليتحولوا إلى ذئاب مفترسة بعد الوصول لمواقع المسؤولية.. وكم في تاريخنا الحديث من دروس وعظات وعبر.. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟!
***
آخر محطة:
التهنئة الحارة للسيد الزميل أحمد يوسف بهبهاني على رئاسته كأول كويتي وخليجي لاتحاد الصحافيين العرب، وكم من خلق رفيع وحكمة في الرأي وعقل راجح وتواضع جم سيضاف إلى ذلك الاتحاد بوصول أبوسليمان.
صور العجاف
ارتحنا لسنوات من مقالات العجاف والتملق التي كانت تزخر بها الصحف العربية في مدح الكويت، ولكن مع تعقد الأمور الداخلية قليلا في الكويت أخيرا، خرج علينا الزميل جهاد الخازن قبل بضعة اشهر بمقال سال المدح المزيف منه أكثر من الحبر الذي كتب به، ثم أردفه بمقال آخر وصف فيه بعض المعترضين على ممارسات السلطة بـ «أولاد شوارع»!، وهذا وصف لم يكن يليق صدوره من كاتب في خبرته، ولكنه ربما دفعه المدح الزائف اللعين لذلك! ثم جاء آخر ربما من فئة الوعاظ، وهو سفير البوسنة السابق في الكويت، ياسين رواشدة، وكتب في القبس أن الكويت، المعروفة تقليدياً في العالم «كله» بحنكة قيادتها ورصانة دبلوماسيتها! وهذه مبالغة غير مستحبة ابدا، فأكثر من نصف العالم لم يسمع بالكويت اصلا، فكيف عرف بحنكة قيادتها ورصانة دبلوماسيتها؟!، وما الذي تعنيه الرصانة هنا أصلا؟! ونحن لا نشكك هنا في حنكة القيادة، ولكن نرفض هذه المبالغات التي لا يقبلها عاقل، فقيادة الكويت في غنى عن مثل هذا التزلف. واستطرد السفير السابق قائلا: إن الكويت مارست خلال هذا العام أنشطة إيجابية كبيرة، وحققت نجاحات رائعة (!) عزّز ذلك دورها المعروف في الحفاظ على وقار وحصافة سياستها الخارجية التي تتميز بابتعادها عن الضجيج والتبجح اللذين يمارسهما مراهقو السياسة من الطامحين للجلوس في مقاعد الصفوف الأولى على مسرح السياسة الدولية! ونحن إذ نتفق معه في ميل دبلوماسية الكويت للبعد عن الضجيج والتبجح، إلا أننا لا نعتقد أنها حققت «نجاحات رائعة» خلال 2012، ولا حتى فشلا غير رائع، بل كانت عادية مثلها مثل أي سنة اخرى. ويعود السيد رواشدة، الذي يسبق اسمه بحرف الدال ونتمنى أن يدلنا على الجامعة التي حصل على شهادته منها، للعلم فقط، ليكرر كلامه قائلا: وإذا كان لنا أن ننظر بسرعة، عبر الشهور الاثني عشر الماضية، عبر نافذة السياسة الخارجية للكويت (هكذا)، فإننا لا بد أن نشاهد النجاحات الدبلوماسية الكبيرة والإنجازات المهمة والحضور المميز (وهذا تكرار لسابق ما ذكره من تزلف) ودور كويتي نشط هادئ ( نشط وهادئ!)، وتصالحي في جميع مؤتمرات القمم الخليجية والعربية والآسيوية ينعكس بالأهمية والفعالية ذاتهما في جميع المؤتمرات الوزارية، سواء التي تسبق عادة تلك القمم أو تلك المستقلة عنها! ثم عاد وقال: دور الكويت كان، وما زال، فاعلاً ومؤثراً ومطلوباً في اللقاءات والمشاورات الخليجية والعربية والدولية، المتعددة الأطراف أو الثنائي منها (ولا أدري ماذا تركنا لأمين عام الأمم المتحدة؟) هذا الدور المتميز كان، وما زال، يحظى بإلهام وتوجيه من عميد الدبلوماسية العالمية، وهذا وصف اطلقه على صاحب السمو الأمير، علما بأن سموه أرفع من هذا اللقب.
ثم يعرج السيد رواشدة على علاقة الكويت بدول البلقان، ويقول إن بوابات الصداقة والتعاون، التي فتحت على مصاريعها للكويت خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً في منطقة البلقان، تعتبر تعزيزاً للحضور الكويتي «العريق» في تلك المنطقة! وهذا أيضا كلام لا معنى له، فالأبواب فتحت على مصراعيها للكويت لما قدمته من مساعدات، وليس لحضورها «العريق»، فما علاقة العراقة بتمويل المشاريع، علما بأن علاقة الكويت بدول المنطقة لا تعود لسنوات طويلة جدا، كان فيها الشيك هو العامل الفعال!
لقد سئمنا من كل هذا المدح الزائف، فقيادتنا ليست بحاجة لهؤلاء، ومشاكلنا نحلها بيننا، وقد اثبتت التجارب أنه قد يكون ما دفعته الكويت لبعض الأقلام لم يعد عليها بالخير يوما، فمن قبض منا ليكتب عنا، سيقبض حتما من غيرنا ليكتب ضدنا.
أحمد الصراف
www.kalama nas.com