مات عبد الناصر، وإعلامه حي ينبض ويشتد عوده، واعتزل أحمد سعيد أشهر الإعلاميين العرب على مر التاريخ، لكن كذبه مازال يلعب في الدوري المحلي.
و"تراجعت القوات الصهيونية أمام تقدم قوات جيشنا الباسل"، كما ادعى أحمد سعيد منذ اليوم الأول لحرب ٦٧، و"أسقط حماة الوطن هذا اليوم مئتين وستين طائرة للقوات الصهيونية"، أيضاً كما ادعى حضرته في اليوم الثاني للحرب، في حين كان عساكر الجيش الإسرائيلي لحظتذاك يتبادلون الأنخاب والضحكات والتهاني في الأراضي المصرية.
يومذاك صدّق المصريون كلام أحمد سعيد، باستثناء قلة مثقفة كانت تقيس الأمور بالعقل لا العاطفة، ومنهم مسؤول الكهرباء في السد العالي، الذي أعلن رأيه أمام العمال، وطالبهم باستخدام العقل والمنطق، فثار العمال في وجهه، وجاءه من الشتم والبصق ما يكفي شعب الصين العظيم: "حط المنطق بتاعك في… يا ابن الـ…"، إلى أن تبينت الأمور وانكشف المستور.
غاب أحمد سعيد عن المشهد واعتزل، لكن هناك من ارتدى فانيلته وأصر على استخدام طريقته ذاتها في اللعب الغبي، بكل ما أوتي من فخر، رغم تعدد مصادر الإعلام، بعكس الحال في عهده، أقصد عهد أحمد سعيد.
وتتجاهل غالبية وسائل الإعلام الكويتية ما يدور في الشارع من صمود الحراك في وجه الأعاصير، وتسمّي بعض وسائل إعلام السلطة كل هذه الجموع الغاضبة "المغرر بهم"، ويتبرع بعضها بتخوين المشاركين في الحراك السياسي، ويتطوع آخرون بإخراجهم من الملة، وفي المقابل تمتدح هذا البرلمان المنبوذ، وتسوّقه وتروّجه وتورّثه وتسرّح شعره، ووو…
والصدق، أن غالبية الناس لا تثق بنواب "مجلس السلطة" ولا بوسائل إعلام السلطة، ولا بكل ما يخص السلطة، وتحفظ أسماء شبان الحراك السياسي، وتثق بهم، وتقدر بطولاتهم وتضحياتهم، ويحتفظ كثير من الناس بصورهم، وينظرون إليهم بعين من الفخر وأخرى من الحب.
وتدفع السلطة بسيئي السمعة إلى الصف الأول، ويدفع الشعب بأبطاله صقر الحشاش ومطلق السند وسلام الرجيب وعياد الحربي وحمد البديح وراشد الفضالة وعبدالعزيز بو حيمد والمئات من أمثالهم (كي لا أنسى أحداً) إلى الصف الأول، وشتان بين الصدارتين.
ومازال أحمد سعيد الذي يسكن داخل السلطة يردد: "أسقطنا طائراتهم" ومازال الشبان يتقدمون بصمت، ويرددون مع الشاب سلام الرجيب: "أنا كويتي… ما أنكسر"، ويردد ذووهم: "بكم نفخر".