لا أعتقد أن دولة في العالم صرفت على التعليم بسخاء كما فعلت الكويت في تاريخها الحديث، وأتذكر جيدا أننا كنا كطلبة مدارس حكومية، قبل نصف قرن، سعداء جدا بما كانت تعطينا اياه المدرسة من مواد وحرية ونشاط مسرحي وتحرير صحف حائط، من دون قيود، بل انفتاح تام على الآخر، وهو ما يفتقده التلميذ أو الطالب الآن، ليس في مدارسنا فقط بل في كل مناحي حياتنا، بعد ان أدخل مستفيدون سوسة التطرف بيننا، فهؤلاء، وبينهم رجال دين، يعرفون جيدا أن في تقاربنا خراب بيوتهم، وافلاسهم في وحدتنا، وخرابهم في تكاتفنا، ورزقهم وارتفاع أهميتهم في تفرقنا وتشتتنا، وهذا ينطبق على اصحاب أي مذهب أو دين. ولكن بالرغم من كل ذلك الصرف الذي وصل لمليارات، الدنانير والدولارات، الا ان الأمر انتهى بنا اخيرا لأن نصبح في الدرك الأسفل في مخرجات التعليم عالميا، ففي تقرير اصدرته «تيمز وبيرلز»، (القبس 2012/12/12)، كان ترتيب الكويت 48 بين 50 دولة فقط، وهذه مرتبة شديدة التدني ومؤلمة وتفشل! ولكن لو عاد الأموات من وزراء تربية وتعليم سابقين للحياة ووضعناهم مع الأحياء من وزراء تربية، الذين نتمنى لهم عمرا اطول، لما رفض غالبيتهم العودة والعمل كوزراء تربية، من دون اعتبار لكل ما تسبب فيه غالبيتهم في ايصالنا لهذا الدرك الأسفل! وهذا ذكرني بفقرة وردت في أحد كتب الفلسطيني الراحل ناصر الدين النشاشيبي، أنه عندما زار ألمانيا لأول مرة، بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات، تمنى لو كان النازي هتلر حيا ليستمع منه عن سبب وضعه العرب في الدرك الرابع عشر من شعوب الأرض، ومن بعدنا اليهود والسود! وهذه نظرة عنصرية عفا عليها الزمان طبعا، ولكنها جزء من تاريخ البشرية على اي حال. فما الذي يمكن ان يقوله اي مسؤول حالي في التربية من درجة وكيل وزارة أو أدنى من كبار مسؤولي المناهج؟ ألا يستحي هؤلاء من أن تصبح واحدة من «أمة اقرأ» في المرتبة الـ46 في القراءة بين 49 دولة، نصفها لا يجد ما يسد به رمقه؟ نحن لا نتكلم هنا عن الفيزياء ولا على بطولة القفز بالزانة ولا بمواد دروس الأحياء ولا بمسابقات رفع الأثقال، بل نتكلم عن ترتيبنا في القراءة، في القراءة يا ناس يا بشر! فكيف يحدث ذلك بعد صرف عشرات وربما مائة مليار دولار على التعليم؟ انه أمر مخجل بامتياز، ومؤلم حتى العظم، ولكن ليس باليد حيلة. كل ما نريده هو استقالة واحدة من مسؤول كبير على هذه النتيجة المخزية، هل صعب هذا؟ اذا، نريد اعتذارا واحدا من مسؤول متوسط، هل يستحيل هذا أيضا؟ اذا، نريد من واحد من هؤلاء أن يضع، بينه وبين نفسه، وجهه بين يديه ويتوارى عن نفسه خجلا من هذا العار، ويمتنع اليوم عن الذهاب الى ديوانيته المعتادة! ولكن لا شيء من هذا سيحدث فقد «تمسحت» جلودنا ووخز الابر اصبح لا ينفع معنا أو يؤثر فينا!
ملاحظة 1: أثار بعض حملة شهادة «الدكتوراه» المضروبة والصادرة من جامعات وهمية أو غير معترف بها، ضجة كبيرة قبل اشهر بسبب عدم اعتراف الوزارة بشهاداتهم، وفجأة «خف الرمي» وخفتت الضجة، فهل تم ارضاء هؤلاء، واصبح منهم مربو أجيال؟ أعتقد ذلك!
***
• ملاحظة: يقول المثل الصيني «تجاهلك للكذاب الجاهل سيجعله يتمادى اكثر في جهله وعدوانيته وسيؤدي ذلك في النهاية لتقطع مصارينه»!
أحمد الصراف
www.kalama nas.com