الرسالة القوية التي أفهمها من رفض الشباب خالد وراشد الفضالة وعبدالله الرسام وفهد القبندي، أنهم لا يتحدون قرار النيابة فقط بالإفراج عنهم بكفالة مالية قدرها ألف دينار لكل منهم، والتي يرون أنها عقوبة من غير حكم نهائي، وليست إجراء احترازياً كما يفترض أن تكون، بل يتحدون أيضاً التشريعات الجزائية التي يتهمون بخرقها، كالإساءة للذات الأميرية والعيب في صلاحيات الأمير والاشتراك في مظاهرة غير مرخصة.
طبيعي أن تلك التشريعات قد صيغت بشكل نصوص عامة غير محددة، والنصوص، هي كلمات واسعة وفضفاضة، ويمكن أن يختلف على فهمها الناس حسب ثقافتهم وميولهم السياسية وتبعيتهم لممارسات السلطة أو رفضهم لتلك الممارسات، فتلك النصوص يمكن أن تصبح سيفاً مصلتاً على رؤوس الأفراد تحركها وتهزها سلطة الحكم كيفما تشاء لترويع "كل من تسول له نفسه"، (وتلك عبارة ملهمة في خطاب السلطة عادة) أن يشق عصا الطاعة، أو يمكن أن نعقِّل من فهم تلك النصوص، حين يكون صدر السلطة متسامحاً رحباً يثق بنفسه وبمصيره المرتبط بقناعة الناس وقبولهم به.
المجاميع الشبابية التي تساق كل يوم وآخر إلى النيابة والمحاكمات، لا يتصور أنها تقصد خرق تلك التشريعات لأي سبب، وبالتأكيد لا يقصد أي من هؤلاء الشباب المساس بسمو الأمير أو سلطاته، ولا يهدفون بأي حال إلى هز نظام الحكم، فهم لا يريدون غير أن يتنفسوا بحرية. أرادوا أن يقولوا رأيهم بصوت عالٍ (ربما) ضد مرسوم الصوت الواحد أو (ربما) بكلمات أدق ضد استفراد السلطة بالحكم وعزلها تماماً للصوت المعارض.
أعتقد أن الشباب يعون أننا في بلد غير ديمقراطي، ولم تكن لدينا يوماً ديمقراطية حقيقية يتنطع بها الحزب الحاكم ومريدوه، وأننا كنا، ومازلنا، نحيا بوهم كبير اسمه الديمقراطية والدستور، ويعي هؤلاء الشباب أن الفسحة الضيقة واسمها "حرية التعبير النسبية" التي تنفس منها الناس في لحظات عابرة؛ يوم ولادة الدستور عام ٦٢ وخنق بعدها بسنوات قليلة، وبعد وفاة عبدالله السالم قد قلصت إلى حد كبير، وأن السلطة "وهي الأسرة الحاكمة" بممارساتها المستمرة لقمع أي محاولات جدية للإصلاح لا تقبل الرأى الآخر، ولا تريد أن تضع حداً للنهب المبرمج لمقدرات الدولة من بعض أفراد الأسرة أنفسهم، أو من الجماعات المتحلقة حولها، وفي الوقت ذاته، ليس لهذه السلطة أي مشروع تنموي ورؤية لمستقبل البلد كخيار ثانٍ يعوض قليلاً عن الغياب الديمقراطي.
فالدولة هنا أفلست من الاثنين، فهي لا تملك الديمقراطية بالأساس، ولا تحوز مشروعاً مستقبلياً يؤمن الغد المجهول، فأضحى الشباب الواعون رهينة القلق من القادم، وهم في الحاضر محرومون من حق التعبير عن هذا القلق المشروع، فمتى تتخلى السلطة عن دور الأخ الأكبر والوالد المسيطر، وتعلم أن التاريخ يسير دائماً إلى الأمام، ولا يقف عند تخومها كما تتوهم…