مثلما هناك معضلة "الثالوث المحرم" كما يتمثل بالسياسة والدين والجنس في كتاب المفكر السوري الراحل بوعلي ياسين، وهي المحرمات الكبرى في شرقنا العربي المتخلف، والتي يحظر الحديث أو التعبير عنها بالوطن العربي، لدينا في الكويت ثالوثنا المستحيل الذي حدده استبيان مجلس الأمة الأخير، متمثلاً في السكن والتعليم والصحة وهي هموم المواطن الكبرى.
لا جديد في استبيان المجلس هذا، كما لم يكن جديداً أن تعيد الحكومة تكرار خطابها الخاوي عبر وسائل الإعلام عدة مرات دون جدوى، ويصاحبه "فلاشات" دراسات وخطابات بوعود حكومية لحل أزمة المستحيلات الثلاثة الكويتية مع رتوش تتحدث عن عزم السلطة على محاربة الفساد، وإصلاح الجهاز الإداري، وتخفيف أزمة المرور وغيرها من هموم مثل محنة البدون والوضع الشاذ لنظام الكفيل الكويتي للمقيم أطلقتها الحكومات المختلفة، وهي حكومة واحدة في جوهرها، وكلها لم تحرك ساكناً في حلحلة أي من المحرمات الكويتية.
تكرار ليس له بداية ولا يبدو أن له نهاية، حين يشتكي الشباب من أزمة السكن وعجز أهلهم من الطبقة الوسطى عن توفير قطعة أرض بسيطة لشراء منزل العمر لأبنائهم بسعر معقول، وتكرار لا ينتهي في خطابات سوء الخدمات الصحية في الدولة يقابلها وعد بعد آخر عن قرب الانتهاء من إنهاء بناء مستشفيات جديدة، وننتهي إلى فشل في تحقيق الوعد، وعد مستشفى جابر مثلاً في خدمة الصحة، يقابله وعد آخر عن جامعة الشدادية للتعليم الجامعي الذي سيخرج جيوشاً جديدة ستحشد في إدارات "تعال باجر" البيروقراطية.
من سيصدق وعود الإصلاح الحكومية، وإلى متى تظل هذه السلطة الدائمة تحقن المواطنين بإبر التخدير (الوعود) بقرب حل قضاياهم اليوم! كم سنة وكم عقد انتهت بلاشيء، ومن جديد يعود المصدر الحكومي ليخبرنا بعد ديباجة الملل المضحكة في اجتماعات أصحاب المعالي الشيوخ والوزراء عن "دراسة المستجدات على الساحتين المحلية والإقليمية"، ليقدم إلى المواطن وعداً جديداً، وتعود حليمة لعادتها القديمة، فخدمة الصحة تظل "زفتاً"، والتعليم يسير من سيئ إلى أسوأ، والدراسات الكثيرة عن تدهور الوضع التعليمي مكانها المناسب سيكون في أرشيف منسي من أرشيفات الدولة، وأسعار الأراضي ترتفع مع بقاء احتكار الدولة والقلة المقربة إلى القرار السياسي للأرض اليباب، والأضابير المنسية في الأدراج الإدارية تتضخم ولا أحد يرى ولا أحد يسمع ولا أحد يكترث في دولة تدفع الرواتب وتدعم السلع والخدمات وتوفر "ماجلة" العائلة بدون مقابل لأكثر من سنة كاملة.
لم يعد مجدياً أن تتحدث السلطة عن "ثالوثها" الكبير، فالمواطن أصبح لديه مناعة عدم التصديق للوعود السلطوية، التي اكتسبها منذ زمن بعيد ومن تواريخ قديمة بوعود الإصلاح السياسي والشفافية ومحاربة الفساد، ووضع "الشخص المناسب في المكان المناسب"، مع ملاحظة أنني لم أجد حتى الآن هذا الشخص المناسب والذي استمر بعض الوقت في "المكان المناسب".
بداية الإصلاح وتجاوز الدائرة المغلقة لأزمة الدولة أن تقر السلطة بأنها فشلت، لتقر مرة واحدة بعجزها، وبفشلها السياسي والإداري، فالخطوة الأولى لمشوار التقدم هي الإقرار بحكمة أن فاقد الشيء لا يعطيه، وسلطتنا هي فاقدة الشيء، غير ذلك لا يوجد في قاموسنا غير كلمة "اليأس" من الحال.