سعيد محمد سعيد

مصرع رجل في الرابعة والثلاثين من العمر

 

الحادث مؤلم فجيع مزلزل حقاً، إلا أن البعض يقول بأن الرجل البالغ من العمر 34 عاماً لقي مصرعه، فيما يقول بعض آخر بأن فيه رمقاً من حياة. فهو لا يزال ينازع بين الحياة والموت، لكن طرفاً ثالثاً يؤكد بأن هناك الكثير من الأمل لإنقاذه من الموت وإعادته إلى الحياة، فيما ذووه لا يلوون على شيء، ولا يدرون عن حقيقة حالته إلا القليل القليل وسط تلك الأنباء المتضاربة.

على أية حال، عاش ذلك الرجل منذ ولادته طموحاً في كنف أعمامه الستة، وكان أولئك الأعمام وذووهم قاطبةً، يحيطونه بالرعاية والاهتمام والمحبة، إلا أن فترة سنيه الأولى كانت صعبة. في تلك الحقبة، كان يعيش في منطقة مهمة للغاية هي محط أنظار كل الطامعين، وفجأة، نشب نزاع وخلاف كبيران بين اثنين من معارفه المقربين، الأول إيراني والآخر عراقي، وتحول ذلك الخلاف إلى حرب طاحنة ألقت بمخاطرها وتبعاتها على الجميع، وكان الأعمام الستة في غاية القلق، حتى أن الرجل أصبح وكأنه (حمال الأسى) بين الجميع، وطوال ثمانية أعوام مريرة قاسية، كان هو بمثابة حائط الصد الذي يتلقى كل الضربات، حتى وجد نفسه مضطراً لأن يلقي كل اللائمة والخطأ على جاره الإيراني، وبذل كل ما يملك من مال وجهد ومواقف ليساند جاره العراقي، لكنه لم يتوقع يوماً أن ذلك الجار العزيز الغالي الذي يحمي جنبه الشرقي، سيطعنه طعنة موجعة كادت تودي بحياته.

تألم كثيراً، تندم، غضب، هدّد، حاول.. تكلّم باللين تارةً وبالشدة تارةً أخرى، لكن ذلك الجار أراد اقتطاع مساحة من كيانه فلم يقبل، فلجأ إلى الأغراب الذين كانوا يتحينون الفرصة أصلاً لنهب خيرات وفيرة كان ذلك الرجل يمتلكها ويأمل كل أهله وأقاربه أن تكون لهم تلك الثروات والخيرات أملاً بمستقبل عامر زاهر بالتطور والخير والنماء، لكن هذا ما حدث، وخسر هو وأعمامه وأهله وأرضه الكثير مما أصابه بالوهن الشديد، لكنه بقي يعيش على الأمل، لطالما أن الأعمام باقون ويساندونه، فما عليه سوى أن يتسلح بالصبر والمثابرة والعمل لعل وعسى.

كبر ذلك الرجل، وفي كل عام جديد، يصيغ أحلام وطموحات أهله وذويه ويبث الأمل تارة، ويخفي مرارة الألم وغصة الخلاف والنزاع المستتر بين قومه تارة أخرى. أراد دائماً أن يتقدّم المشهد. لا ينقصه شيء، فها هو قد بلغ سن الرشد ويمتلك من الخبرات والمعارف والمال والأهم.. يحيط به أقارب متعلمون قادرون على تحقيق تلك الطموحات. المشكلة، أن جيرانه، كلما مر به وبهم العمر، يشتعلون خلافاً ونزاعاً وتصادماً يغذيه الأغراب الذين استعان بهم يوماً ليحموه، لا من جار واحد طعنه غدراً. بل منه ومن جار آخر تحول إلى عدو لدود يثير قلقه دائماً على الرغم من أنه حرص على أن يتبادل مع ذلك الجار العدو، في كل ظرف ومناسبة وأزمة، الكلام الشديد تارة، والكلام الجميل عن الجيرة والمحبة والدين تارات أخرى. وبقيت تلك العلاقة حتى يومنا هذا، لا تعرف فيها الصادق من الكاذب.

مر الزمن، وامتلك الرجل علاقات مع القاصي والداني، وكان بإمكانه أن يتجاوز كل المعوقات ليصبح أقوى وأقوى، لكنه وجد نفسه محصوراً في طموحات قومه التي لا يمكن أن تعيش إلا إذا رضي الأغراب! وإن لم يرضوا، فإن تلك الطموحات تتحطم على صخرة جاثمة تعيق حركته ولا يستطيع إزاحتها من طريقه.

جلس مراراً مع أعمامه وقومه لسنوات وسنوات، حيناً في السر وحيناً في العلن. أراد متمنياً ألا يمثل النفاق والطبطبة ويتحدث معهم بصراحة ليتجاوزوا كل سحابات الصيف، إلا أن تلك السحابات بدت هي الأخرى جاثمة! تنزاح يوماً وتعود يوماً آخر… ما العمل؟ كان ذلك هو السؤال الذي يضيق عليه الخناق. فمن جهة، هو يرغب صادقاً في ألا يتدمر قومه في محيط لا يقبل إلا الأقوياء، ومن جهة أخرى، تضيق عليه الحيرة في عدم رغبة قومه في أن يكونوا أقوياء فعليين وألا يكتفوا برضا وحماية وزعل وغضب الأغراب. ينجح مرة، على مضض، ويخفق مرات أخرى.

حالته اليوم في غاية الحرج، فلا أهله وأحبته يعلمون بكل تفاصيل ما جرى له، ولا هو بقادر على أن ينهض ليخبرهم! كل ما بلغهم من علم هو أنه لقي مصرعه من باب.. ومن باب آخر، علموا بأنه ينازع محتضراً بين الموت والحياة، لكن من الباب الثالث، قيل لهم أنه في غيبوبة، ومن الممكن إنقاذ حياته فيستعيد أنفاسه وينطلق من جديد.

لا يزال في عنفوانه، فهو في الرابعة والثلاثين من العمر. نتمنى أن ينهض بالسلامة وتقر أعين أهله به. ذلك الرجل اسمه «مجلس التعاون لدول الخليج العربي».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *