علي محمود خاجه

«الاتجاه غلط»

نتجه دوماً إلى السياسة لحل مشاكلنا المجتمعية، التعليم سيئ نحاسب الوزير سياسياً، القطاع الصحي متدهور نهدد ونتوعد الوزير، الإسكان أزمة نسن قوانين إضافية للإسكان، وهلم جرا على بقية المجالات وقطاعات الدولة. قد تساهم السياسة في حل بعض المشاكل أو تحريك المياه الراكدة في قطاعات مهمة بالدولة، كما أسهمت سابقا بذلك بقوانين مفيدة أو رقابة حقيقية تهدف إلى إصلاح الوضع، لكن هل السياسة فعلاً هي ما يحل مشاكلنا؟ نشرت الزميلة "القبس" في عددها الصادر أمس الثلاثاء خبراً عن منع عرض موسيقي في كلية العلوم الاجتماعية، وقد جاء هذا المنع على يد جمعية العلوم الاجتماعية، وهي  لمن لا يعلم مؤسسة طلابية ينتخبها طلبة الكلية كل سنة لتمثيلهم، ويتولى قيادتها في هذا العام القائمة الائتلافية (الإخوان المسلمون)، بمعنى أن أغلبية طلبة كلية العلوم الاجتماعية وعبر ممثلهم المنتخب منعوا عرضا موسيقيا لأنه يخالف اعتقادهم، كما اشترط النادي السياسي، التابع للاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الجامعة (إخوان مسلمون)، وجود محرم للطالبات من أجل قبولهن في رحلة ثقافية طلابية لزيارة مبنى الاتحاد الأوروبي في بلجيكا، وهو أيضا اتحاد منتخب من الطلبة الكويتيين بالجامعة. الحالة السابقة ليست حالة سياسية بل هي عبارة عن فكر مجتمع تنتخب أغلبية أبنائه من يشجع على سيطرة الرأي الواحد ومحاربة أي فكرة تخالفه، بل يحاول أيضا فرض رأيه على بقية الأفكار قسراً، وهنا مربط الفرس، فلنفترض مثلا أن ساستنا اليوم تمكنوا من إقرار أمور تنموية تغير الوضع القائم فأنشؤوا مدنا جديدة وبنوا مطاراً جديداً، ووفروا المستشفيات والمدارس والجامعات والطرق بشكل أفضل، بمعنى أوضح تمكنوا من تحقيق كل ما يرغب به الشعب تنموياً من خلال القرار السياسي، فهل ستزيل هذه التنمية المرجوة التخلف والرجعية في المجتمع؟ هل سيسمح للعرض الموسيقي إن كان في جامعة جديدة على أعلى طراز؟ هل سيتراجع الناس عن السعي إلى فرض الرأي والاعتقاد الواحد على البقية إن أنشئت مدن جديدة أو كان لدينا مستشفيات أكثر؟ طبعا إن هذا الأمر لن يتغير بتغير المباني والمنشآت بل هو بحاجة إلى عقول أفضل. لذلك فأنا أعتقد أننا عند التركيز على السياسة دون غيرها فإننا قطعا نسير باتجاه خطأ لا فائدة منه دون مجتمع واعٍ وعاقل، وهو ما لا نعمل لتحقيقه أبدا للأسف إلا بمحاولات أقل من محدودة، لابد من ترتيب مشاعرنا وغضبنا وسخطنا بشكل أفضل فيكون منع كتاب أو دخول رأي إلى الكويت أشد وطأة وألما على نفوسنا من تصريح وزير أو مرسوم، وأن يكون إسكات الرأي المخالف لآرائنا أشد قسوة علينا من قضية مال عام، هذا هو الاتجاه الصحيح الذي يتوجب علينا التركيز عليه؛ بناء المجتمع قبل المنشآت فالعقل القويم قطعا سيحقق البناء، أما المنشآت فلن تحقق عقلا قويما أبدا.

سامي النصف

ليس بالطائرات وحدها تحيا الشركات!

نبدأ بتعليق طريف أرسله لي أحد الكباتن المخضرمين بعد انتشار صورة طائرة خليجية لم تستطع النزول في احد المطارات الأوروبية فتحولت إلى مطار آخر، حيث تساءل الزميل بسخرية بالغة: هل يتصور احد قط ان يقوم وزير المواصلات الخليجي المعني بايقاف الطيار ورئيس شركة طيرانهم دون معرفة شروط الهبوط الآمن للطائرات؟! كوميديا سوداء أخرى تحدث في بلدنا تفقد كثيرين الأمل في الإصلاح أو الوصول إلى ما وصل اليه الأشقاء الخليجيون من تطور وتقدم قائم على الشفافية ودعم أهل الاختصاص والمعرفة.

***

يقول د.أحمد زويل العالم المصري الشهير والحائز جائزة نوبل، ان الفارق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ان في الأولى يتم دعم الفاشل حتى ينجح، أما في الثانية فتتم محاربة الناجح حتى يفشل، ويرى كثيرون أن هذه الظاهرة ومعها ظاهرة مكافحة الكفاءة والأمانة متفشيتان حتى النخاع في البلد، وهما للعلم من أهم أسباب فكرة الهجرة المتفشية بين المخلصين والمحبين للكويت.

***

علينا أن نتذكر ان «الكويتية» هي تجربة الخصخصة الأولى في البلد التي يرقبها العالم اجمع وكان الواجب ان تدعم التجربة ـ لا ان تحارب ـ منذ اللحظة الأولى لاعلانها من كل المستويات بالدولة، وان يطعم مجلس ادارتها قبل عام بأفضل شخصيات اقتصادية وقانونية ومختصة بشؤون الطيران بالكويت، ويضاف لهم خبرات اجنبية ومحلية في الجهاز التنفيذي قادرة على منافسة كبرى شركات الطيران في العالم والتي تقع على مسافة دقائق قليلة من الكويت ضمن عالم الاجواء والمنافسة المفتوحة، لذا نقول ان الطائرات الحديثة هي جزء من الحل وليست كل الحل، فكل كرسي خال هو عدو لدود لنجاح اي شركة طيران.

***

آخر محطة: (1) بعد التجربة المرّة الأخيرة التي سنكتشف لاحقا انها قتلت فرصة خصخصة «الكويتية» بعد استحالة تحولها للربحية نظرا للتدخل السافر في قراراتها وتحميلها مليارات الدولارات دون داع، على الدولة ان تسارع بنقل تبعية «الكويتية» للهيئات الاقتصادية المختصة.

(2) للعلم طائرات «ايرباص A350» و«ايرباص A320 Neo» ربما هي أفضل طائرات تعاقدت عليها «الكويتية» في تاريخها الطويل الممتد الى عام 1954 حيث انها تقنيات مستقبلية غير متوافرة في الاسواق حاليا بينما اعتادت «الكويتية» ان تشتري طائرات موجودة بالأسواق منذ زمن طويل، كما انها نوعان فقط كبير وصغير ومن مصنع واحد ما يوفر الكثير من نفقات التشغيل وقطع الغيار بينما كان الأمر المعتاد هو شراء طائرات متعددة الأنواع من مصانع مختلفة.

 

 

 

 

احمد الصراف

العزيز المريض

ما الذي تشعر به عندما تجد نفسك واقفا أمام فراش عزيز كريم، وتراه شبه غائب عن الوعي، يشكو من المرض، وليس بإمكانك فعل شيء، ولا من يقدم له العلاج، بعد أن تقاعس الأطباء واختفت الأدوية؟ ويزداد حزنك مع استفحال المرض، واضمحلال جسد العزيز، واستمرار غياب من يسمع شكواك! لا شك انه موقف مؤلم، وخاصة عندما يكون ذلك العزيز وطنا كالكويت التي أعطتنا كل شيء، فرددنا لها المعروف بنتف ريشها وكسر اقدامها وقلع عينيها وخلع اكتافها ونهش لحمها، لنبيعها بثمن بخس! لا أدري كيف يمكن أن تتحول نسبة كبيرة ومتزايدة من كبار مسؤولي الدولة وصغارهم، وبعض مشرعينا ومتنفذينا، الذين كانوا، حتى الأمس القريب، مثال الأمانة والطيبة والصدق وعفة اليد واللسان، لمجموعة من الراشين والمرتشين؟ وكيف أصبحت الكويت، ونقصد هنا شعبها، على رأس قائمة الدول الأكثر فسادا، منافسين شعوب الهند ومصر والفلبين وبنغلادش ولبنان ونيجيريا وبقية «الأرطة» على المكانة؟ وكيف أصبحت دول قليلة الإمكانات، كثيرة المسؤوليات كالأردن وناميبيا وغانا، أفضل منا، وأقل فسادا؟ وهل هناك كارثة أخلاقية أكبر من هذه؟ وما المستوى الذي سننحدر له عندما تحزم حكومتنا «الرشيدة» أمرها وترسي ما تخطط لتنفيذه من مشاريع بمليارات الدولارات؟ وقتها كيف سنرد على تساؤلات من تبقى بيننا من أصحاب الضمائر الحية والشرفاء عن كيفية التصرف حيال هذا الوضع؟ ومتى ستنهار مقاومتهم، ويلحقون بركب الفسدة والمفسدين؟ وما سبب سكوت أغلب «الكبار» عن كل قصص الفساد، في الوقت الذي ربما يعرف رواد ديوانيات كثيرة ومسؤولو ديوان المحاسبة، وجميع أصحاب المكاتب الاستشارية وأعضاء لجان المناقصات، أسماء من يقف وراء تلك القصص؟ فإن عرف هؤلاء فإن الجهة المعنية أكثر من غيرها بالأمر تعرف أيضا، فلم لا تقوم بفعل شيء؟ ماذا ينقص الكويت لتكون أفضل من غيرها؟ ولماذا أصبح من الصعب أن نجد اليوم مواطنا نظيفا يقبل بترسية عقد توريد أو توقيع مقاولة، أو الإشراف على تنفيذ هذا العقد أو ذلك المشروع، أو تمرير تلك المعاملة أو تأخير إنجازها، دون أن يفكر بمد يده ليقبض من هنا وهناك؟ هل المواطنون فقراء؟ هل يفتقدون الدواء لأمهاتهم، والمدارس لأبنائهم؟ أم أنهم بحاجة لمياه وكهرباء؟
الجواب طبعا «لا» كبيرة جدا، فالسبب لا يعود، كما هي الحال في الدول الفاسدة، للفقر والبيروقراطية المتخلفة وغياب الحريات وفقدان ضروريات الحياة، بل لأن الصغير أصبح يقتدي بالكبير، والكبير بمن هو أكبر منه، وهناك دائما من يرشي ومن يرتشي، فلا عقاب ولا حساب، بحيث اصبحت غالبية مرافق الدولة، المتصلة بالجمهور، أو التي لها ميزانيات كبيرة، كالبلدية والاشغال والصحة والتربية وأقسام الداخلية والشؤون والبيئة والإطفاء والإسكان والموانئ، مراتع فساد شهيرة!
فهل من علاج؟ لا أعتقد، فقد فات الوقت وأصبح المريض في حالة احتضار!

أحمد الصراف