سامي النصف

ذاكرة الأسماك

المقال الذي لا يحرك المياه الساكنة ولا يشحذ التفكير والنقاش حوله ولا يتحدث عنه الخلق هو مقال لا يستحق ان يكتب اصلا، لذا لم يكن غريبا ان يحظى مقال «الدولة العميقة» وقبله مقالات كثيرة بالنقاش بين مؤيد ومعارض، ما لم يكن مقبولا هو ان يترك البعض ما يكتب الى من كتب وتبدأ محاكمة النوايا والاعتقاد بأن ذاكرة الشعب الكويتي هي اقرب لذاكرة الأسماك التي لا يزيد أمدها الزمني عن عدة ثوان.

 

إن محاربة الفساد المالي والإداري ليست قولا يقال بل عمل يعمل وهذا ما انتهجناه في كل موقع عملنا به صغر او كبر، ولم تتوقف قط مقالاتنا المحاربة للفساد المالي والإداري في البلاد ولم يوقفنا تقلدنا للمناصب العامة بل ان هذا هو السبب الحقيقي لحملة البعض علينا مع أقلامهم وهذا هو السبب الحقيقي لفزعة الناس بكافة ألوان طيفهم وتعاطفهم معنا.

وأعيد للأذهان مقالات كتبتها قبل أشهر قليلة وكنت في موقع المسؤولية ذكرت فيها ان الخلاف الحقيقي في الكويت ليس بين الازرق والبرتقالي بل بين اصحاب الرايات الحمراء ممن يرون ان المال العام وبقاء الكويت خطوط حمراء لا يقبل تجاوزها، وبين حاملي الرايات الخضراء ممن يرون ان الكويت دولة مؤقتة وبلد زائل لا محالة وأن النهج الصحيح هو ان تعبأ منه الجيوب بالمال الحرام قبل الحلال وان تتم سرقته ونهبه وحتى اكل اموال ايتامه.

وذكرنا في مقال لاحق أسميناه «تكالبت علينا الرايات الخضر» ونشر في 8/6/2013 ان الفريق الاحمر المحارب للفساد والمحافظ على الاموال العامة يضم قوى من الموالاة ومن المعارضة، ومن الاسلاميين ومن الليبراليين، سنة وشيعة، حضرا وقبائل، يقابلهم حاملو الرايات الخضراء الداعمون للفساد والمستبيحون للأموال العامة ممن يضم معسكرهم كذلك موالاة ومعارضة، ازرق وبرتقالي، اسلاميين وليبراليين، سنة وشيعة، حضرا وقبائل.. إلخ، لذا لم اغير بندقيتي قط المحاربة للفساد وللأخطاء لا بالأمس ولا في اليوم ولا في الغد.

 

آخر محطة: أتى في تعقيب لقارئة فاضلة اسمها غادة على ذلك المقال قولها «اهل الكويت كلهم معاك، وبإذن الله اهل الكويت كلهم من اصحاب الرايات الحمراء».

احمد الصراف

نهاد رزق.. جارة القمر

هذا هو الاسم الأصلي للفنانة الكبيرة «فيروز»، التي ستبلغ الثمانين خلال عام تقريبا! ولدت فيروز لأسرة فقيرة في منطقة «زقاق البلاط» ببيروت، لأب سرياني، تركي الأصل وأم مارونية، وبدأت عملها الفني في اربعينات القرن الماضي. وكانت أولى أغانيها المسجلة باللهجة المصرية، وهي «يا حمام يا مروح»، من ألحان حليم الرومي، والد الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي، وبالمناسبة هو الذي عرّفها، عندما كان مديرا للإذاعة اللبنانية، على عاصي الرحباني الذي تزوجها لاحقا واطلقها في سماء الفن مع أخيه منصور. أحدث ثلاثي الرحابنة، ومن بعدهم ابنها زياد، شبه انقلاب في الموسيقى العربية بتميز اغانيهم بكلماتها والحانها، وقصر مدتها وقوة معانيها، على عكس ما كان سائدا في حينه. كما شاركوا في تقديم عشرات الأوبريتات المسرحية والأفلام السينمائية، لمختلف المواضيع الناقدة للأوضاع السياسية والاجتماعية، ممجدة البطولة وحياة الضيعة والحب بأنواعه. وبالرغم من طغيان ألحان الرحابنة على أغانيها، فإن كثيرين لحنوا لها كذلك. كما غنت أشعار ميخائيل نعيمة وسعيد عقل، وبالرغم من ان فيروز شاركت في الغناء في مناسبات وطنية عديدة، بحضور ملوك ورؤساء. وبالرغم من تأثير زوجها، الذي توفي عنها عام 1986، وأخيه على أعمالها، فإن ابنها زياد نجح في أن يضع لها ألحانا أكثر تميزا وذات بعد فلسفي.
غنت فيروز لوطنها لبنان ولفلسطين والأردن وكندا، وأدت أغانيها في دمشق وفلسطين والبحرين والكويت والإمارات وقطر والأردن وسوريا ومصر والمغرب والجزائر واليونان وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وهولندا والمكسيك والبرازيل والارجنتين واستراليا وولايات أميركية عدة. وبالرغم من ادعاء البعض أن عدد أغانيها بلغ 3000 فإن الحقيقة انها لم تبلغ الألف، ولا يقلل هذا من قيمتها وجمال ما قدمت.كما أنها غنت للكنيسة تراتيل دينية رائعة. وتكاد فيروز أن تنفرد بين المغنين العرب الكبار برفضها الغناء لأي شخصية سياسية، كملك او رئيس، وكان موقفها هذا سببا لغضب نظام «عبدالناصر» منها، ومنع بث أغانيها لفترة طويلة من الإذاعة والتلفزيون المصري.
وتصدح فيروز في احدى أغانيها، التي يملأ عبق لبنان رئتي عند سماعها وهي تغني: «نحنا والقمر جيران بيته خلف تلالنا بيطلع من قبالنا يسمع الألحان.
نحنا والقمر جيران عارف مواعيدنا وتارك بقرميدنا أجمل الألوان
وياما سهرنا معه بليل الهنا مع النهدات
وياما على مطلعه شرحنا الهوى غوى حكايات
نحنا والقمر جيران لما طل وزارنا ع قناطر دارنا رشرش المرجان».

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

إحذر… أمامك «مواطن»!

 

يتفنن الكثير من المسئولين في التصريحات الصحافية التي يمكن اعتبارها فعلاً، حبراً على ورق. ولا يُلام المواطن حين يفقد أعصابه ويصرخ من قمة رأسه على أحد المسئولين حين يشاهده في التلفاز أو يقرأ له (بضع خرابيط) في صحيفة هنا أو هناك، قائلاً: «كلامك… فوحه واشرب مايه»!

المشاهد الفكاهية كثيرة، فالعمل الصحافي الميداني يضعك أمام مواقف في غاية الطرافة، وتزداد تلك الطرافة إذا رأيت مسئولاً يحاول التهرب من مواطن/ مواطنة، وقف/ وقفت له (كالعظم في البلعوم) أثناء جولة تفقدية أو حفلٍ أو زيارةٍ أو حتى وهو يدخل باب وزارته. أما نوعية المواطنين من طراز (كلامه يشق القحفية)، فهؤلاء، والله أعلم، لو يزداد عددهم في البحرين، لوجدت حالات الإصابة بالإغماء والغيبوبة والسكتة القلبية والدماغية بل وربما… شلل الأطفال، تنتشر بشكل كبير بين بعض المسئولين.

(إحذر..أمامك «مواطن») لعلها اللافتة التي يتوجب على بعض المسئولين ذوي التصريحات واللعلعة والكلام الزائد عن حده اتباعها جيداً والالتزام بها كما يلتزمون بإشارات المرور والقوانين واللوائح… هذا إن كانوا يلتزمون بها أصلاً! وعلى أي حال، فذلك النوع من المواطنين يمثل خطورة بالغة على «السلم الاجتماعي» وعلى «الاستقرار» وعلى «نفخة المسئولين»، خصوصاً حينما يكون سليط اللسان (ووجهه بليته) لا تنفع معه عين حمراء ولا سوط مشهر ولا تهديد هذا المرافق أو ذاك (السكورتي).

المواطن أيها السادة، لا يمكن أن يكون مخرباً ومعادياً للحكومة وللوطن وللناس حين يعترض، وإن بقسوة، على أمور يختلط فيها الفساد بالتلاعب بالمال العام، بتجاوز القوانين والمحسوبية، وبالواسطات وبستين داهية. بل من حقه الدستوري أن يعبر عما يجيش في صدره بكل راحة. الغريب في بعض الزيارات التي يقوم بها بعض المسئولين إلى مناطق أو مجالس، يتم تخصيص «جندرمان» أو «قبضايات» أو «فداوية» أو «طرزانات» عملهم الرئيس هو الانقضاض على أي مواطن يحمل في يده خطراً مدمراً أشد فتكاً من الأسلحة الخطرة كأن يحمل معه مثلاً رسالة كتب فيه معاناته وهمومه، أو يخبّيء في جيبه، مثلاً مثلاً، تقريراً طبياً يؤكّد حاجته أو حاجة أحد أفراد عائلته للعلاج العاجل. أو، خذ مثلاً أيها القاريء الكريم، أن يحمل مواطن أو مواطنة شيئاً مخيفاً بالنسبة للكثير من المسئولين… أوراق طلب توظيف واحد من عيالهم.

بعض، أقول بعض المسئولين، نعم، يستقبل المواطن سواءً في مكتبه أو حين يلتقيه في زيارة أو جولة، يصبغ «المواطن» ويملأ جيوبه بالكلام الجميل الرائع والوعود البراقة، أما صنف آخر، فهو يفضل الهروب، بل ولا يتردد في أن يظهر للناس أن الشرر يتطاير من عينه غضباً (يا زعم قوي)! وهناك نوع آخر (يرفع الضغط)، وهو ذلك المسئول الذي يتفلسف على الناس ويحتقرهم ويتحدث معهم من طرف (خشمه).

قبل سنوات، وفي إحدى الزيارات الميدانية لأحد الوزراء، تقدّم أحد المواطنين برسالة محاولاً إيصالها إلى المسئول نفسه وليس في يد أحد من مرافقيه كسكرتيره أو مدير مكتبه أو كائن من يكون. ذلك الوزير، قابل المواطن بابتسامة عريضة واستلم منه الرسالة، مع أن ذلك المواطن، بولسان طويل، وهو يتمشى على طرف والوزير في طريقه إلى سيارته قال: «طال عمرك عاد هالله هالله في رسالتي لا تنقط في الزبالة على فاضي بلاش»، أما (سالفة) أن بعض المسئولين، وخوفاً من الالتقاء بالمواطنين، فيهربون من باب خلفي مرفق بمكاتبهم، فهذه والله ما رأيتها بأم عيني، لكن والعهدة على الراوي، الذي هو أنا… فإنني، كما قلت، لم أرى لكنني شخصياً «ضبطت» أحدهم ذات يوم وهو يحاول الهروب من معاملات الناس، ومن بينهم معاملة لي أنا الفقير لله.

تعال وانظر إلى ذلك المسئول الذي (درعم) مواطن أو مواطنة طريقه وقد فقدا الأمل من طول انتظار التوظيف. بالمناسبة، الشباب الذكور، في الغالب، وخصوصاً الجامعيون منهم، ممن ذاقوا مرارة التعطل لسنين منذ تخرجهم، تراهم وعلى وجوههم التذمر الشديد. وكذلك الحال بالنسبة للإناث، لكن في الغالب، ترى الواحدة منهن وهي تتحدث والدموع في عينيها، لا سيما حين تتحدث عن مصاعب المعيشة وضيق ذات اليد، ويتفطر قلب كل إنسان يحمل في قلبه ذرة إنسانية، وهو يراها، ويرى غيرها من أبناء البلد. ويرى المواطن، ويرى جاره وزميله وقريبه، وهو يقص عليه حكايات من العذاب والمرارة بسبب.. المسئول أبو عيون حمراء وقلب صخر.

عزيزي المسئول… أياً ما تكون… إحذر، أمامك مواطن.