عادل عبدالله المطيري

الكويت وسلاح الديبلوماسية

عادة، لا تقاس الدول بأحجامها بل بأهميتها، ولذلك فإن الكويت (دولة المدينة) ذلك البلد الصغير جدا جغرافيا له أهمية كبرى.

وتكمن أهمية الدول بعظمة اقتصادها ومواردها البشرية، ولا شك أن الاقتصاد دائما وأبدا بحاجة إلى من يحميه ويدافع عنه، وأقصد بالتحديد السياسة الخارجية للدولة، وحتما ليست القوة العسكرية هي العامل الحاسم في الأمر، والدليل انهيار نظام صدام ذي القوة العسكرية الجبارة وبقاء كويت الديبلوماسية.

فالكويت تتميز بسلعتين استراتيجيتين تصدرهما للخارج ـ (البترول والديبلوماسية) وكلاهما يكملان بعضهما البعض ـ فالبترول عصب الحياة والحضارة وهو السلعة الأكثر أهمية والتي تورد للخزينة العامة الكويتية مليارات الدولارات.

وأما الديبلوماسية بالنسبة للكويت فهي مسألة حياة او موت – لا رفاهية وترف ـ فهي سلاحنا الاستراتيجي امام اعدائنا.

وللحديث عن السياسية الخارجية وخاصة الديبلوماسية الكويتية والتي كانت دائما هي الحصن الحصين بعد الله سبحانه وتعالى في استقرار الدولة وضمان أمنها، فإنها تبدأ منذ تأسيس الدولة الحديثة في زمن حكم الشيخ مبارك الكبير أواخر القرن الـ 19 الميلادي حيث استطاع بسياسته الخارجية ان يراهن دائما على الحصان الفائز، حيث ارتبطت الكويت بالخلافة العثمانية ارتباطا شديدا ومباشرا حفظت به استقلالها عن محيطها، وعندما بدأت تنهار الدولة العثمانية، تحولت الكويت بتحالفاتها سريعا وبذكاء الى الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وهي الدولة العظمى آنذاك (بريطانيا) ووقع الشيخ مبارك الكبير اتفاقية الحماية معها عام 1899، والتي استفادت الكويت منها حتى ايام حكم الشيخ عبدالله السالم عندما واجه تهديد نوري السعيد العراقي باحتلال الكويت وبعد استقلال الكويت عام 1961 اعتمدت الديبلوماسية الكويتية على البعد القومي العربي في تأمين حمايتها وسلامة اراضيها، وكانت بلا شك سياسة ناجحة حفظت امننا القومي بالرغم من اشتعال المنطقة ايام الحرب العراقية ـ الايرانية.

وكان عدم الرضوخ لتهديدات صدام حسين للكويت عام 1990، القرار الاكثر شجاعة في تاريخ الديبلوماسية الكويتية، فقد تصدت للعدوان العراقي الديبلوماسية الكويتية والبلد تحت الاحتلال لتهزمه اولا ديبلوماسيا ومن ثم عسكريا حتى عادت الكويت الى الكويتيين.

بعد عام 1991 تحول العالم من نظام القطبين (الاتحاد السوفييتي وأميركا) الى نظام احادي القطب (أميركا فقط)، ولأن الديبلوماسية الكويتية مرنة جدا وذكية في قراءتها للمستقبل والمتغيرات الدولية الجديدة وقعت الكويت اتفافية الحماية مع الولايات المتحدة لتدخل معها في تحالف استراتيجي وفر لها الامان لأكثر من عقدين من الزمان.

من ميزات الديبلوماسية الكويتية ايضا، دعمها للتغير الايجابي في الجوار، فالكويت دعمت عملية توحيد اليمن سابقا ومشروع الانتقال السلمي للسلطة فيها مؤخرا، كما انها ساهمت في العملية الكبرى وهي تحرير العراق من حكم صدام، وشاركت في عملية التغير الإيجابي في العراق وغيرت معه سياساتها اتجاهه، فبعد اكثر من 13 عاما من العداء تحولت الكويت الى اكبر الداعمين لعراق ما بعد صدام بل تحتفظ الكويت بعلاقات متينة مع اكثر وأهم القيادات السياسية العراقية الحالية .

حتى علاقات الكويت مع الجار الخليجي الاكثر راديكالية وهو ايران ماتزال على مايرام، فالكويت لا تخشى ايران ولكن لا تستعديها ايضا.

وفي العلاقات الخليجية ـ الخليجية بإمكان الكويت دائما ان تكون الوسيط النزيه بين جيرانها في الخليج لحل مشكلاتهم او لتقريب وجهات النظر، بل كانت الكويت صاحبة فكرة إنشاء مجلس التعاون وستكون المحرك الرئيسي ايضا في مسألة مشروع الاتحاد الخليجي وما جرى في كواليس القمة الخليجية الأخيرة في الكويت خير شاهد.

القوة الحقيقية التي تحمي الكويت من الأخطار بعد الله سبحانه هي «قوات النخبة» القابعة في ديوان وزارة الخارجية وفي سفارات الكويت في الخارج، حيث ترصد وتحلل ومن ثم تصنع سياسة خارجية تنسج من خلالها علاقات دولية تحقق اهدافنا الاستراتيجية.

وعلى رأس هذه النخبة بكل تأكيد صانع السياسة الخارجية الكويتية صاحب السمو الأمير حفظه الله، والذي مارس الديبلوماسية منذ استقلال الكويت ومازال يعمل على الحفاظ على هذا الاستقلال.

ختاما، ستستمر الديبلوماسية الكويتية في نجاحها وتحقيق أهدافها مادام هناك رجال مرابطون على الجبهات الدولية، على مستوى وكيل وزارة الخارجية السفير خالد الجارالله الذي تتلمذ على يدي عميد الديبلوماسية صاحب السمو الأمير حفظه الله، فالسفير الجارالله ديبلوماسي لا يشق له غبار، عاصر أهم الأحداث وعصرها ليصنع منها ديبلوماسية معاصرة بنكهة الخبرة.

وكل الشكر إلى جميع ديبلوماسيينا المرابطين في سفاراتنا بالخارج.